1-الأزمة الاقتصادية: المنطقة الوسطى بين الجنة والنار أخشي أن تنتهي سياسة رفع الدعم عن المحروقات الوشيكة إلى معركة لاستخراج الهواء الساخن بين طرف الحكومة وطرف المعارضة. ثم تخمد كما خمدت سابقاتها وأطرافها أشد نكالاً واحدهما بالآخر عن ذي قبل. أنا محصن (أو معصوم) من الظن الحسن بالإنقاذ وسبق لي القول بأنني تعاملت معها منذ مطلعها كحقيقة من حقائق القوة والسياسة لا مهرب من التعاطي معها لمعارضة راشدة متفائلة. ولذا نظرت إلى مسعى وزير المالية ومدير البنك المركزي إلى زعامات الأحزاب كتنزل كبير من الحكومة من سابق عادتها في تصعير الخد. وليس من علائم الذكاء والطهر السياسي وصفها بأنها "غش" ومحاولة لإرباك المعارضة وتوريطها في خطوة ضرائبية آثمة. وهي كذلك بالفعل كما كل تكتيك بين خصوم في العمل السياسي. ولكني فوجئت باستجابة المعارضة لها. فهناك من عدها رجساً من عمل الإنقاذ ورفض لقاء الوزير وصاحبه إذا هما في محنة الدعم. كما رأيت من قابلاهما خلواً من الحيلة. فحذرهما السيد الصادق من مغبة الخطوة وأعاد عليهما البدائل المطروقة (إنفاق حكومي، وسلام مع حاملي السلاح والجنوب) وقال إنه سينقل رأيهما لحزبه. أما السيد الختم فقد وجه بعد اللقاء بهما لتكوين لجنة حزبية لدراسة البدائل. وهو جس بعد ذبح. كنت أعتقد أن تكون مناسبة الزيارة التي بادرت بها الحكومة باباً لفتح مناقشة وطنية عامة حول سبل الخروج من نفق الأزمة الاقتصادية. وأنتظرت أن توسع الأحزاب من دائرة التداول في هذه الأزمة في أوساط عضويتها وعامة الناس ليتخلق وعي بها يتجاوز مجرد تذنيب الإنقاذ إلى قناعة حقة بأن بوسعنا تخطي المصيبة الملمة بالإنقاذ حاكمة إذا تواثقت معنا أو بدونها. وبدا لي أن سقف المعارضة خلال المحنة لم يتجاوز التنديد بالإنقاذ. فبيان الحزب الشيوعي واضح في أن حل الأزمة الاقتصادية قرين بإزالة الإنقاذ. وهذا تضييق للواسع من حزب ربما كان أفضل الأحزاب تعاطياً مع حقائق الاقتصاد. وبدا لي أن المعارضة لم تتوافر بعد على بدائل للأزمة إلا في العموميات المعروفة. فالإمام دعا إلى مؤتمر اقتصادي لتشخيص الأزمة ووضع البدائل. وهذا المؤتمر أيضاً ما تبشر قوى الاجماع الوطني بإنعقاده متى سقط النظام وكأن سقوطه مما يقع "غُمتي" لا تزين النضال من أجله همة فكرية للبدائل على كل الجبهات. قرأت رأياً عارضاً لأحدهم أن الحكومة أسفرت عن ذكاء سياسي في الترويج لرفع الدعم أفضل مما فعلت المعارضة في شجبه. وتوقفت عند مؤتمر وزير المالية الصحفي الأخير كمفردة في هذا الذكاء أو التضليل. فقد توزع الأدوار مع وكيل وزارة المالية ووزير الزراعة ومدير البنك المركزي ليس للضرب على وتر أن رفع الدعم عن المحروقات هو الحل فحسب بل ليبشر بأيام السعد القادمات من بعده. فكان هو ضارب الدلوكة والآخرون من "يخلفون الشتم". ولم أرد بوصف المؤتمر بالذكاء من حيث مادته بل من حيث إجراءاته. فليس من الذكاء