مدير الإدارة العامة للمرور يوجه باستمرار تفويج البصات السفرية يومياً للحد من الحوادث المرورية    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    حزب الأمة القومي: يجب الإسراع في تنفيذ ما اتفق عليه بين كباشي والحلو    تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    الفنانة نانسي عجاج صاحبة المبادئ سقطت في تناقض أخلاقي فظيع    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    جبريل ومناوي واردول في القاهرة    وزيرالخارجية يقدم خطاب السودان امام مؤتمر القمة الإسلامية ببانجول    وزير الخارجية يبحث مع نظيره المصري سبل تمتين علاقات البلدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    بوتين يحضر قداس عيد القيامة بموسكو    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زعيم الكبابيش الرّاحل ...الشيخ المُر .. بقلم: عبيد الطيب "ود المقدم"
نشر في سودانيل يوم 22 - 10 - 2013


الزَّعيم المُر، ذلكم الشيخ البدويِّ......
كان مُكتَمِلُ التَّمام، مُعتَّقٌ كماء زمزم، سمح السَّجايا، كريمٌ مِضيافٌ بشوش، وهيطٌ لكن عليه وقارٌ ،فكورٌ لمقُنع الولاية، ودُخريها في المَلمَّاتِ والسِّنين السُّود، بل كان للكبابيش "ضُلَّهم وضراهم"، وخريف رتوعهم "خريف شُرِّي..دي اللِّتْبَاشرَنْ قبايلو......
أوكما يقول الشَّاعر الكباشي عبد الوهاب الرِّبيقي مادحا للمُر:
"بَحْكيلََك تَمَامْ عاجِبنِى ابوياقُوب
عجبَنْ فِيهُو صادق وقُولى مُو مَكْضُوب
عجبَنْ مو نَفِخْ تَطْلَعْ نَتِيجْتُو هَبُوب
عجبَنْ بى شهادْتُو ونِِسْبَتو ومَنسُوب
عشَان مُر لى المِعَادينْ ليكَا مَاكْ مشْرُوب
وعشان قَاعِدْ تِسُر بَال البِجِيكْ أقْرُوب
وعشان قاعِدْ تفِشْ ضيم البِجِيك مَغَلُوب
وعشان قاعِدْ تِحِل الفِى السِّجن مَكْرُوب
وعشان الجرَّبَكْ مِنْ البَرَاكا بِتُوب
وعشان الخّاصَمَك مِنَّك رقَدْ مَغَضُوب
وعشان مَسْمُوعك الواصِل شِروق وغرُوب
فيها يِدُومْ لَنَا المِنْ توبُو مو مَسْلُوب
ابو دَكَنة' العَلى وجْهُو الخَطَر مَكْتُوب"
"أبوياقوب أي أبو يعقوب، وهي كنية الزَّعيم المُر، ولله دَرك يا عبد الوهاب، وإنك لصادقٌ، وقد كان الشيخ كذلك، حنْظَل للمعادين، ويفشُّ ضيم المغلوبين، ويفكُّ أسر المسجونين، وكل الذين خاصموه ناموا وهم مهمومين وغاضبين، ولقد كانت قراراته "مسموعك" تصل مشارق القبيلة ومغاربها وأكثر ما أعجبني هذا المقطع:" فيها يِدُوم لنا المِن توبُو مُو مَسْلُوب".
