أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    شمس الدين كباشي يصل الفاو    لجنة تسييرية وكارثة جداوية؟!!    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    المريخ يتدرب بالصالة    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    سوق العبيد الرقمية!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية الدواء الفوار .. بقلم: الصادق عبدالله عبدالله
نشر في سودانيل يوم 12 - 09 - 2013

فكرت أن أكتب عن الدواء الفوّار ( وليس صندوق الدواء الدوّار) كما قد ينصرف إليه الذهن . فقد أصابني من الدواء الفوّار أذىً. استعرضت معلوماتي وحكاياتي عنه فوجدتها كافية ومفيدة للكتابة. تذكرت الأحداث وتذكرت الأصدقاء في مجال الدواء. لكن انتابني أن أمسك ولا أكتب. ماذا تفيد الكتابة في الثقافة الثالثة. إن كان موضوعي هذا لقاءا مع سلفاكير أو حواراً مع صلاح قوش أو مناكفة للمتعافي أو تعقيباً على وزير المالية على نظرية الاعتماد على الكسرة ، أو عن الترابي أو نقد لضج الناس من جرائه واختصموا. ذلك أنّا قد (هرمنا، هرمنا) من نوع الكتابة، التي يطرب لها الناس من تحت الجريدة المفرودة، وتصيبهم الدهشة من المعلومات العلمية والمؤودبة (صارت أدباً). إذا ابتسموا ابتسموا على استحياءٍ مثل الموناليزا. الشكر للشبكة العنكبوتية والتلفونات الخليوية، التي تحمل الردود المترعة بالشعور النبيل، والتي وحدها تدفع بأن هناك ثمة شريك في الوجدان يتجشم المشاق ليوصل توهجه العاطفي. فلكل من أبرقنا شبكياً أو تلفونياً وشاطرنا القراءة والنقد له الشكر، فهم وحدهم الذين يجعلون هذا النهر يجري. أضاف لي الدكتور عصام كباشي في موضوع سنار عاصمة الثقافة ( أن بتول الغبشة ليست من الغبش) أما البروفسور الوزير مامون ضو البيت من حقوله البعيدة لم ينسى أن يبعث بعبارات أظل ممتناً لها عندما كتبت الشعب يريد تغيير المناخ. صديقي الفنان الفريعابي انتابته أبيات للراحل صلاح أحمد إبراهيم عندما قرأ موضوعي عن سنار عاصمة الثقافة الإسلامية. ولا انسي أصدقائي السادة القريبية الطيبية، دكتور محمد زين أحمد ودكتور شاع الدين الذين ظلا يقرآن ما أكتب ويدفعان للمزيد. وأصدقاء آخرين لهم مني التحايا زاكيات طيبات.
تعودت أن أكتب في الثقافة الثالثة. وهي يا أصدقاء ثقافة بينية هجين بين الثقافة الأولى والثقافة الثانية. الثقافة الأولى تعني ما ينتجه الأدباء و الفلاسفة وكتاب القصص الطويلة والقصيرة والشعراء منهم و الروائيون والنقاد والمسرحيون والسينمائيون من بعد. كذلك ما ينتجه المغنون والعازفون معهم والإعلاميون من بعدهم. واحسب أن من بين هؤلاء المذكورين يوجد الغاوون الذين يتبعون الشعراء، إن كان (تبعانهم) للشعراء تبعاناً حسياً أو معنوياً أو كل ذلك. وحسب قراءات لي مؤخراً، أن مصطلح الشعراء قد يشمل كل منسوبي الثقافة الأولى لاستخدامهم مادة الشعور والوجدان أكثر من العقل المجرد.
أما الثقافة الثانية فهي ما ينتجه علماء الأكاديمياء في الفيزياء و الكيمياء والأحياء والرياضيات. الذين جاءوا بنظريات الميكانيكا و القوة و الطاقة و الذرة و الانشطار الذري و النسبية و نظرية الكون الأحدب. ومعهم علماء الأحياء في الكائنات الدقيقة و الجينات والجينوم و الفسيولوجيا والأنسجة وعلوم أخرى بينية ايضاً مثل الكيمياء الحيوية والفيزياء الكيميائية وميكانيكا الحرارة و يزياء ما بعد الكمية والنينو واللانينا والنانو وغيرها وغيرها. إلا أن الشق الثاني من المثقفين (علماء الأكاديميا) ظلوا لا يجيدون الكتابة والكلام مع الجماهير في الهواء الطلق والمسارح وبيوت الأفراح وبيوت العزاء والمواصلات العامة. ولا نجد منتجاتهم في المسارح و دور العرض والكاسيتات في المطاعم و المقاهي والبصات السياحية وغير السياحية ولا كتبهم في الأكشاك وصحف الجرائد .