بالطبع قول الوزير إن أعضاء من المجلس الوطني عادوا مقتنعين برفع الدعم بعد زيارة للبنان وجدوا فيها سعر جالون البنزين 50 جنيهاً سودانياً. فهذه مقارنة متعسفة عرجاء. ولكنها نهج سائد في المحاججة الصفوية كثيراً ما اضطرت له حتى المعارضة لتسجيل نقاط على الحكومة. كما لم أرد للمتعافي أن يرسم بريشته صورة وردية للزراعة في عامنا القادم بمثابة "افيون للشعب" لينسي قبح رفع الدعم حتى أثنى عليه مدير المركزي بقوله إنه سيصنع ثورة في القطاع المطري. كما لم أفهم بيع مدير المركزي لنا "سلة الغذاء العربي" في الماء مرة ثانية أو ثالثة. كما أزعجني تهديده لنا إما سددنا الفجوة بين إيرادات الدولة ومصروفاتها أو صباحنا أصبح بينما يؤكد وكيل الوزارة بأن الصرف على السلع والخدمات وتسيير الوزارات (المتهم بالتفاقم والمساهمة في هذه الفجوة) يتم بالحد الأدني. ولماذا يرهبنا المدير بالفجوة التي هي حصاد يده ويد غيره المر في إدارة الاقتصاد الوطني. المصيبة التي نحن فيها سياسية قبل أن تكون اقتصادية. وتعترف الحكومة بذلك بشق الأنفس في حين ينتهز بعض المعارضين هذا التشخيص للسير بخطهم في إزالة الإنقاذ حتى النهاية. ولكن علينا ألا نستبعد اختراقاً للمصيبة متى انتزعنا أنفسنا من الثوابت إلى أرض وسطي فيها رأفة بغمار الناس. ولن نصطنع هذه المنطقة ب"الكمال عمرية" المعارضة. هذه مهمة لمهنيين وحركات اجتماعية على درجة قصوى من الحس بالخدمة لشعبهم. 23-9-2013 الرئيس بغير ساتر 2-الرئيس بغير ساتر وددت لو أن الرئيس البشير شال عبء أكثر شروح الدولة لسياستها في رفع الدعم. فقد كان في مؤتمره الصحافي بالأحد مبين العبارة، متملك للأرقام، عارف بوجهات السياسة الاقتصادية للدولة سوى ما طلب من وزير المالية إسعافه به. ولم تختبره أسئلة الصحفيين التي كان معظمها سياسياً أو من دارج القول عن الأداء المالي للدولة. ووجدته يكذب حتى أكثر الإحصائيات تداولاً وهي أن 70 في المائة من ميزانيتنا يُصرف على الدفاع والأمن. كما استثمر موقعه في القيادة السياسة ليفرج عن نفسه مغائص الشروط العالمية والإقليمية والمحلية العسيرة التي اكتنفت السياسات الاقتصادية وبخاصة من جانب الولاياتالمتحدةوالجنوبيين. ولابد من التنوية بما قاله بحق المراجع العام وسلطاته المستقلة في مراقبة أداء الدولة وتفتيشه. فصار تقرير المراجع فينا حقاً نافذة سنوية صغيرة على مصائر مالنا بين البراثن. أسعدني كماركسي أن الرئيس تحدث عن الوضع الاجتماعي بلغة طبقية. وجاء بذلك في معرض توضيح ما أذيع عنه من أنه قال السودانيين ما عرفوا "الهوت دوق" قبل الإنقاذ. فقال إنه نشأت بيننا طبقة تأكل الهوت دوق "وكل شيء" من السلع الاستفزازية. ومتى تحدثنا عن وجود طبقي أردفنا ذلك بالحديث عن حضورها في إملاء سياسات الحكومة. فمثلاً تقاوم طبقة متملكة في شركات التأمين والصيدلة بأمريكا خطة أوباما للتأمين الصحي الشامل الذي سيدخل نحو 