"أبو دَكنَة العلي وجهو الخطر مكتوب"هو القِطار" ولقد صدق الشاعر عبدالوهاب حين قال:
" وعشان قَاعِدْ تِسُر بَال البِجِيكْ أقْرُوب"
فهاهو الشَّاعر الرائع الراحل، محمد فضل الله الكباشي العايدي، يمدح الشيخ بشاردة رائعة، حيث وصل لفرقاته راجلا، يطلب بعيرا أو قعودا ، ويناله في حينه، وهي لعمري أجمل ماعرفته من هذا الفن:
ابو يَاقُوب جَلِيس الكَجَّروْلْهِنْ طَاقْ
دَقَر بيلا المَرَاقْدُو الطَّينة والشَّقَّاقْ
ابو دَكَنَة البِحِلِّقْ مِنْ زِقَاقْ لى زِقَاقْ
ؤجَابْ بَالاَتْ تِقَال فِيهِنْ بِضَاعْةْ إسحق
الهَارُودْ البِّصُبْ ليلِيهُو مُو نَقْنَاقْ
خَرِيفْ شُرِّى البِكُبْ فوقْ المَسَاكِينْ حَاقْ
مُو دَرْدِقْ هَدَرْ جى شَايِلْ العَرَّاقْ
وفى بَطْنُو القَعُوى سِحْلِى وعِيَالُو دِقَاقْ
يا مُرْ الحَناضْلْ الأصْلُو ما بِنْضَاقْ
سِيدْ خمسين على خمسين صِلاهِنْ بَاقْ
وسيد خمسين على خمسين قَعُود شَنَّاقْ
وسيد خمسين على خمسين بِحَلْبوهِن عَشِية فُوَاق
وسيد خمسين على خمسين عَنانِيفَن بِجَنْ لى سباقْ
وسيد خمسين على خمسين بِكُجْرَن فوق طَوِيلْ السَّاقْ
دايِر لى قَعُودن بى الرَّسَن طّبَّاق
نجِر عَجَّاكْ عَليهُو وبِلْعَب أم زُنْبَاقْ"
"الكجرولهن طاق" يقصد العذاري حيث تُسدل عليهن السَّجف ، وهي السِّتارة بفتحتين
والدَّقر هو الثعبان او الحيّة الكبيرة ، ودائما نجد حيَّة الأرض الطينية خطرة، ,"ابو دكنة" هو القطار،و"البالات يقصد بها البضاعة التي يتم ربطها ب"بالات الحديد"والهارود هو المطر الغزير، ووادي "دردق" من أعظم وديان البادية، وهو الرَّافد الرئيسي لأضاة ومُنهل أم بادر الشهيرة، بعد ان وصفه بمظاهر القوة ، المتعارف عليها بالبادية، دلف إلي ما يملكه من نعم، وأهمها الإبل وأهل البادية يسمونها"عضم المال"، حيث وصفه بأنه يمتلك المئات من العِشار"صلاهِن باق"، والمئات من الأقعدة والقُعُد والقعدان، وهو البعير الشَّاب الذي لم يبلغ السادسة"سديس"، وكذلك يملك المئات من النُّوق اللُّقح، والتي تُحلب في العشاء بعد فواقها، وأيضا يمتلك المئات ، من الشُّوح العنايف، والتي أعدِّت للسباق،وكذلك يمتلك المئات من النوق، التي تجتمع وتلتف"بكُجرن" حول الفحل"طويل السَّاق"للتزاوج، ونجر عجاك يقصد به الكور او السرج وعجاك نجار أكوار"سروج" شهير ومفردة كور فصحي وجمعها أكوار ومازالت متداولة بالبادية و"أُم زُنباق" لعبة يلعبها البذر الصغار وهنا كناية لسرعة البعير وخببه.
(1)
ولد زعيمنا الرّاحل المقيم ،الشيخ محمد "المُر" ، إبن زعيم الكبابيش الإستثنائي..الرّاحل الشيخ السير علي التوم سنة 1909، والتي يؤرِّخُها الكبابيش بشعبة "كجمر الوسطانية" وتلقي قليلا من علوم القرآن بالخلوة، وأخذ طريق القوم، علي يد الشيخ إبراهيم ود المصطفي، حفيد القطب الكباشي، ومن بعده إبنه محمد شيخ العرب، وعندما شبَّ إلي الطوق، كان مولعا بالفروسية، والمروءة والنَّجدة والكرم.