كان أصحاب الثقافة الأولى أكثر كلاماً وشهرة. صنعتهم الكلام والشعر والتمثيل والغناء ثم السينما ومؤخراً الإعلام . نصبوا لثقافتهم المسارح و أسواق الشعر والشاشات المحدبة والمستوية وعرضوا الروايات والأفلام والمعلقات من لدن والإلياذة والاوديسا ، مرورا بامرئ القيس وزهير وعنترة المهلهل والسمؤأل والأصمعي والمتنبئ و حتى ليالي الحلمية و هوليود و الأوسكار ومهرجان كان، يا ما كان وحتى أجمل الملكات في تاريخ بابل و اطول النخلات في ارض العراق. ومع ثورة الاتصالات ملأوا الدنيا ظهوراً و غناءاً ورقصاً و تمثيلاً. و قد انتقدوا بعضاً و نقدوا بعضاً جوائز وأوسمة تقام لها المهرجانات. أما أصحاب الثقافة الثانية فقد ظلوا دهراً يتخافتون فيما بينهم و يتبادلون مكتشفاتهم ويتنطعون فيما بينهم بلغة علمية جافة أحياناً و متحذلقة مطولة أحياناً أخري. و لا زالت بطون الكتب و المعامل و الجامعات تحوي الكثير المثير الذي نيلت به الدرجات الُعلى من الألقاب العلمية.
لسنا يا أصدقاء بدعاٍ من الأمم فشهرة الأوائل (الأدباء و المطربين و حتى نجوم الغد منهم) لدينا أوسع من الآخرين. قد مضى محجوب عبيد ومضى النذير دفع الله ومضى عمر بليل و السماني يعقوب وآدم سلام وآدم خليل أزرق و مضى بالامس صغيرون الزين صغيرون، وبين ظهرانينا آخرين ينظرون و ما بدلوا منهم على الخضر كمبال و ختمة حسن الملك و جمال محمود و محمود ود أحمد و أحمد عبدالرحمن العاقب والطاهر صديق (توفي في حادث بعد كتابة النسخة الاولى من هذا المقال) وصديق حياتي و كل منهم بحوث طويلة وقصيرة و عميقة ودقيقة استحقوا عليها الدرجات العلمية، ثم أجيال متلاحقة من العلماء الشباب لا أحد يحس بهم أو يسمع لهم ذكراً.
أما الثقافة الثالثة، فهي محاولة لمزج الثقافتين، لتكون (خاتف لونين). مهمة الثقافة الثالثة تقديم منتجات الثقافة الثانية في أطباق وعبوات مصممة ومختارة بعناية لتقدم للجمهور. ظهرت الراويات العلمية مثل التوقعات العظيمة لتشارلس ديكنز وأفلام الخيال العلمي . الثقافة الثالثة لتجسر الهوة بين الثقافتين. لدينا في السودان لم تجد مدرسة الثقافة الثالثة رواداَ لنقل العلم في قوالب أدبية سودانية. عدا كتابات ومحاولات البروفسور (محمد عبدالله الريح المشهور زمناً بحساس محمد حساس، التي تشبه الأدب لأنها ترتبط بصناعة الجمال في الحياة البرية ثم غلبت عليه الكتابة الأدبية عن الفن. وقد كتب وأجاد عن أبي داوود. فكتابات ود الريح ايضاً تستأهل أن تجد مكاناً في كليات الآداب. كتب بروفسور الريح عن الطيور و عن الزواحف و عن (الكدوس) و النمور و الأسود و الضباع. و دافع من قبل عن الضب خصيم الرب دفاعاً علميا، وقدم مقاربات علمية عن العقرب. و بعد ذلك كتب عن أنة المجروح (يا أنَّة المجروُح ، يا الروحْ حياتَك روح الحب فيك يا جميل ، معنى الجمال مشروح . لا