شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    مطار دنقلا.. مناشدة عاجلة إلى رئيس مجلس السيادة    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    تنويه هام من السفارة السودانية في القاهرة اليوم للمقيمين بمصر    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    نتنياهو يتهم مصر باحتجاز سكان غزة "رهائن" برفضها التعاون    شاهد بالصورة والفيديو.. في مقطع مؤثر.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبكي بحرقة وتذرف الدموع حزناً على وفاة صديقها جوان الخطيب    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يلتقي اللجنة العليا للإستنفار والمقاومة الشعبية بولاية الخرطوم    شاهد بالصورة والفيديو.. في أول ظهور لها.. مطربة سودانية صاعدة تغني في أحد "الكافيهات" بالقاهرة وتصرخ أثناء وصلتها الغنائية (وب علي) وساخرون: (أربطوا الحزام قونة جديدة فاكة العرش)    قطر تستضيف بطولة كأس العرب للدورات الثلاثة القادمة    الدفعة الثانية من "رأس الحكمة".. مصر تتسلم 14 مليار دولار    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني في أوروبا يهدي فتاة حسناء فائقة الجمال "وردة" كتب عليها عبارات غزل رومانسية والحسناء تتجاوب معه بلقطة "سيلفي" وساخرون: (الجنقو مسامير الأرض)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    سعر الدولار في السودان اليوم الأربعاء 14 مايو 2024 .. السوق الموازي    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    أموال المريخ متى يفك الحظر عنها؟؟    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور يحيى محمّد محمود الملك... طبت حياً وميتاً يا أبا سلمى وياسر .. بقلم: دكتور حسين آدم الحاج
نشر في سودانيل يوم 07 - 09 - 2013

ترجو البقاء بدارٍ لاثبات بها *** فهل سمعت بظلٍ غيرمنتقلِ
(الطغرائي)
آخر عهدى بالدكتور يحيى محمّد محمود الملك كان فى الدوحة فى الليلة التى سبقت توقيع تلك الإتفاقيّة الموسومة بسلام دارفور، وفى ذلك دلالة على همة الرجل، إذ مررت بهاعابر سبيل لبضع أيام قضيتها بفندق تاج الريان على بعد خطوات من فندقموفنبيك التى كان يقيم فيها وطاقم المفاوضين من كل الإتجاهات، زرته بصحبةصديقى المستشار القانونى عبدالمنعم محمد محمود أبوتفة فوجدناه جالساً فى بهو الفندق لابساً جُبّة أنصاريّة فضفاضة يتناسب مع طقس الدوحة الحار شديد الرطوبة وسط جلبة الداخلين والخارجين من أهل دارفور والوفود السودانيّة والعالميّة المختلفة الذين توافدوا لمناسبة توقيع الإتفاقيّة، رفعنا له الفاتحة فى وفاة نسيبه زوج شقيقتهالمغفور له بإذن الله عمّنا عبدالقادر فضيل عليه رحمة الله وكان قد إنتقل للدار الآخرة قبل فترة وجيزة من ذلك اللقاء، بعد السلام والمجاملات والإستفسار عن صحته وعافيته وأسرته تحدثنا عمّا دار فى تلك المفاوضات ودوره فيها إذ كان رئيساً لفريق المستشارين الإقتصاديين لحركة التحرير والعدالة كان من ضمنهم المحلل الإقتصادى المعروف الأستاذ محمد إبراهيم كبج الذى عرفت منه أنّه بالأساس ليس إقتصادياً بل مهندساً لكن وبإجتهاده الخاص برع فى مجال التحليل الإقتصادى المعتمد على لغة الأرقام بجانب أنّه زودنى بالكثير عن تفاصيل مفاوضاتهم مع الجانب الآخر، وقد ذكر لى الدكتور يحيى أنّهم فى مفاوضاتهم تلك قد إتبعوا النهج العلمى المحض وركزوا على لغة الأرقام والشواهد على أرض الواقع وأكدّ أنّ ما توصلوا إليه من نتائج كان معادلاً طبيعياً ومنطقياً مع الظروف التاريخيّة والآنيّة والمستقبليّة الخاصة بدارفور، ودَّعته تلك الليلة على وعد أن نلتقى فى القريب لمتابعة بعض الشؤون الخاصة بدارفور وغادرت الدوحة صباح اليوم التالى قبل لحظات من بدء إحتفالات توقيع الإتفاقيّةولم نعرف بالطبع ما يخبئه لنا القدر فذلك علم الله سبحانه وتعالى:
وَإِنَّا سَوْفَ تُدْرِكُنَا المَنَايَا *** مُقَدَّرَةً لَنَا وَمُقَدِّرِيْنَا
(عمرو بن كلثوم)
لقد غادر الدكتور يحيى الملكحياتنا الفانيّة فى أمسيّة الأربعاء السادس والعشرون من شهر يونيو المنصرم راضياً مرضياً وقد أوفى كيلهغير منقوص لأسرتيه الصغيرة والكبيرة ، وكان براً بوالده (عمّه) الملك رحمة الله محمود وشقيقته الأستاذة نفيسة محمّد محمود الملكوكل أهله بالفاشر ودارفور على وجه الخصوص والسودان أجمع. لقد رثاه بصدق العديد من معارفه وأصدقائه وجدت من بعضهم مقالات منشورة لكل من الأخوة على أبو زيد على، عبدالله آدم خاطر، محمّد عيسى عليو، عالم عباس محمّد نور كما علمت بحفل التأبين الخاص برحيله والذى إلتأم بقاعة الصداقة الأسبوع قبل الماضى بمناسبة أربعينيته فله المغفرة والرحمة وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
الدكتور يحيى هو إبن الملك محمّد محمود الدادينقاوى الملقب ب(دُبُج) ملك قبيلة الدادينقا ذهب لأداء فريضة الحج عام 1944 ولم يعد، ويحيى آنذاك كان طفلاً صغيراً له ربيعان من العمر تكبره شقيقته بسنتين، أقدارُ الله، فخلفه فى الملك شقيقه الملك رحمة الله محمود، ملك الفاشر اليوم، أطال الله عمره ومتعه بدوام الصحة والعافيّة. جَدّه هو الملك محمود الدادينقاوى قائد قوات جيوش السلطان على دينار ووزير دفاعه، وأغلب الظن أن إسم الدادينقا مستخرج صفة لكلمة "دادا" فى لغات دارفور القديمة ومعناها مربو أبناء السلاطين،فقد درج سلاطين دارفور إنشاء مدارس خاصة فى قصورهم لتربيّة أبناءهم وأبناء الزعامات القبليّة والعشائريّة المنضويّة تحت حكمهم توطئة لتدريبهم القراءة والكتابة والحساب وحفظ القرآن الكريم بجانبفنونالحكم والإدارة بما يتناسب ومهامهم مستقبلاً كورثة لعروش آبائهم ومن ثمّ ضمان ولاءهم المطلق للسلطان وأسرته الحاكمة، لذلك فإنّ قبيلة الدادينقا هم بالأساس مربو أبناء السلاطين فى القصور الملكيّة وحق لهم ذلك لما يتميزون به من حكمة وجلد ورزانة وخُلقعظيم ولما عهده الناس فيهم من تدبر وتبصر فى تقدير الأمور وإلى يومهم هذا، وبكل هذه الأروميّة فى النسب والمكانة ظلّ المرحوم متواضعاً طوال عمره بل وقد لا يعرف الكثيرون عنه هذه المعلومات لعلّ ديدنه فى ذلكقول الإمام علي رضي الله عنه:
إن الفتى من يقول ها أنا ذا *** ليسَ الفَتَى مَنْ يقولُ كان أبي
أثناء عملى فى جامعة بنسيلفانيا مطلع هذه الألفيّة عثرت فى مكتبتها المركزيّة على كتاب نادر باللغة الإنجليزيّة عن الفترات الأولى للإحتلال الإنجليزى للسودان عقب إنهيار الدولة المهديّةبجانب الفترة الأولى منضمً دارفور إليها فى العام 1916 مليئة بصور فوتغرافيّة نادرة وجدت بينها صورة كاملة للملك القائد الأسير محمود الدادينقاوى مأخوذة فى الفاشر أمام الدرادر القديمة شمال القصر فى حوش السلطانبعد سقوط السلطنة، وكما توضح الصورة فقد كان شخصاً فارعاً يقف منتصباً بكبرياء آسر، يبدو مائلاً قليلاً إلى الوراءوكأنّه يسند ظهره على شيئ ما، لابساَ عمامة وجلابيّة تبدو واسعة قليلاً فوقه قفطان من الجوخيّةتتدلى حتى تغطى مركوبه الفاشرى الأصيل، رابطاً وسطه بمأزر غليظ مفتول من القطن الثقيل تتدلى طرفاه حتى منتصف ساقيه، وجهه جامد ونظرته مسدّدة وكأنّه يتحدى المصور الإنجليزى ويتوعده بملاقاة أخرى بعد واقعة سيلى (برنجيّة) الذى