40 مليون أمريكي به في مظلة الأمن الصحي لأول مرة. وقياساً فعلينا أن نكتشف دور الطبقة الحظية عندنا، بما لها من سلطان، في رسم السياسات التي أدخلتنا في هذا الضنك في قول عثمان كبر. فلقد قاومت هذه الطبقة في جهاز الدولة دون أن تضحي بأي من امتيازاتها خلال المحنة المالية الحالية بحجة أن تنازلها عن بعضها لن يغني شيئا. وصرفت مطلب الناس بوقف التجنيب، المال خارج الموازنة وأساس مخصصاتها المسرفة، كمزايدة. وقد رأى الناس من خلال محاكمات الأوقاف الحالية السفه في عقود هرم الخدمة المدنية. كما جاء في تقرير المراجع الأخير أن ثمة 1094 متعاقداً خاصاً بالدولة يحصلون على 53 مليار جنيه لا تشمل العلاج والسفر وخدمات الماء والكهرباء. ووجب السؤال عن من وراء استيراد السلع الاستفزازية التي تنضح بها دكاكين الصفوة؟ وهل هذه الطبقة من وراء استيراد كيك سويسرا ولبن الخليج؟ وهل ترفض الفطام عن عاداتها الاستهلاكية وتضغط على الدولة ل"تعصر" على الشرائح الوسطى والعاملة والفقيرة؟ مأخذي الأكبر على حديث الرئيس أنه روى لنا أداء دولته المعمرة فينا كقصة نجاح. وبالطبع صرف كل عيب واضح فيها كأمر طبيعي أو خارج عن الإرادة. فما زال يشكو من أن المقاطعة الأمريكية من وراء موت السكة حديد. والمقاطعة تاريخ قديم وتجاوزه كان ممكناً بالتوكل والعزم. كما تأسف لأننا لم نتمكن من دعم مشروع الجزيرة بغير 50 مليون دولار بينما دعمنا القمح المستورد ب 400 مليون دولار. وهذا موضع للمحاسبة لا للأسف. وتندرج في المساءلة مصائر النفرة الزراعية والنهضة الزراعية بعدها؟ بل يدخل في الحساب مصير 23 مليون جنيه صرفت على البرنامج القومي للقمح لم يجد المراجع العام شهادات صرف عليها. بل نسأل أين خبرتنا التي ذكرها الرئيس في عقد التسعين حين عبأنا مواردنا لتمزيق فاتورة القمح كما كان يقال؟ لماذا تبخرت من بين أيدينا؟ صور الرئيس حرج وضعنا العالمي في الخيار المطروح علينا من قوى الاستكبار العالمي وهو إما ان نطبع مع إسرائيل أو نشقى الشقاء الأكبر. والرد على مثل هذا الخيار الغليظ في تطبيع آخر مع الشعب تأففت منه الإنقاذ طويلاً. ربما كانت إسرائيل بالفعل هي قرة عين أمريكا ولكن لا تخشى أمريكا بلداً مثل تلك التي تصالح الحاكم فيها مع أهله. ولهذت صار الرئيس مرسي نجم الموسم الأمريكي لمجرد أنه جاء عن طريق إنتخاب حر برغم المآخذ الجدية على عقائده وحكمه. ولا تريد الإنقاذ أن تصدق أن مصدر أكثر عزلتها العالمية في اعتزالها الشعب. يكفي أن أجهزة الشرطة والحزب الوطني، ونحن في هذا الخلاف المشروع حول السياسة الاقتصادية، تبارت يوم امس الأول في عرض جاهزيتها لقمع كل تعبير محتج على رفع الدعم في وقت صار التصديق للمواكب الاحتجاجية حديث خرافة في الإنقاذ. قال الرئيس إنه لن يتخذ ساتراً دون مصارحتنا بحقائق الوضع الاقتصادي. وأنتهز السانحة لعرض ما بدا لي من قوله بغير ساتر قلمي قبلي أو بعدي