أدري إن كان دكتور حساس يتمثل نفسه أسداً جريحاً، أو غزالاً نالته بعض الأنياب و المخالب و افلت أو حتى مجرد ثعلب فاتت على فطنته بعض المخاطر و لم يبال بالخطر. فتمثل نغمات أبي داوود أم ماذا؟. و لا أنسى جهود أستاذ الأجيال مالك الزاكي في برامجه التلفزيونية التي كانت تحاول أن تشرح للناس كيف تعمل الآلات و الأجهزة المنزلية و كيف يمنك الحفاظ عليها و صيانتها. كذلك برامج الصحة و العافية مثل برنامج دكتور عمر محمود خالد. كتاب فريد لبروفسور حامد درار عن الميكروبات، ليته يدرس في كليات الأحياء أو الآداب أو حتى العلوم الاجتماعية، هذا إن لم يجدوا له مكاناَ في كليات الزراعة والبيطرة والصيدلة والطب و العلوم و التربية. هذا و كتاب لبروفسور سكر عن الحشرات الناقلة للأمراض في السودان، لا أدري لماذا لا يجد هذا الكتاب بواكي له لماذا لا يدرس ضمن مناهج الإنسان و الكون او الحياة من حولنا أو حتى تفرد له مادة تحت أي مسمى، حتى لو كان الاسم اعرف عدوك . هذا ما أعرفه، وقد غاب ويغيب عنّي الكثير المثير. وقد اختفى من الوجود تماماً كتاب السماني عبدالله يعقوب عن الصناعات الريفية في السودان. ظهر الكتاب حياً حتى نهاية السبيعينيات. ثم ذكر لمرات قليلة في بحوث قليلة كأحد المصادر البيبلوغرافية (المرجعية). ثم اختفى حتى من ذيل البحوث. قد أكون متأكد أن مؤلف بروفسور السماني لا يزال موجوداً ضمن بيبلوغرافيا الجامعات الأوروبية أو الأوروبية الشرقية أو روسيا البيضاء، مثله مثل كتاب بروفسور الفاتح الطاهر عن تاريخ الغناء السوداني، الصادر في أحد طبعاته باسم أنا أم درمان. كما اختفى كتاب بروفسور عمر بليل المسمى حياتان Two lives.
كتبت عن الاستنساخ البشري قبل سنوات حتى أبنت أن النسخة الثانية هي البعاتي نفسه، ثم كتبت عن ظلال الكيمياء و كيف أن الصوديوم يفرض سطوته و قوته في أطعمتنا و أجسامنا ( و نحن نقول له في دواخلنا: كيف الحياة غير ليمك، يا حليف الخدر التائه في نعيمك ) . و في السنوات الأخيرة كتبت عن الحج في زمن الزكام مع موجة الزكمة العالمية من الطيور كانت أو المواشي. وقد أوضحت أن ثمة مقالب تتعمدها الشركات التي تربي و تتكسب من تربية الفيروسات و لقاحاتها. و أوضحت مواقف من ذهب لتعطيل الحج و مواقف من وقف بشدة ضد ذلك. ثم كتبت أخيرا عن التغير المناخي و كيف نحن بأنفسنا نفعل في المناخ فعل السحر. نستهلك مكوناته بشراهة و دون اكتراث، بدأنا بالماء و بالتراب، ثم ذهبنا نستهلك الهواء. وكتبت عن صناعة الظل و إستراتيجية الظل وبعثت أبعاداً من ثقافتنا في الظل من لدن (أنت يا ظلي خليلي) و حتى (يا ضلنا المدود على رمل المسافة و شاكي من طول الطريق)، مرورا بالضل الوقف ما زاد، وضل الراجل و ضل الحيطة. و حاولت لفت النظر التشريعي و الهندسي لوظائف البرندات و المظلات و المداخن وغير ذلك.