أبلى فيها جيشه بقيادة رمضان بُرّة بلاءاً حسناًضد القوات الإنجليزيّة الغازيّة عبرة سلسلة طويلة من المعارك لكنّ الكلمة النهائيّة فيها كانت للسلاح النارى المتمثل فى مدافع المكسيم والفكرز وقنابل الطيران، حيث شهدت تلك المعاركأول مشاركة فعليّة للطيران الحربى على مستوى أفريقيا تمثلت مهمتها فى القصف الجوى وإرهاب جيش السلطان بجانب إلقاء المناشير فوق المدينة تحث الناس الإنفضاض من حول السلطان، وقد إحتاط الإنجليز جيداً لتلك المعركة تحسباً لمعارك ضاريّة وفى ذهنهم تحالف السلطان معتركيا وألمانيا والنمسا فى الحرب العالميّة الأولى ضد تحالف الوفاق البريطانى الفرنسى الروسى والتى خمدت أوارها للتو أيام ذلك الغزو، ومن الطرائف التى تُحكى عن تلك المعركة أنّ الناس قد حاولوا التصدى لتلك الطائرات المروحيّة بالسفاريك وهى عصىمحدّبة منحنيّة تستخدم لمطاردة الصيد والقنص، لقد كانت الصورة غير ملونّة كعادة الصور التاريخيّة القديمة مكتوب تحتها باللغة الإنجليزيّةMahmoud al-Dadingawi: Fur Army Chief of Staff(محمود الدادينقاوى: قائد أركان جيوش الفور)، فإستلفتها من المكتبةعلى عجل وأخذتها إلى محل طباعة ملونة حيث تمّ نسخها وتكبيرها وتلوينها كاملة بدرجات مختلفة من اللون البنى أرسلتُ بعضاً منها بالبريد العاجل لإبنه (عمّنا) الملك رحمة الله محمود عن طريق الدكتور يحيى وكان يومها مديراً بالمصرف العربى للتنميّة الإقتصاديّة فى أفريقيا«باديا» كما أرسلت نسخاً أخرى لأحفاده أبناء الملك رحمة الله، مصطفى ومهدى، المقيمين بمدينة بيرمنجهام ولايّة ألاباما.
إنّ الشاهد فى الأمر أنّ مدينة الفاشر قد نالت إهتماماً خاصاُ فى الإستراتيجيات الحربيّة للقوى الكبرى فقد بُنى مطارُها الحالى قبيل إندلاع الحرب العالميّة الثانيّة كقاعدة حربيّة للطيران الإنجليزى فى عمق الصحراء لمقاومة إجتياح القوات الألمانيّة لشمال أفريقيا، قال لى والدى عليه رحمة الله أنّه عندما نزح من الريف إلى داخل المدينة قبيل إندلاع الحرب بقليل كانت أول مهنة إمتهنها قبل التجارة هى تدوير زعانف تلك الطائرات المروحيّة لتشغيل ماكيناتها قبل الطيران وأنّهم كانوا يشعلون النيران فى مواقد خاصة على جانبى المدرج أثناء الليل لقيام وهبوط تلك الطائرات أثناء مهامها، ومن سخريّة القدر أن دارفور التى وقفت مع ألمانيا فى الحرب العالميّة الأولىضد بريطانيا تغيّر موقفها بفعل الإستعمار الإنجليزى لتقف مع بريطانيا ضد ألمانياأثناء الحرب العالميّة الثانيّة وقد شارك العديد من الأفراد الدارفوريين فى معركة العلمين الشهيرة غرب الأسكندريّة والتى إنهزمت فيها القوات الألمانيّة والإيطاليّة ومثّلّت نقطة حاسمة فى مسار الحرب في نوفمبر عام 1942، ومع كل ذلك لم ينس الألمان وتركيا والنمسا وإلى يومنا هذا فضل وقوف دارفور بجانبهم فى الحرب الأولى. لقد ذكرت أمر هذا المطار لجنرال أمريكى متقاعد كان من المشاركين فى ذلك الحرب فإندهش ووعدنى أن يبحث فى الأمر ويفيدنى لكنّه لم يفعل وعلى كل هذا مجال بحث واسع وتوثيق جيّد.
بعد فترة من إستلامه لصورة جَدّه إتصل بى الدكتور يحيى مأخوذاً بها شكرنى بحرارة وقال لى أنّه أعاد إخراجها فبدا أكثر وضوحاً وجمالاً، كما إتصل بى عمّنا الملك رحمة الله محمود بعد إستلامه لصورة أبيه قال لى أنّه بكى عند مشاهدته لها ورفع الفاتحة على روحه وكان إحتفالاً عظيماً عمّ كل مواطنى المدينة، إذ فارق والده الحياة وهو طفل صغير، وعلى حد قوله أنّه لم يملأ عينيه بوجه والده، لكنه بدا أكثر سعادة أن يراه ماثلاً أمامه فى تلك الصورة بكل ذلك الشموخ والكبرياء.