عندما توفي أخاه الأكبر الشيخ التّوم"أبو جيبين"اوَّل ناظر للكبابيش بعد والده الشيخ علي التوم، خلفه الشّيخ محمد علي التوم"المُر" لأن إبن الشيخ التوم، النَّاظر حسن ، والد أمير الكبابيش الحالي ، الشيخ التّوم، كان صغيرا، لذا صار الشيخ المُر، وكيلا لنظارة الكبابيش، والوصي علي إبن أخيه،ورئيس كل محاكمها الشَّعبية،من أُم قوزين وأم سنطة وحمرة الشيخ غربا،إلي فتَّاشة شرقا، ومن أُم قوزين جنوبا،إلي أُم قرين وعِد أحمد ، والصّافية والمرخ وحمرة الوَزْ شمالا، وحتّي الختيماية ووادي هور في الشَّمال الغربي.
المُر كنيته، وكني أيضا "بأزرق،و بأبو أم عزين، وأبو التّوم، وأبو يعقوب تيمنا بعمه الرّاحل، وفارس النوراب المشهور محمد ود التّوم، وما أروع الشّاعر محمد أحمد سعيد الربيقي الكباشي حين يمتدح المُر:
"إنْ زَايَنْتُو ما بِتَقْدَر تِكمِّل زينُو
وإنْ خاصَمْتُو خُط سنتيني بينك وبينُو
تِمساح بحر موية الكتير عِنّينُو
تصاقْر الشَّم ولا اللَّزْرَق تِحامْرَك عينُو"
ويقول فيه أحد الشُّعراء:
"أَزرَق يا دَقَر كردة النَّوَايْحَك فاحِنْ
يا ضُلِّي وضَراي يوم الخِلُوقْ الجَاحِنْ
يا أطُردْ الحَلَب خلِّي النِّفوس يرتاحِنْ
يا سيبُونا عُقبان المَلاعِبْ راحِنْ"
والشَّاعر الرّاحل النور شيخ إدريس يقول فيه:
"علي النُّظَّار قَدَل بي فاشْرُو
كسَّار غَارِب البِدْنيهُو يمشي يكاَشْرُو
بي نَصْرْ المُلُك مولاهُو ربُّو مِباشْرُو
بِتقَلَّب دَقَرْ حمَّام وجنُّو نواشْرو"
ب فاشرو اي المساحة والحيز ويقصد يسبق إخوته النُّظَّار، مروءة وسماحة، والذي يكاشره ويخاصمه ويعاديه، يكسرُ غاربه والغارب للبعير من ذروة السنام وحتي مؤخرة عنق البعير، ومفردة يكاشر فصحي، مأخوذه من بروز أسنان الذِّئاب، عندما تهجم علي فريستها، إنظرولطقَّاق توية، عندما يصف كمر أو حزام أحدهم وهو ممتلأ بالذَّخيرة الحيّة:
"سعَد أحمد رِكِب دشَّر
ؤ ملا كَمرو: الكِليب كشَّر"
أي بروز رؤوس الذَّخيرة، وهي علي قُشَّاطته،كأسنان الكلب وهو يتأهَّب للعضِّ، ودَقَر هو الثُّعْبان، و"الحَمَّام" بحاء مفتوحة وميم مشددة، هي سُعَار وأُوارُ الشّمس وإشتداد حرارتها، في أواخِر الصّيف، وأوّل الخريف "الرِّشاش" والنّاشر أو النواشر هي الهوام، التي تنتشر ليلا، بفعل الحرارة، والحديث ذو شجون، أتذكر جيدا ، عندما زارنا الأخ الرّائع الجميل، وحفيد الكرام، وصديق خالنا صديق الشيخ، الأخ إبراهيم سهل، ونحن نمتطي الدَّواب،من سوق أُم سنطة، إلي فرقاننا، أتذكر ود سهل، عندما يُغني بصوته الطَّروب ومن غنا الجراري:
"نُصْ الوَقِيَّة التَّام...