هذا المقدمة الطويلة، التي تمثل ثرثرة المثقفين في شق الثقافة الأولى (في الأدب و القصة الطويلة)، وتشبه حذلقة المثقفين في الشق الثاني في بحوثهم الأكاديمية المطولة والتي يقولون عنها بحوثاً عميقة، بسرد البراهين و الحجج في نصوص طويلة يجفل منها الناس إلى الروايات حتى البوليسية منها وإلى أفلام توم أند جيري وميكي ماوس وغيرها. فكرت هل هذه المقالات في الثقافة الثالثة مقروءة؟، ولماذا لا تجد طريقها في المنافسة ضمن جوائز الصحفيين والكتاب؟. هل لا تجد آلية الرصد الكافية؟. وكيف ترصد أجهزة المجلس الأعلى للصحافة للكتابة الصحفية مثل هذه الكتابة؟. وهل تقع ضمن أي من المصنفات الصحفية لديهم (تحرير صحفي، تحليل صحفي، تحقيق صحفي، تغطية خبرية أو صحفية؟) أم هي قائمة بروس (عشوائية). بالطبع الكاتب من الصحفيين أصحاب الرخص الصحفية. لا يشك أبداً أن مثل موضوع ظلال الكيمياء هو فريد من نوعه في التثقيف الصحي الكيميائي و في المواصفات وفي العلوم البحتة و في الأدب العلمي. أما موضوع الحج في زمن الزكام في المقام الأول هو ذكر وشهادة منافع في أيام معلومات وتنوير لكل من يريد أداء فريضة الحج، بل ومن يفكر في ذلك من بعد. وموضوع إستراتيجية الظل سيحرز المركز الأول في مواسم الحر. وموضوع العلاج بالكي يظل مفتوح الصلاحية وصفة مضادة للسلوك العشوائي. وموضوع الشعب يريد تغيير المناخ موضوع ومرسوم سلطاني للناشطين في مجالات البيئة والغابات والحكم الراشد. ومثل هذا الموضوع لا بد أن يقرأه الولاة والمعتمدون ووزراء البيئة و السياحة والمياه والحكم المحلي، بل جميع الشعب الذي يريد تغيير المناخ. لا ادري إن كان موضوع الدواء الفوار سيقرأ في الإمدادات الطبية أو كليات الصيدلة أو يحتفظ به على مستوى الأسر، أو المصابين والمتوجسين من أمراض الجسم غير الوبائية. أو سيقرأه بروفسور علي شمو أو الأستاذ العبيد مروح أو رؤساء التحرير أو مسئولو الرقابة الصحفية القبلية و البعدية إن وجدت. هذا هو موضوع مقدمة لموضوع الدواء الفوار ، كما وفود المقدمة المعروفة في مراسم الدولة .
حكاية الدواء الفوار (2)
لا أشك أن أي من القراء في السودان أن قد شرب دواءاً فو~اراً و لو لمرة واحدة في حياته. الدواء الفوّار أقله زجاجات المياه الغازية التي كانت، وما زالت تستخدم لتنفيس التخمة وعسر الهضم. وقد تفتقت العبقرية مؤخراً بصناعة غباشة فوّارة بخلط الروب أو الزبادي بمشروب السفن أب. المياه الغازية بمحاذيرها أيها السادة، فقد منعت . كما تشمل الأدوية الفوارة الشربوت الذي مهمته توفير مناخ حمضي للمعدة التي تكتنفها الأطعمة الفطيرة في الأعياد والمناسبات التي يود الناس أن تمر بسلام ودون حاجة لدكتور.نحن بالطبع نخجل من مسمياتنا ونعتبر ممارساتنا المحلية ضرب من الخزعبلات. لذلك حتى المريض منّا قد لا يستطع أن يصف مرضه بكلماتنا المحلية، خوفاً من الوصمة stigma.