لقد طلب منى الدكتور يحيى أثناء ذلك الإتصال أن أستمر فى البحث عن مصادر موثّقة عن تاريخهم الضائع والمشوّه عمداً ولم يفت ذاك بالطبع عن خاطرى إذ بات جمع الكتب والوثائق النادرة عن دارفوريمثل بالنسبة لى هوايّة دائمة حافظتُ على جمعها لسنوات فى كل صورها الورقيّة والإلكترونيّة ساعدنى فى ذلك توفر فرص لى للحصول على الكتب النادرة من كبريات الجامعات الأمريكيّة ومكتبة الكونغرس، وضمن هذا الجهد فقد حصلت العام الماضى على نسخة من كتيب صغير نادر محشو بتفاصيل دقيقة عن حياة السلطان وأمور السلطنة لم تتوافر فى أى من المصادر الأخرى بعنوان: (فتح دارفور سنة 1916 ونبذة من تاريخ سلطانها على دينار) مذكرات البكباشى حسن قنديل (مصرى)وطُبع على نفقة الأمير عمر طوسون سنة 1356 ه - 1926م، وقد ورد فى الكتاب إشارات عن الملك محمود الدادينقاوى موصوفاً كثانى رجل بعد السلطان فى المكانة والوجاهة، أعددت نسخة منها لدكتور يحيى لتسليمها له فيما بعد، لكنه القدر.
لقد جاء فى مذكرات ذلك البكباشى أنّ الأمير محمود الدادينقاوى تسميه الرعيّة بالملك محمود تقديراً لأهميته وقد منحه السلطان هذا اللقب تقديراً له وأنّه، أى الملك محمود، قد تمّ أسره فى الفاشر فى 26 مايو 1916، وقد وصفه البكباشى بأنّه رجل راجح العقل كثير الوقار والتأنى والهيبة وأنّه قاد مقاومة ضاريّة ضدّ تقدمهم نحو دارفور إبتداءاً من أم كدادة فى الشرق على حدود كردفان فأعمل الفكرة وطرق كل أبواب الحيل الحربيّة بمنتهى الشجاعة والإقدام لكنّه فشل لتفوق السلاح النارى وقنابل الطيران.
تربطنى بالدكتور يحيى صلة النسب إذ كان متزوجاً من عمتنا المرحومة الدكتورة عاليّة أحمد أمين المحاضرة سابقاً بجامعة الملك فيصل بالمملكة العربيّة السعوديّة وهى شقيقة مولانا عبدالحميد أحمد أمين أول مؤسس لديوان الزكاة بالسودان، وهكذا هم أهل الفاشر إذ فى الغالب تجمعهم صلات الدم والنسب.
والدكتور يحيى من الرعيل المثقف من أبناء مدينة الفاشر بعد فترة إستقلال السودان وقد نبغ كل فى مجاله، تلك الكوكبة من الأقران ضمته مع البروفسير محمود موسى محمود، مولانا عبدالحميد أحمد أمين، الدكتور محمد أحمد بدين، المرحوم البروفسير عبدالحى عبدالحق، المرحوم الأستاذ مختار محمد على نورالدين، المرحومة الدكتورة عاليّة أحمد أمين، الدكتور إبراهيم موسى محمد، الأستاذ الشاعرعالم عباس محمّد نور، الفريق إبراهيم سليمان حسنوغيرهم وليعذرنى الذين فات علىّ ذكرهم مع هذه الكوكبة.
كما كان المرحوم ضمن أول دفعة تمّ قبولها بمدرسة الفاشر الثانويّة العريقةعام 1959 فى مبانيها بالفاشربعد أن أُفتتحت فى العام الذى قبله عام 1958 بمدرسة بورتسودان الثانويّة لعدم جاهزيّة المبانى بالفاشر، ليدور الدور بعد ذلك وتحتضن الفاشر الثانويّة نفسها إفتتاح مدرسة كادوقلى الثانويّة عام 1968 ثمّ تحتضن مرة أخرى إفتتاح مدرسة نيالا الثانويّة عام 1970، تلك المدارس ورصيفاتها حنتوب ووادى سيدنا وخور طقت قد ساهمت فى إرساء دعائم لنشؤ وبلورة قوميّة سودانيّة حديثة.. لكن، ولكن، على قول الشاعر الراحل صلاح أحمد إبراهيم.
تخرج المرحوم فى كليّة الإقتصاد جامعة الخرطوم وإلتحق بالعمل فى بنك السودان، قال لى ذات مرّة أنّه وبعض أصدقائه ببنك السودان ظلوا يترددون على المركز الثقافى الفرنسى بالخرطوم فأخبرهم مديره بحصول المركز على منح للدراسات العليا بفرنسا وشجعهم على التقديم فقدموا وكان ليحيى نصيب فدلف إلى هناك وتحصل على درجتى الماجستير والدكتوراة فى الإقتصاد فى جامعة السوربونعاد بعدها للسودان فى النصف الثانى من السبعينات ملتحقاً بالرعيل الأول من مؤسسى المصرف العربى للتنميّة الإقتصاديّة فى أفريقيا وتدرج فيها حتى صار مديراً لقسم التمويل وأميناً للمال ثمّ تقاعد مطلع الألفيّة.