شوقَر مع الغنَّام
يا ساتِر يا سلاَّم..
ومن ناشِر الحَّمَّام"
أيضا يقول النور شيخ إدريس في المُر:
"تِمْسَاح المَهَدَّة الكاسِرْ
جِسْمُو عِشاري في التِنِّين مَرَاقْدُو جَواسِرْ
بِتْهَمْك الخصيم نَامَن يطيع مِتْقاصِرْ
مبْسُوط مِنَّك آ زَنْقْ التِّريَّا العاصِرْ"
المهدّة هي مكان المورد من النيل او الوادي أو الأضاة، وقديما كان الكبابيش، وبنو جرار يسمون الموردة الحالية، بالمهدّة، وزنق هي سخانة السَّماء، حين تكون ملبدة بالسُّحب،حيث تنعدم الرِّياح، ويكون ذلك عند بذوغ نجم الثُّريا، وسابقا قلنا الكبابيش يقلبون الثاء تاء، ويقولون :"التُّريا عصَّرت"
"أَصِيل نورابي ماكْ مَجْهُول أصِل فوق حيره
والتَّضْغَط ْ عَليهُو بِتوَرِّيه الصفيّة وريره
ابو التّوم عَرِيسْ جقْلَة امْ فُواقَا ديره
خيلُو مَدَرَّعات مِتْل البنات في السّيره"
ثم أحد الشعراء يقول فيه:
"مُسْدَارَكْ علي جيهْة اُم عَمَدْ وأمْ حايْمِي
ونايْبَك كَكْ بِشِيلْ عَضْم الضّهَر والقَايْمِي
تسدِّد في قضَايَاك والكبابيش نَايَمِي
جِيْدَنْ جيت تِهِبِّط ها النِّفوسْ القَايْمِي"
(2)
الكثير من قبائل السودان، تعرف الشيخ المُر، وخاصة قبائل كُردفان ودارفور، ويعرفونه شيوخ القبائل، وزعماء العشائر،لأنه موضع تقديرهم، بشجاعته وحكمته ، التي دائما مايكون لها قدح السَّبق، في الصُلح بين القبائل، والشيخ المُر، هو الزَّعيم الكباشي، الذي أوقف العداء، مع كل القبائل المجاورة، وخلق معها علاقات وطيدة ومتينة، وصداقات راسخة إلي يومنا هذا، والمُر هو الزَّعيم القبلي الذي قال قولته المشهورة، للسيِّدين الرئيس الأزهري والزعيم المحجوب:
"أَحزابكُم دي ما عندها، رماد خشمها، إذا ما خدمتوا لينا مناطقنا، وعملتوا الدّوانكي، والشّفخانات، والمدارس، باكر بتجي الإنتخابات، وبنرشِّح ود أبوسِن والله ود منعم منصور، وبنفوِّزو وبنسوِّي رئيس"
والمُر هو الزّعيم القبلي الوحيد، الذي أوقف بما يُسمي، بكتائب مايو في منطقته، وقصّته مشهورة، مع الرئيس الرَّاحل، جعفر نميري، وما أصدق شاعرته "فضل الرَّاجيه"، حين تقول فيه ومن غنا الجراري:
"عَوَايِدْ فِيكْ بِتْعَوِّرْ
وبِتْقُرْض المِنوَّرْ
بي الرَّينَجَرْ بِتْكَوِّرْ
ولى اللَّسباب بِتْدَوِّرْ"
وبمناسبة قطف المنوِّر كما أسلفت شاعرته، أخبرني أحد أساتذتي، وهو إبن عم الشيخ، قال: عندما أنشأنا كتائب مايو، كان الشيخ غائبا، وتحديدا في المخارف، وفي منطقة جبال"طرَّوم "وما أروع الشَّاعرة المجيدة حقا، فرحتنا بت الفكي حين تقول فيه وفي ظعنه ومن غنا الجراري
" يا مفتاح السَّجر
الكازاك ما تَجَر
بشوف مُضعانك كَجَر
فوق طرُّوم الحجَرْ"
ولله در الشاعر الرَّاحل، النور شيخ إدريس، عندما يصف خيامه ذات الطنائب الممدودة ، وهي في العُلو والمخارف:
"شُومَشْ لي النِّجُوع دِرْعْ المَتينْ خرَّاسُو
كسَرْ الحَدْ علي ميدوب نَقَرْ جَرَّاسُو
يوم الحَفْلَة مارِق ْ برَّا دقَّ نِحَاسُو
مابِتتضَاضا ود كَحَلة الغتِيت في دُواسُو"
شومش للنِّجوع أي شاشا وتجهّذ لرحلة النِّشوق والشوقارة"المخارف" وقد كان الشيخ يعشقُ التِّرحال ، ودائما تكون مضارب خيامه، في أعلي الرّوابي والتِّلال، وتكون طرف وما أبلغ النور حين يقول:
"بِكِسر الحَدْ بِضُر بي خُروسُو
قجَّ الخيمة في الصَّيْ البطِن نامُوسو
عَصَّار البِلوك مُر البشيش في ضروسُو
كسَّار لي الغَوارِب والبِقاوي بِدُوسو"
قال محدِّثي :عندما وصل الشيخ إلي مقره بالحمراء، حيث محكمته في أعلي تلال الحمراء، سمع من بعض الشيوخ الخبر، وقد صادف، حمارٌ من حميري ،عضَّ حمار أحدهم، ومثل هذا لا يلتفت له أحدٌ بالبادية مُطلقا، ولكن كما قالت شاعرته" ولي الأسباب بدوِّر" أراد الشيخ سببا، فأومأَ لصاحب الحمار أن : قدِّم شكوي في مسؤول كتائب مايو، فقال مُحدثي وأستاذي وهو إبن عم الشيخ، بعد حضوري للشيخ ، إبتدر الشيخ الحديث قائلا:
"إمَّهِل...يا فلان أخوي ........!
"حمارك البِعَضْعِضْ حمير المساكين دي..حتي هو من كتائب مايو......! "
ومن يومها لم تقُم لكتائب مايو ببوادي الكبابيش قائمة سافر الشيخ المُر للبقعة، وقابل الرئيس ، وإنتهي أمر الكتائب.
الزَّعيم المُر إمتدت صداقاته خارج السودان،وله علاقة وقصة مشهورة مع الرئيس المصري الراحل ، جمال عبد النَّاصر، وقد أهداهُ بندقية في إحدي زيارات المُر لمصر، والمُر له علاقات وطيدة وقويّة، مع بعض شيوخ القبائل اللّيبية والتشادية، لأن الكبابيش في رحلة الجزو، يتوغلون حتي حدود ليبيا وتشاد، وحتي عندما توفي ، رثاهُ الشعراء، بل إمتدّ رثاءُه إلي مورتانيا حيث يقول فيه الشاعر أبو سنينة أحد شُعراء مشايخنا الشناقيط :
تَري أقوياء النَّاسِ للمُرِّ خضعا ولكنه للضّيفِ والجارِ يخضعُ"
وحتي الكاتب المعروف والباحث في التراث، الراحل المقيم الأستاذ الطيب محمد الطيب، كتب مقالا مطولا بجريدة الأيّام، بعنوان"نجم الكبابيش الذي أفَلَ" لا نريد أن نعدِّد مناقب الزَّعيم المُر، لأننا لا نستطيع حصرها، وإن ألفنَا مجلدا،ولكننا أحببنا أن يعرف القارئ، من هو الزعيم المُر، الذي ذكره أحد الكُتَّاب عرضا بل "حافّة ساكت" هكذا "المُر" ومادام الحديث عن الدوبيت، نذكر بعض الدوبيت الذي قيل في مدح الشيخ المُر، وبعض حكايات جماله و كلابه الشهيرة، والتي تطرق لها الكاتب
الشَّاعر الفحل محمد ود فضل الله العايدِي الكباشي ، يمتدح الشيخ المُر وإخوته، ويطلب منهم قعودا او بعيرا ،وهي لعمري من أجمل ماعرفته في هذا الفن:
"يا بادِي النّجُوع: ما شُفتَ خير السِّيدْ؟!