كان جيل أمهاتنا يستخدم الليمون و العطرون معاً لعلاج الكوفارة. فيفور الخليط ويشرب دافئاً على عجل بما فيه من فقاقيع. ولم يقف الكاتب على أن مرض الكوفارة تم تدريسه في أي من كليات الطب أو العلوم الطبية المجاورة. بل لم يقف الكاتب على أي جهود لرصد المسميات الشعبية للأمراض والأدوية والممارسات العلاجيةالسليم منها و غير السليم (حسب منظور الطب الحديث). و لا يزال طبنا الشعبي يمارس عملية القندلة (شد الجسم لأعلى من الراس) ويجزم الناس أنها مؤثرة ، خاصة عند الاطفال والذين تزيد عندهم نسبة كتلة الراس عن الكبار. و يجزم أطباؤنا ان هذا ضرب من الوهم. اما الصينيون فلم يتهموا شعوبهم بالوهم ، بل أجروا البحوث والمسوحات وساندوا عبقرية شعوبهم وخرجوا بالطب الصيني الذي يتعالج به اكثر من مليار نسمة. . وقد بدأت مسميات الأمراض التقليدية لدينا تنحسر أمام الاستلاب . فلم تعد تلك المسميات المتداولة بالامس تكاد تعرف لدي الاجيال الحديثة. وتستخدم بعضها للغضحاك لدى الفرق الكوميدية (الوردة، خمة النفس، شحتفة الروح ) . فلم تكن كلمة إسهال مستخدمة، و لا نزلة و لا حمًى، طبعاً ولا كلمة روماتزم و لا سحائي. حتى كلمة التهاب عندما تم تبنيها لأول مرة كانت تقال (إنتهاب). لذلك ربما مات بعضنا دون أن يستطيع عرض حاله للطبيب المعالج. لا شك أن التواصل بين المريض والطبيب يساوي نصف العلاج. وقد كان التواصل كان يوماً في أدنى معدلاته، مثل لغة الطرشان. بل حتى اليوم يحتاج لكثير من التواصل لترقيتة. قدرة المريض لعرض حاله تعتبر نصف الطريق للعلاج و النصف الآخر فهم المريض للطبيب (ولم يبق بعدها إلا صورة اللحم و الدم). لقد اعتمدت شعوب كثيرة على إرثها كقاعدة انطلقت منها للمستقبل، لكن نحن نزدري مسمياتنا و نخجل منها.
الكوفارة ما هي إلا عسر هضم، يصيب الناس بسبب أكل فطير و بارد، خاصة إن كان ذلك لحماً أو حتى عصيدة باللبن أو نحو ذلك. الكوفارة في مثل ظروفنا التي نعرفها، تكون المعدة أخذت طاقتها التصميمية من الوجبة أو فوق ذلك بنحو ما. و لما كانت المعدة تحتاج لمساحة مناورة لتنتج بعض عصاراتها الهاضمة وأهمها حامض الهيدروكلوريك الذي يهيء الميدان ويساهم في عملية الهضم و التطهير من الميكروبات التي يمكن أن تتسلل كذلك تحتاج المعدة أن تنقبض وتنبسط لغرض خلط الطعام بهدوء. وعندما تكون الوجبة باردة نوعاً تسهم في صرف نظر المعدة عن مهمتها الأولى وهي البدء الفوري في الهضم، لتعمل المعدة على عملية التسخين أولاً. فيتعسر الهضم. كلما تفعله أمهاتنا هي إعطاء مخلوط عصير الليمون مع العطرون وهو كربونات الصوديوم أو البكنج بودر المعروفة. ولما كان المزيج يشرب حالاً يتم بعض التفاعل منه داخل المعدة. أهم عملية في هذا العلاج أن المعايرة تكون لصلح الليمون الذي يكون في المزيج وجوده غالب، فتكون مهمته هي توفير وسط حمضي للمعدة يمكنها من التدويرة و بداية إنتاج الحامض. وأحياناً يتم الاستغناء عن العطرون، ليتم تناول الليمون مباشرة عندما يعلن الواحد أنه يحس بالطمام (الغثيان ). طبعاً المعدة في حالة عدم قدرتها ستنتفض لتغيير النظام و تخرج ما ليس في وسعها. وحتى يتجنب المريض هذه العملية يسرع لتغيير مناخ المعدة إلى الحمضي. فتستجيب للإصلاحات العاجلة. لذلك يا أصدقاء يحتفظ ممتهنو أكل اللحوم مسبقاً بالليمون والخل و الشطة، أو حتى الروب (الآن أضيف له السفن أب) أو الشربوت المذكور آنفاً، للمساهمة في عمليات الهضم مع سبق الإصرار والترصد.
لكن بالطبع العولمة لا تتركنا وشأننا، لتاتينا بنفس مركبات الليمون والعطرون أو ما يماثلها في عبوات تنقيها وتغلفها وتعطيها أسماء ودعايات . فقد كانت دعاية الحبة الفوّار كثيفة، كان اسمها الكا سلتزر. ثم نافسها مسحوق الملح الفوّار ويسمى ملح أندروس. كانت دعايته في زمن الروادي (الراديو) تقول : إن أندروس ملح أندروس حقاً مريحاً، يمكنك الاحتفاظ به في المنزل أو في جيبك أو حقيبتك. اندروس للكبد. وتزين الدعاية الضخمة بعض برنادت الدكاكين في أسواقنا القروية. أحياناَ يتخذ بعض منسوبينا قاعدة الدعاية مربطاً لحمار أو مكاناً لوضع السروج والمخالي، ويخرجون عن ذلك السوق وفي جيوبهم بعض عبوات الاندروس. لا أحسب أن الكبد على الأقل في المرحلة الأولى معنية بهذا الملح، إلا أن تأتيها سميته فتفرد لها جهداً تخلص الجسم منه، أو أنه بحكم انه كربونات الصوديوم التي تكون قلويتها عاليةن يسهم وفي وقت مبكر في استحلاب دهون المعدة (تكسيرها في شكل مستحلب دهني) قبل دخولها لقناة الاثني عشر، فيكون قد سبق سيف الاندروس عزل عصارة المرارة.