أيضاً. وددت لو أن الرئيس البشير شال عبء أكثر شروح الدولة لسياستها في رفع الدعم. فقد كان في مؤتمره الصحافي بالأحد مبين العبارة، متملك للأرقام، عارف بوجهات السياسة الاقتصادية للدولة سوى ما طلب من وزير المالية إسعافه به. ولم تختبره أسئلة الصحفيين التي كان معظمها سياسياً أو من دارج القول عن الأداء المالي للدولة. ووجدته يكذب حتى أكثر الإحصائيات تداولاً وهي أن 70 في المائة من ميزانيتنا يُصرف على الدفاع والأمن. كما استثمر موقعه في القيادة السياسة ليفرج عن نفسه مغائص الشروط العالمية والإقليمية والمحلية العسيرة التي اكتنفت السياسات الاقتصادية وبخاصة من جانب الولاياتالمتحدةوالجنوبيين. ولابد من التنوية بما قاله بحق المراجع العام وسلطاته المستقلة في مراقبة أداء الدولة وتفتيشه. فصار تقرير المراجع فينا حقاً نافذة سنوية صغيرة على مصائر مالنا بين البراثن. أسعدني كماركسي أن الرئيس تحدث عن الوضع الاجتماعي بلغة طبقية. وجاء بذلك في معرض توضيح ما أذيع عنه من أنه قال السودانيين ما عرفوا "الهوت دوق" قبل الإنقاذ. فقال إنه نشأت بيننا طبقة تأكل الهوت دوق "وكل شيء" من السلع الاستفزازية. ومتى تحدثنا عن وجود طبقي أردفنا ذلك بالحديث عن حضورها في إملاء سياسات الحكومة. فمثلاً تقاوم طبقة متملكة في شركات التأمين والصيدلة بأمريكا خطة أوباما للتأمين الصحي الشامل الذي سيدخل نحو 40 مليون أمريكي به في مظلة الأمن الصحي لأول مرة. وقياساً فعلينا أن نكتشف دور الطبقة الحظية عندنا، بما لها من سلطان، في رسم السياسات التي أدخلتنا في هذا الضنك في قول عثمان كبر. فلقد قاومت هذه الطبقة في جهاز الدولة دون أن تضحي بأي من امتيازاتها خلال المحنة المالية الحالية بحجة أن تنازلها عن بعضها لن يغني شيئا. وصرفت مطلب الناس بوقف التجنيب، المال خارج الموازنة وأساس مخصصاتها المسرفة، كمزايدة. وقد رأى الناس من خلال محاكمات الأوقاف الحالية السفه في عقود هرم الخدمة المدنية. كما جاء في تقرير المراجع الأخير أن ثمة 1094 متعاقداً خاصاً بالدولة يحصلون على 53 مليار جنيه لا تشمل العلاج والسفر وخدمات الماء والكهرباء. ووجب السؤال عن من وراء استيراد السلع الاستفزازية التي تنضح بها دكاكين الصفوة؟ وهل هذه الطبقة من وراء استيراد كيك سويسرا ولبن الخليج؟ وهل ترفض الفطام عن عاداتها الاستهلاكية وتضغط على الدولة ل"تعصر" على الشرائح الوسطى والعاملة والفقيرة؟ مأخذي الأكبر على حديث الرئيس أنه روى لنا أداء دولته المعمرة فينا كقصة نجاح. وبالطبع صرف كل عيب واضح فيها كأمر طبيعي أو خارج عن الإرادة. فما زال يشكو من أن المقاطعة الأمريكية من وراء موت السكة حديد. والمقاطعة تاريخ قديم وتجاوزه كان ممكناً بالتوكل والعزم. كما تأسف لأننا لم نتمكن من دعم مشروع الجزيرة بغير 50 مليون دولار بينما دعمنا القمح المستورد ب 400 مليون دولار. وهذا موضع للمحاسبة لا للأسف. وتندرج في المساءلة مصائر النفرة الزراعية والنهضة الزراعية بعدها؟ بل يدخل في الحساب مصير 23 مليون جنيه صرفت على البرنامج القومي للقمح لم يجد المراجع العام شهادات صرف عليها. بل نسأل أين خبرتنا التي ذكرها الرئيس في عقد التسعين حين عبأنا مواردنا لتمزيق فاتورة القمح كما كان يقال؟ لماذا تبخرت من بين أيدينا؟ صور الرئيس حرج وضعنا العالمي في الخيار المطروح علينا من قوى الاستكبار العالمي وهو إما ان نطبع مع إسرائيل أو نشقى الشقاء الأكبر. والرد على مثل هذا الخيار الغليظ في تطبيع آخر مع الشعب تأففت منه الإنقاذ طويلاً. ربما كانت إسرائيل بالفعل هي قرة عين أمريكا ولكن لا تخشى أمريكا بلداً مثل تلك التي تصالح الحاكم فيها مع أهله. ولهذت صار الرئيس مرسي نجم الموسم الأمريكي لمجرد أنه جاء عن طريق إنتخاب حر برغم المآخذ الجدية على عقائده وحكمه. ولا تريد الإنقاذ أن تصدق أن مصدر أكثر عزلتها العالمية في اعتزالها الشعب. يكفي أن أجهزة الشرطة والحزب الوطني، ونحن في هذا الخلاف المشروع حول السياسة الاقتصادية، تبارت يوم امس الأول في عرض جاهزيتها لقمع كل تعبير محتج على رفع الدعم في وقت صار التصديق للمواكب الاحتجاجية حديث خرافة في الإنقاذ. قال الرئيس إنه لن يتخذ ساتراً دون مصارحتنا بحقائق الوضع الاقتصادي. وأنتهز السانحة لعرض ما بدا لي من قوله بغير ساتر قلمي قبلي أو بعدي أيضاً. 24-9-2013 3-تهريب المحروقات: زاوية أخرى للنظر من ضمن ما اعتبرت به الدولة في رفع الدعم، في قول الرئيس في مؤتمره يوم الأحد الماضي، تهريب البترول إلى بلدان الجوار بما حصّل مليون طن سنوياً. وأضاف بأنه ليس بوسع الدولة حماية حدودنا العصية وتعقب المهربين. بل زاد بأنك لاتضمن "إلا نفسك"، كما نقول، في مثل تلك المناطق النائية. فحتى من تكلفه بضبط الحدود ربما أغرته رشاو المهربين المغامرين ذوي الجيوب الكبيرة. وأعتقد أن في أخذ الدولة بهذا الاعتبار ظلم كبير للمواطن السوداني. فأسعار السلع عندنا لا ينبغي أن تحدد بفشل الدولة في ضبط الحدود أو أن تستعمل عليها من جندها القوي الأمين. ويحتار المرء إلى أين سينتهي مسلسل رفع الدعم (بل وما بعد زواله) بأسعار المحروقات لو ظلت الدول المحيطة التي تتزود منها ترفع هي بدورها أسعار محروقاتها بحيث يظل التهريب مجدياً في كل الظروف خلاف ما توقعت الحكومة. ثم لنأت للحساب ولد. حاولت بشق الأنفس لمثلي غير مختص بالاقتصاد التعرف من الإنترنت على سعر جالون البنزين في دول الجوار. فوجدته في جنوب السودان دولاراً وسبعة من عشرة في المائة (11 و9 من عشرة جنيهاً سودانياً)، وفي أثيوبيا دولاراً وواحد وأربعين من عشرة (تسعة جنيهات سودانية وسبعة عشرة) ، وفي تشاد دولاراً وستة وسبعين من عشرة (إحدى عشرة جنيهاً سودانياً وتسعة من عشرة)، وفي أرتيريا تسعة دولارات وخمسة وثمانين من عشرة (ثمانية وخمسين جنيهاً سودانياً). وواضح أن أرتيريا