بعد تقاعده تفرغ دكتور يحيى بالكامل تقريباً للعمل من أجل دارفور مواصلاً ما بدأه من قبل فى تأسيس الشركة الغربيّة للتجارة ثمّ البنك الإسلامى لغرب السودان، والذى تحول لاحقاً لمصرف تنميّة الصادرات ، ثمّ تأسيس اللجنة الشعبيّة لإعمار دارفور، ثمّ وضع مقترح للسمات الأساسيّة لبنك دارفور والذى يشرف على إنشائه دولة قطر وقد كان من المأمول أن يكون مديراً له لولا أقدار الله.
أثناء إقامتى بمدينة فيلادلفيا كان يزورنا بين الفينة والأخرى للإقامة مع أسرته الثانية وفى إحدى المرات طلب منى الإخوة فى واشنطن أخذه إليهم بغرض تكريمه برحلة ترفيهيّة على شاطئ نهر البوتاماك وكانت بحق ترفيهيّة تحت زخات ناعمة ومتقطعة من رذاذ المطر لم تفسد علينا بهجة المكان ولحظتها قابل خلالها أقرانه بالبنك الدولى وأسرهم منهم الدكتور سلمان محمد أحمد سلمان، الدكتور إبراهيم البدوى، المستشار العاقل عطا المنان ولفيف من السودانيين وأبناء مدينة الفاشر يتقدمهم بشير إسحق، منظم الرحلة، عمر قمرالدين، الأستاذ أحمد حجر وغيرهم.
كان مهموماً بدارفور دائم البحث عن خطط ومقترحات من أجل نهضتها، ففى زيارة عمل لى للخرطوم فى صيف عام 2008 نظّم لى منبر أبناء دارفور للحوار والتعايش السلمى بقيادة الفريق إبراهيم سليمان ندوة عن دارفور بنادى القوات المسلحة أمّه عدد غفير من المثقفين بالعاصمة أعقبه عشاء فاخر ولم يفت على دكتور يحيى أن يسلمنى بعدها ملفاً كاملاً عن مقترحه لتنميّة وإعمار دارفور وهو الملف الذى إتفقنا على مناقشته فى لقائى الأخير به.
إنّ تذكر الدكتور يحيى يجبرنا أن نشير إلى الدور المحورى الذى لعبه عمّه وعمّنا الملك رحمة الله محمود ملك الفاشر فى مجال الإدارة الأهليّة ليس على مستوى دارفور فحسب بل وعلى مستوى السودان كله، إنّه تاريخ ما زال يمشى بيننا إذ عاصر الأحداث وعاصرته وتفاعل معهاوتفاعلت معه وكان شاهداً عليها مدى ثمانيّة عقود وأكثر من الزمان نال خلالها الأوسمة والتكريمات المختلفة من كل الحقب التى حكمت السودان من الإستعمار الإنجليزى إلى فترات الإستقلال والحكم الوطنى وصار مرجعاً قومياً فى مجال الإدارة الأهليّة والحكم المحلى، عليه يجدر بنا نحن أبناء هذا الجيل توثيق حياة وإنجازات رجل بهذه القامة وهذا حقّه علينا.
فى أمسيّة أحدى الليالى منتصف العام الماضى وأنا أقلب فى القنوات الفضائيات بعد يوم مرهق من العمل وقفت عليه فجأة يروى جزءاً من سيرته الذاتيّة من على قناة الشروق الفضائيّة تمنيت بعدها لو كان لدى جهاز تسجيل فى تلك اللحظات لتوثيق مرافعته تلك، ولقد كان ذلك بالنسبة لى فرصة واحدة من العديد من الفرص التى فاتت علىّ إنتهازها أشهرها وأشدُّها علىَّ وقعاً ضياع فرصة توثيق حياة وإفادات عمّنا الحاج عبدالسلام أحد سدنة الحرم النبوى الشريف بالمدينة المنورة، وقد كان ضمن الصبيان الذين ظلّ السلطان على دينار يرسلهم بين الفينة والأخرى،بعد تربيتهم فى القصر، ضمن محمل الكعبة لخدمة الحرمين الشريفين، لقد ظلّ الحاج عبدالسلام ومنذ إرساله إلى الحرم فى بدايات القرن الماضى على إتصال دائم مع أهله بدارفور يزورهم بين الفينة والأخرى وظلّ يستقبل الحجاج والمعتمرين من أهل الفاشر عند