هذه الأدوية الفوّارة (إن كانت أندروس أو ألكاسلتزر) ما هي إلا الخليط الخاص من العطرون والليمون الذي تناولناه ونتناوله للحالات الطارئة. و هذه الأدوية الحديثة محضرة بمعايرة يخلو منها عنصر الماء (كربونات الصوديوم غير المائية وملح سترات غير مائية ايضاً). عند رمي الحبة أو الملح في الماء يبدأ التفاعل لينتج سترات الصوديوم و يتصاعدا ثاني أكسيد الكربون مسبباً الفوران أمام أعين المريض و يكون جزءا نفسياَ من العلاج و يكون المريض قد أخذ مكونات الليمون والعطرون نفسها. قال كبد قال؟. كذلك من أنواع الدواء الفوّار ملح سترات البوتاسيوم الذي يستخدم لتنظيف أملاح الكالسيوم غير الذائبة في المسالك البولية. وله فوائد أخرى. سيأتي ذكره لاحقاً في مفارقة دوائية.
في سابق العصر و الأوان، ذهبت مع زوجتى الحامل يوماً، للطبيب، الذي كتب في وصفته ملح سترات الكالسيوم الفوّار. مهمة هذا الدواء، حسب توهماتي وتحليلاتي الشخصية، التي استمتع بالتفكير فيها هكذا، هو توفير مقادير إضافية من الكالسيوم لتقوية عظام الطفل الجنين، للحماية من مخاطر الكساح وتقوية عظام الأم من مخاطر هشاشة العظام. وأذكر تماماً أن ذلك المولود قد وقف على طوله يوم أكمل أحد عشر شهراً. لا بد أن ذلك الكالسيوم كان سنداً وعضداً. دلفنا للصيدلية المجاورة أخذنا ما كتب لنا من حديد وفيتامين وملح كالسيوم فوّار. قبل أن أتجاوز المكان ببضع خطوات راجعت الأدوية التي أخذت، فإذا بي بعلبة كتب فيها سترات البوتاسيوم. و هي الملح الفوار الذي ذكرته سابقاً. ومن مهام البوتاسيوم إدرار البول و زيادة التخلص من الكالسيوم عبر أملاح السترات الذائبة. وهذا ما بعض ما تفعله بعض أدوية ضغط الدم. و بالطبع نحن نريد الاحتفاظ بالكالسيوم وليس التخلص منه، بل و زيادته في مثل هذا الحال من الحمل . لا حول و لا قوة إلا بالله. رجعت إلى البائعة، لا أحسبها متخصصة، ربما كانت متدربة، أو أحد أصحاب الأجزخانة. راجعتها و فاجأتها يا أختي ، هذا الدواء غير الدواء المكتوب في الروشتة، لم أمهلها تراجع لوحدها، قلت لها الذي أريده كالسيوم وليس بوتاسيوم. ارتبكت وربما قدرت أن أكون صيدلياً أو طبيباً أو نحو ذلك، لم أكن كذلك لكني أفهم في البايولوجي الكثير المثير الخطر. وكنتُ اقمت عليه الحصون وخباته من فضول البشر. دارت البنت نحو رف الدواء وجأتني مع اعتذار بعلبة للدواء الفوّار من فصيلة الكالسيوم، وقد كانت كما هو مكتوب في الوصفة إلا أن الكلمة المشتركة في الحالين هي (فوّار). حمدت الله على المراجعة.مؤخراً كثرت الأدوية الفوّارة و تشمل فيتامين سي الفوّار، الأسبرين الفوّار ، الباراسيتامول الفوّار، و غير ذلك مما لا أعرف.