قَطَّاع الفَجَاج فوق المِصَاعُو جَديدْ
شَلَعْ الحوش وقام مِن الطِّويشة صَعيدْ
دي الولَدْ البِصُوقِرْ في البَطيحة رَشِيدْ
عبد الخير رِكِب ليها وبِقَالْهَا عَقِيدْ
دليل ألْبِلْ بِقُول المَرقة في الويحِيدْ
يا ناقة إصَّبَّرِي : برَّاقْ دُوانة بعيد!
هبَّارْةْ الزِّرَار: أمانَة عِنْدِك سِيدْ
سُلطان بي جوابات الكتابة بِفِيدْ
أبو يعقوب جَليس الفاها مُو تَقْلِيدْ
الفِيِ شِقَّكْ بَخِيت والفارَقَكْ جِلِّيدْ
نُقارتَك تُقُحْ نزلْك عِلُوه بعيدْ
أبو التَّوم جليس أُم شُورة عَنْز اللِّيدْ
نَزَلتْ أُم قوز نِحاسَك لي القبيلة بِكِيدْ
وأبو علي فَارْسْ أُم دُروعْ وحديدْ
عِجْل أُم ناطِح الفي الجَبهة قَرنُو فريدْ
وبحر المَالِح الفوق الكَبَارِي بِزيدْ
وناس البيه ضلَّلُو وهادَاك عوض السَّيدْ
بلا زَمْلْ العِقَال خَرب المصافِي هَدِيدْ
عِتِلْكُنْ بِقْلَعْ الرَّفَّة وعليها شَدِيدْ
وقَدحُكم بِشْبِعْ الألفينِ يوم العِيدْ
وميزّانكُن تَقيل في دارنا مالُو نديدْ
وأني الدَّارْس العِلُوم في راسي عندي قَصِيدْ
دايِرْ لي قَعُودَن بي الرَّسن عِرِّيدْ
كان أرْكب مُورِّك وكان أَكُوسْلُو شَدِيد"
خير السيد هو دليل بركة الشيخ المُر، وهو الذي يَجمعُ فجاج الأرض، ويدنو له البعيد، لأنه يمتطي الشوح من العنانيف، وهو الذي بدأ رحلة النجوع "كسر الحوش" حيث ذهب إلي الجنوب من قرية "الطويشة" مقر النظارة الجنوبية الشرقية لأهلنا "البرتي" الناظر الخلوق "الصادق ضو البيت" ،حيث يمكث الدَّليل خير السيد طويلا "بصوقر" في عتامير "البطحاء"، أما الدَّليل عبد الخير، يقول:ان الرجوع نحو الدِّيار، في شهر "الويحيد" ويوصي نوقه بالصبر، لأن مخارف "دوانة" والتي بين بادية الزيادية والكبابيش ، والتي شام برقها بعيدا،"برَّاق دُوانا بعيد..!" ولكن هذه النوق محظوظة، لأن سيِّدها الذي يهتم بها وبنشوقها ، أبو يعقوب اي المُر، والذي يرسل خطاباته ومناديبه، إلي إخوته زعماء القبائل والشيوخ، وهذا التنسيق بين زعماء العشائر، هو لعَمري الذي حفظ النسيج السوداني ، وهنا وبذكاء البدو المعهود، نجد ان الشاعر تطرَّق لنقارة الشيخ المُر، وصوتها" تقُح" عند مضارب خيامه وفرقانه، حيث مَدَامِر دكته بأضاة أم قوز، والتي بها تنازع قبلي، ما بين قبيلة البرتي والكبابيش، ثم