زيارتهم للمدينة المنورة للسلام على النبى (صلعم) وكان له مكان ثابت مخصص داخل الحرم النبوى الشريف حيث يجده الزائرون. فى بدايّة تسعينات القرن الماضى زار الفاشر كعادته ونزل عند إبن أخته، جارنا أحمد عبدالكريم، ونسبة لإنشغال هذا بالتجارة فقد تولينا فى أسرتنا خدمة الرجل إذ ظلّ والدى عليه رحمة الله ملازماً له وكنت أحمل إليهم شاى الصباح مع القهوة واللقيمات أراقبهما يتحدثان بصوت خافت ويظلان على تلك الحالة حتى أحمل لهما طعام الإفطار، العصيدة والمأكولات الدارفوريّة الدسمة، ثمّ ينصرف والدى لبعض شؤونه فى سوق الفاشر ليجتمعا مرة أخرى بعد الظهيرة للغداء وأقوم بخدمتهما بنفس الكرم والأريحيّة، على ذلك إنقضت عطلتى وغادرت ثم جائنى خبر وفاته بعد فترة فضربت جبهتى براحة يدى متأسفاً على ضياع فرصة كانت بين يدىّ لتوثيق حياة الرجل دونما وسيط ومن فمه مباشرة فقد كان متاحاً لدىّ كل ذلك الوقت الذى قضيته بالفاشر، زاد من ألمى أنّ قصته لا يعرفه إلا هو وقد مضت معه، وكنا قد قدمنا العم المرحوم فضل موسى عليه رحمة الله وقد كان فى صغره ضمن كشافة (طلائع) الجيش الإنجليزى الذى أطاح بسلطنة على دينار، قدمناه فى محاضرة بمركز شباب الفاشر فى عام 1979 وكان معه الملك رحمة الله والمرحوم الأمير سليمان على دينار، فتحدث عن معركة سيلى وأعطى وصفاً عسكرياً عريضاً لما حدث كمشارك وشاهد عيان، كما تحدث الملك عن دوره فى تحويل قصر السلطان بالفاشر إلى متحف دارفور إذ كان رئيساً للّجنة التى كونها الطيب المرضى حاكم دارفور المكلف آنذاك، أذكر من تلك الأمسيّة أن العم فضل موسى أشار إلى أنّه سيكتب، أو قد كتب، مذكراته عن تلك الفترة ويا ليته قد فعل إذ بالإمكان مراجعة أسرته عن ذلك.
لكن مما يثلج الصدر أنّ شبابنا اليوم قد بدأ يهتم أكثر بمسألة التوثيق لشخصياتنا القوميّة فقد طالعت فى موقع سودانيزأونلاين توثيقاً حديثاً لحياة الملك رحمة الله بالصوت والصورة قام به الأخ ذواليد سليمان مصطفى وهو إبن عمّنا المربى والبرلمانى الأسبق المرحوم سليمان مصطفى (أمبرو) فله الشكر والتقدير ويمكن متابعة تغطيته عبر هذا الموقع:
لأول مرة توثيق تاريخي مع الملك رحمة لله ملك الفاشر منذ 1944 الى الآن-فيديو
http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=440&msg=1377630927
ومع ذلك فأنّنى أدعو لتوثيق حياة الملك رحمة الله بصورة أكثر علميّة ومهنيّة تتناول فلسفته فى الإدارة ورؤاه لإصلاح نظام الحكم المحلى والإدارة الأهليّة بدارفور خاصة مع عجز كل السلطات المحليّة والقوميّة بسط السلام والأمنعلى ربوع الإقليم وتعزيز مرتكزات التعايش السلمى بين القبائل يقينى فى ذلك أنّ حل قضيّة دارفور يتركز جزء كبير منه على عاتق الإدارة الأهليّة المؤهلة قويّة الصلاحيات، وأود من هذا المنبر أن أناشد إخواننا المثقفين وأخص منهم بالذكر الأخ الأستاذ الشاعر عالم عباس محمد نور والكاتب الروائى إبراهيم إسحق وصديقى البروفسير عثمان عبدالجبار مدير جامعة الفاشر المبادرة بتبنى هذه الفكرة وهم أهل لها، وعمّنا الملك ليس ببعيد عنهم بل يعرفهم جميعاً كأبنائه، مع ترحيبنا وإهتمامنا بكل الجهود المخلصة للآخرين فى هذا الإتجاه.