بالأمس شعرت بصداع. ولم يكن مستوى ضغط الدم عندي يشكل هاجساً لدي في بلاد على مستوى سطح البحر، لم اشك أبدا بأن معدل ضغط الدم لدي يمكن أن يكون عالياً. فكل القياسات التي أقوم بها بجهازي المحمول تشير للانخفاض باستمرار. وكنت استغرب حتى اشك في القراءات المنخفضة في معدلات النبض والضغط الأعلى والمنخفض في العروق. ربما أخذت راحتي مطعماً وقهوة. عندما شعرت بالصداع وقد كانت هناك موجة ما في مكان العمل من حالات العطاس وسيلان الأنوف. شالتني الموجة أن هذه من تلك (نزلة ليس إلا). تطوع زميل لي بعلبة باراسيتامول (بنادول) فوّار ، ولم أتأمل سر فوران الباراسيتامول. ولما لم اشك في حالي، بدأت في تناوله. و كررت ذلك لثلاث مرات ، في الظهر، بعد المغرب و في الصباح التالي. والحال في حاله من صداع. بحمد الله لدي حساسية عالية، وهذه نعمة الصداع. بعض الناس في مثل ارتفاع ضغط الدم لا يصيبهم الصداع وتكون النتيجة كارثية. بدأت المعدة والتي لم تتناول وجبة منذ الأمس، بدأت تتقلص وتقذف بمحتواها من الماء فقط. و كلما أخرجت ماء جئتها بماءٍ جديدٍ ، خوفاً من فقدان الماء في جوٍ حار.
رجعت لمنزلي القريب من مكان العمل. أول ما فعلته قمت بقياس ضغط الدم بجهازي المحمول. إذا بي أجد أنه وصل لمعدلات غير مسبوقة، لم يصلها حتى في البلدان العالية الباردة مثل نيروبي أو أديس ابابا. أخذت علبة الباراسيتامول الفوّار ، وبدأت اقرأ، بارسايتامول، كودين!! ، بيكربونات صوديوم، غير مائية، بنزوات صوديوم مما جملته بلغت 380 مليجرام من مركبات الصوديوم في الحبة الواحدة، هذا غير الباراسيتامول نفسه . إضافة لتحلية من الاسبرات و السوربيتول. لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم أجرني في مصيبتي وأبدلني خيراً منهاً. هذا الصوديوم صديقي اللدود الذي عرفته منذ ثانية وسطى، فقد كان فواراً وحارقاً حتى في الماء القراح. ياخي كم تفاديته حتى في الملح، تاني جابوه و دغمسوه لنا في الحبوب. هو العطرون نفسه. بل دغمسوا قارئ العزيز حاجات تانية ، كما ترى فيما ذكرت. دلفت بسرعة لصديقي البوتاسيوم الذي احتفظ به و له خاصية إخراج الصوديوم بسرعة من الخلايا و إدراره في البول.
أخذت حالأً حبة من الكالسيوم من فئة ال50 مليجرام. أخلدت لراحة طويلة زادي فيها الماء بانتظام. كررت جرعة البوتاسيوم في المساء وأضفت لها جرعة من الأسبرين. و في كل مرة أكرر قياس ضغط الدم الذي بدأ في الهبوط إلى المعدلات الطبيعية. و في العاشرة مساءاً استطعت أن أتناول أول وجبة خفيفة لأول مرة بعد أكثر من أربعة وعشرين ساعة. اكتب هذا، لست صيدلياً، و لا طبيبا، لكني مستهلك درس منهج البيولوجيا والكيمياء طوال حياته الدراسية، ومستهلكا للغذاء و الدواء طيلة نصف القرن الماضي و مستهلكاًً لخدمات الانترنت الطبية والدوائية و غيرها. و قد يسرت الاتصالات الاستشارات الطبية العاجلة عبر المحمول. بالطبع للسادة الممارسين المهنيين رأيهم في الحالة المذكورة و ي مثل ممارساتي ومعلوماتي التي قد تخطأ أو تصيب. لكن ارجع و أقول يا مستهلكي الدواء انتبهوا من الدواء الفوّار و غير الفوّار أيضاً. لكنّي لا أكتمكم سراً أني استشفيت ببعض الصدقة، عملاً بالحديث الشريف (داووا مرضاكم بالصدقة). اللهم اشفنا و أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك.
الصادق الحاج عبدالله
[email protected]
مايو 2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.