يمدح الناظر الشيخ حسن "ابو التوم، ثم يدلف للسياسي المخضرم، ورجل الكبابيش الأول في مؤتمراتها القبلية، الشيخ إبراهيم علي التوم، ويصفه بأجمل الصفات" عجل أُم ناطِح وبحر المالح"، ، والبيه هو الرَّاحل الشيخ فضل الله علي التوم، و"ضَلَّلُو" يقصد يوم "ضُلْ" وهو اليوم الذي يسبق يوم ورود الإبل، وها ذاك عوض السيد علي التوم، وهو من أثرياء البادية الذي يملكون ما يزيد عن الألف بعير، حيث يصفه الشاعر قائلا بأنه: بدون الجمال "الزَّمل" التي يُشبل عليها العقال، فأنه خرب مصافي المياه بالجمال الهائجة "هديد" ، ثم يصفهم بالقوة والمنعة"عِتلكم بقلع الرَّفة وعليها شديد" والعتل من أعتال وهي الحشَّاو التي لا يُشبل عليها عِقال، حيث تتصارع بينها، حتي تقلع طنيبة الخيمة "الرَّفة" ، ثم يصفهم بالكرم "قدحكم بشبع الألفين يوم العيد"، ثم يختتم مدحهم،ذاكرا ان مثلهم لا يوجد بالمنطقة، واخيرا يدلف لحاجته، ويطلب قعودا، سريع الخبب "عِرِّيد"، ولا يهم أن يمتطيه بسرج، أو يمتطيه"عري" مِورِّك وهي مفردة فصيحة
(3)
امَّا قصّة كلب الشاعر المجوِّد حقا الفرجوني، لا داعي لتكرارها، لأن الإعلام تطرق لها كثيرا، وقد ذكرها الدكتور العاقب في كتابه، ولكنني هنا أحب أن أذكر قصتين، الأولي عن كلاب الشيخ المُر، والثانية عن جماله أو نوقه، معروف أن الشيخ المُر، كان مهتما بِتربية الكلاب ، لأنه منذ شبابه كان مولعا بالقنص، والفروسية وتربية النجائب من الإبل،ورأيت بعيني جماله، بعضها من دامر المجذوب ،وبعضها بجاويّات المتنبي، من كسلا التي من سلالتها ، "الكسلاوي"جمل إبنه الشَّاعر المجيد استاذنا علي الشيخ:
"الكسلاوي داكْ ما بيعُو
طَامِسْ قلبي بي بارْد الخبيب ونجيعُو
إضليم حمرا كولا الفي خلاهُو وريعُو
يوم ساقوه لندن ذاتها حقُّو تزيعُو"
ونجائب الزعيم المُر، جُلبت خصيصا "للفزع" وراء السرقات، وللسباق في المناسبات، وحتي بعضها من أصائل نوق الزعيم الراحل يوسف الهندي، وصدقوني كان هذا الزعيم، كل حيواناته تختلف عن نِعَم اهل البادية، لأنه كان يقتنيها بدقَّة، وكانت مرحاته من الإبل مميزة، الإبل الحُمر، البيض، الصُّفر، العنّافيات، الصُّهُب ....الخ
*نجد أهل الجزيرة العربية يسمون الإبل الحُمر بالشُّعُل، والبيض بالوضُح والسّود بالمجاهيم.