وحدها من بين كل دول الجوار من كان ينتفع، لو صدقنا، بالتهريب. ولن نفطمها برفع الدعم لأن جالون البنزين عندنا بعد الدعم (21 جنيهاً) ما يزال مغرياً. وعليه فإن تهريب المحروقات معلومةٌ جهته وضبطه مقدور عليه لأنه يجري في بعض حدودنا لا كلها. ولابد من ذكر أن السلع التي تأتينا في مقابل محروقاتنا المهربة مما اشتد الطلب عليها وهي الويسكي والبيرة "الساقطة" والأدوية منتهية الصلاحية في قول مدير الجمارك. فلا يمر يوم لا نلقي القبض فيه على "أجنبي" يبيع المكروه سراً. لم يتطرق الرئيس ولا طاقمه الاقتصادي لخفض إنفاق الدولة. فقد صار مفهوماً من هذا الانفاق، للأسف، تقشف الطاقم الدستوري أو تقليص المؤسسات مثل قولنا "الحكومة الرشيقة". وما زال وزير المالية يمنينا أن يخفض المخصصات الدستورية ب 25% كما حظر على الوزير أن يصحب أحداً (؟) في رحلاته الخارجية مهما كان الحال. وهذه بندوره وعرفنا دورها. فقد قال لنا في ايام كهذه في العالم الماضي إنه لن يسمح بغير عربة زوجة واحدة للدستوري. ثم صمت بعد ذلك عن الكلام المباح. كنت نبهت في عمود قديم إلى إن انفاق الدولة الذميم هو في شرائها السلع والخدمات. وقال الخبير الاقتصادي التجاني الطيب في مقابلة نادرة مع جريدة الأحداث إن الأوفق للدولة أن تخفض انفاقها (3 بليون) بدلاً عن رفع الدعم عن المرحوقات (2و 2 من عشرة بليون). فرفع الدعم يزيد من التضخم بينما سحب طلب الدولة للخدمات والسلع من السوق لا يؤثر على التضخم. وكان وزير المالية قد وعد بتخفيض الانفاق ب25 % في 2012 ثم 20% في 2013. ثم حمد لبد. لم يفتح الله عليه الله بشيء في هذا الباب سوى قول مدير البنك المركزي إن الصرف على السلع والخدمات "معقول" وكده! وبالطبع لم تكن الأرقام في صالح الوزير. فقد زاد الانفاق في 2012 بمقدار 11%. اما في 2013 فالحال يغني عن السؤال. ما استغربت له طوال حديث الحكومة عن دعم الشرائح الفقيرة أنه لم يرد ذكر لديوان الزكاة. وهذه حوبته وفي جزلانه الكبير ترليون جنيه إيرادات لحد اليوم من هذا العام. وأرجو أن نراقب الله في هذا المال المبهول خارج نطاق الميزانية لتتصرف فيه هيئة بروقراطية لم تحسن استثماره بشهادة المراجع العام. ولعله من إسلام الحداثة أن تندمج الزكاة في ميزانية الدولة طالما كانت الدولة مسلمة شفوقة بالفقراء والمساكين إلخ. ولا أدري الفقه الذي فصل الزكاة من ميزانية أخرى لدولة مسلمة. وأرجو أن تكف ولاية الخرطوم والفدرالية والزكاة من عقلية "الأعطيات" للاسر المتعففة. لابد من نظام محتشم بعيد عن "كشف الحال" الحالي يقترب بنا من نظم الغربية في حفظ وجه ماء المواطن المحتاج. فقد أمغصتني صور بعض الخيرين خلال السيول وقوفاً على عرباتهم يجدعون بالأكياس للمنكوبين المحتشدين. أو الذين يحرصون على أخذ صور معهم وسلام تعظيم. لقد جرعتم الناس الفقر فكفوا عن التسلي بهم. Ibrahim, Abdullahi A. [[email protected]]