وطالما قد أوردنا ذكر الأخ عالم عباس فى هذه المرثيّة أود أن أطلب منه كذلك وشخصياً المبادرة بتوثيق وجود الجاليّة الأغريقيّة بمدينة الفاشر، لقد كان الأغاريقوالسوريين والهنود يشكلون شريحة هامة من مجتمع الفاشر وجزءاً هاماً من سوقها ومن فى جيلنا، خاصة أبناء السوق، من لا يتذكر شخصيات مثل مماكوس وولده وشاشاتى وأولاده ومنجيلى وولده وبربو وباسكالى ووليم وقدوم الحوت وأبيّداً مقطوع وإرستيرس وغيرهم يتاجرون فى الأغذية خاصة المعلبة والمستوردة منها والأجبان الرومانيّة والزيتون والمشروبات وأنواع التبغ الفاخر ويديرون مصانع المياه الغازيّة كالليمونادة والبسيبسى والميرندا وكذلك يتاجرون فى الأقمشة والمنسوجات بمختلف أنواعها والشاى والبن والأجهزة الكهربائيّة وغيرها، لكن وللأسف غادر جلّهم المدينة بعد النكبات الإقتصاديّة المتتاليّة التى ضربت البلاد منذ حملات التأميم الجائرة والتى طبقها نظام النميرى وما ترتب عليها من إنهيار مستمر للإقتصاد السودانى، أمّا لماذا إخترت أخى وإبن عمّى الأستاذ عالم تحديداً لهذه المهمّة فلأنّه إبن سوق الفاشر (إبن الوكالة) فهو يعرف كل أولئك الأغاريق معرفة تامّة، واحدأ بعد الآخر، دخل منازلهم وإختلط بأسرهم وزامل أبناءهم بل إنّ صديقه الشخصى وزميل دراستهكان منهم إسمه منصور، إبن شاشاتى قسيس كنيسة الفاشر، وبالرغم من أن منصوراً هذا قد غادر المدينة منذ نهايّة الستينات عقب تخرجه من مدرسة الفاشر الثانويّة وإستقراره فى أثينا حيث درس الطب وما زال يمارسه إلاّ أننى شاهدته قبل سنوات يكتب فى موقع سودانيزأونلاينيبث حزنه وأنينه من أثينا لما يحدث فى دارفور التى ألفها وألفته،، لكل ذلك فإنّ عالماً قد يكون الوحيد الذى يحتفظ فى خزانة ذاكرته بالكثير عن هؤلاء القوم وأصدق من يكتب عنهم خاصة وقد إمتلك ناصيّة القلم وسلاسة التعبير ودقة الوصف ورصانة الأسلوب مع معرفة عميقة بثقافة مجتمع الفاشر فى ذلك الوقت ودور سوقها (والوكالة) فى الإشعاع السياسى منذ حرق العلم البريطانى فى مطلع الخمسينات فى الطريق نحو الإستقلال، ويمكنه حسب ذلك أن يفسر لنا الكثير عن أوجه حياة تلك الجاليّة مثلحقيقة زواج شاشاتى القسيس المسيحى رئيس الكنيسة من سيدة مسلمة ربّت له العديد من البنين والبنات إنقسموا فى دينهم فمنهم المسيحى ومنهم المسلم ودلالة ذلك على سماحة أهل دارفور!!، أحد أبناءه هو الدكتور عادل شاشاتى، طبيبى الذى كان يعالجنى من مرض الربو فى صغرى فى مستشفى الفاشر وقد كان له وحتى عهد قريب عيّادة فى شارع الثورة النص بأم درمان، وشقيقته الدكتورة عادلة شاشاتى التى عالجت شقيقتى من حالة شلل محتمل فى مستشفى الفاشر أثر حقنة غرزت فيها بطريقة خاطئة، وكانت إلى عهد قريب أيضاً تعمل طبيبة بالمستشفى السعودى للولادة بالثورة،، فهلاّ فعلتها يا أبا زرياب !!.
توثيق وجود الجاليّة الإغريقيّة بالفاشر يذكرنى بمحاولة التوثيق الجادة التى قام بها أخى وإبن أستاذى المتوكل محمّد موسى عن تاريخ الجاليّة الليبيّة فى دارفور بعنوان (الليبيون فى دارفور.. هجرة منسيّة) نشرها فى جريدة الصحافة عندما كان يكتب فيها بصورة راتبة وبعض المواقع الإسفيريّة قبل سنوات قليلة، وهؤلاء الليبيين نسميهم فى الفاشر بالفيزان (والصحيح الفزَّانيين نسبة إلى إقليم فزّان جنوب غربى ليبيا) وأوضح المتوكلأثرهم الإقتصادى والسياسى خاصة فى ظل العلاقات التاريخيّة القديمة والممتدة بين المنطقتين، كما أوضح من خلال تغطيته تلك دور أسرتى أبوصفيطة بالفاشر والشيخ السنوسى النفّار بالجنينة، ويرجع الفضل فى تأسيس مدينة الجنينة الحاليّة للأخير هذا إذ كان مستشاراً خاصاً للسلطان محمّد بحرالدين (أندوكة) سلطان دار المساليت إذ أنّ العاصمة القديمة درجيل كانت قريبة من حاميّة الجيش الإنجليزى مقطع وادى كجا الأمر الذى كان بالإمكان أن يشكل تهديداً لها. أما أسرة أبو صفيطة بالفاشر فقد تخصصوا فى تجارة الإبل بين دارفور وليبيا ومصر وكان لهم فضل فى نشر الدين الإسلامى والقرآن الكريم فى دارفور من خلال المسجد الذى بنوه وسط مدينة الفاشر(جامع الفيزان) وقد كان المرحوم خالى عبدالمجيد محمّد مسكى شقيق والدتى فقيه (فكى) الخلوة الملحقة بالجامع ومؤذنه لحوالى نصف قرن من الزمان، كما قاموا ببناء مبانى كاملة ملحقة بالجامع لتحتضن جامعة القرآن الكريم فرع الفاشر بجانب مبنى آخر لتحتضن كليّة للبنات لكن لم يكتمل المشروع بعد بالرغم من جاهزيّة المبانى.
أود أن أشيرفى هذه السانحة إلى أننا بحاجة لتوثيق حياة ومساهمات كبارنا فالكثير منا لا يعرف مثلاً طبيعة المداخلات والمصاهرات بين أسرتى السلطان بحرالدين والناظر مادبو أو ما بين دارفور وأسرة الإمام المهدى؟ وحتى دور الشخصياتالتى لعبت أدوراً وطنيّة على المستوى القومى ظلّت سيرتهم مطمورة عن ذاكرتنا فالملك رحمة الله محمود كان ثانى أثنين من شيوخ دارفوركانوا حضوراً ضمن المشاركين فى إحتفالات رفع علم إستقلال السودان وقد أورد الأخ ذو اليد أسماءهم وصورهم: الملك رحمة الله محمود من الفاشر والشيخ عثمان إسحاق من كتم، ومثال آخر من هو عبدالرحمن دبكة وما دوره فى إستقلال السودان وهل كان موقفه فى ذلك اللقاء الحاشد بمدينة عد الغنم، مسقط رأسه وحاضرة قبيلته البنى هلبة، هو ما أجبر إسماعيل الأزهرى ترديد الهتاف مع الجماهير الهادرة (السودان للسودانيين)ومن ثمّ التراجع عن فكرة الإتحاد مع مصر؟ وهل بسبب ذلك قدمت الجمعيّة التأسيسيّة السيد عبدالرحمن دبكة فى البرلمان لقراء نص تقرير المصير والإستقلال؟
نريد أن نعرف أيضاً حياة ودور كل الشخصيات التاريخيّة من دارفور ولذلك لا أود أن أذيع سراً فى أنّ هناك تفكيراً قيد البحث لبدء مشروع كبير يجرى تصميمه بهدؤ وتريث لإعداد "موسوعة أعلام دارفور" لتوثيق حياة وأدوار كل الزعامات والأعلام الدارفوريّة من التاريخ السحيق وإلى فجر اليوم هذا وذلك بمراجعة وإستخلاص ما ورد فى الكتب التاريخيّة والمخطوطات القديمة والتراث والذاكرة التاريخيّة الشعبيّة للمجموعات والقبائل وسوف يتم إعداده فى مدى سنوات لتغطيّة المشاهير فى كل الإقليم والقبائل حسب توفر مصادر البحث والغطاء المادى، وفى الحقيقة فإنّ هذا المشروع فى حد ذاته يمثل جزءمن مشروع أكبر سيتم الإعلان عنه فى حينه قد يكون له أثر بالغ فى إستقرار دارفور وإعادة بناءه وتنقيح تاريخه ونشر تراثه بما يتناسب ودوره فى التاريخ القومى للسودان والتاريخ الإقليمى لمنطقة وسط أفريقيا وحوض النيل ولا غرابة فى ذلك عندما إختارت منظمة اليونسكو مدينة الفاشر فى النصف الأول من سبعينات القرن الماضى لإحتضان أول مجمع ثقافى من نوعه فى أفريقيا لكن،، ولكن،،ولكن،،
رحم الله الدكتور يحيى الملك فالرجل فضاءه واسع وسواحل بحوره ممتدة وقد طاف بنا وإستنطقنا من حيث ندرى ولا ندرى، وقد ظلّ هو كذلك فى حياته نستلهم منه حتى فى مماته، ولكل ذلك نعزّى فيه أنفسنا وعمّه الملك وشقيقته الأستاذة نفيسة وأشقاءه الآخرين وزوجتيه وإبنته الدكتورة المهندسة سلمى وإبنه ياسر إخصائى علوم الكمبيوتر بوادى السيلكون بكاليفورنيا وأبناء الملك إخوانى محمّد وصديق ومهدى ومصطفى وشقيقاتهم وإلى كل أهلى بحى الدادينقا بالفاشر وجموع أهلنا هناك والسودان أجمع وإنا لله وإنا إليه راجعون،،،
وأفجَعُ مَنْ فَقَدْنا مَن وَجَدْنا *** قُبَيلَ الفَقْدِ مَفْقُودَ المِثالِ
يُدَفِّنُ بَعْضُنا بَعضاً وتَمْشِي *** أواخِرُنا على هامِ الأوالي
(المتنبئ)
الجزائر العاصمة
5سبتمبر 2013
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.