وحتي حمير الشيخ وأتُنه، تختلف عن الحمير المألوفه بالبادية، وكنّا ونحن صغار نتعجب من حميره وأتنه البُرْق، لذا جلب شيخنا الكلاب ، من رُفاعة ود أب سِن، وهجّنها ، لا أدري من سباع أو ذئاب أو كلاب أخري، وجلب لها المدرِّبين حتي صارت متفردة في كل شئ، في سرعتها ومطاردتها للصّيد، وفي قوتها وقتلها للذئاب والضِباع ، "سِيد عملِّس، وعرفاء جيأل"، ولقد شاهدتُ كثيرا بالبادية، كيف يقف عُرف أم عامرٍ، حين يمسكها الشّرك "الكجَّامة"
كان الشيخ كثير الأسفار، سيما وأنه رئيس المحاكم الأهلية، وما أصدق فضل الرَّاجيه وهي تصفه ومن غنا الجراري:
شَاقْ الهوا والرِّيع
عيل رنجرك سريع
يا عاصي ما بِتطِّيع
آزيتني بي الصَّقيع"
وعندما كنّا صغارا، كنا نتعجبُ عندما نري كلبه الشهير "عكَّام"، وهو يجري وراء سيارة الشيخ الميركري"السَّلف" ، بأقصي سرعته وعندما يُدركها، يقفز فوقها ويجلس في مكانه المخصّص له، وتحضرني طُرفة، الراحل إبن عم الشيخ المُر، يوسف ود محمد ود التوم، الذي كان ينوب الشيخ في بعض المحاكم، وذات يوم وصل الشيخ، وركب يوسف في عربة الشيخ ولكنه في المقعد الخلف، وعندما رأوه البدو صاحوا وهم يسخرون منه قائلين:"
"ها ناس عاينو شيخكم يوسف..راكب مع عكَّام"
ليرد عمنا يوسف وبذكاءه وخفّة ظلِّه: "ها عرب: النِّمر ورا وقدَّام أرقط".
في إحدي اللّيالي السُّود، أغتال عمَّال التاجر الشهير بمنطقة أم سنطة، محمد أحمد مركز، الشهير "بود فعيم" إغتال عماله كلبا من كلاب الشيخ المُر، حيث نصبو له شركا، غضب الشيخ غضبة مضرية،لأنّ هذا تعدِّي علي أعز ممتلكاته، ناهيك علي أنه المُر، والكل يعرف بأسه حين تُمسّ حُرمه، لكنه صمت ولم يُحرك ساكنا، لأن ود فعيم غريب، لم يكن من الكبابيش، لذا طلب منه أن يغادر الشابان، اللذان قتلا الكلب، منطقة أم سنطة فورا، لكن الشّاعر يوسف عبد الماجد "كُرْيَت"، من التجار بمنطقة أم بادر، وهو أصلا من الدّامر، وكان صديقا للشيخ المُر وللشيخ الإعيسر، وله مراثي جميلة في المشايخ، وله شعر رائع عن أم بارد وعن البادية، أرسل الشاعر "كُريت" مُسدار جميل للشيخ المُر، يرثي الكلب ويواسي الشيخ:
"البارِح هناك بعد الخلوق ما نَامُو
ناس ود فعيم شمَّرُو السَّواعِد وقامُو
نصبوهو الشَّرك لي الكلب قِدَّامُو
عملوها الما بِحقُّو العُشرة: ما بنلامُو"
**********************
"شوف الجماعة فوق الكلب كيفِن هاشُو
لا عامِلين حِساب ولا سيدو خايفين باسُو
ود اللَّمين إستعَدَّالُو بي طُرباشُو
والفاضل هناك راجيهُو بي تُرْكَاشُو"
**********************
"ودالأمين تاجر بأم سنطة وجذوره من الفتيحاب، والفاضل ايضا تاجر من رفاعة" والتركاش يشبه "الكوكاب" والطُرباش هو "السَّفروق"
"إتْلَمُّو فوقو تقول مَسَاطِيل بَنْقُو
قالو: إنْدودرو في القُطِّية جوَّه إنزِنْقُو
عبد الله سَوَّالُو الحبل في عنقُو
نورين دوَّخُو وعجبنا قام بي شنقُو"
**********************
"عبدالله ، نورين، وعجبنا هم العمّال الذين قتلوا كلب الشيخ، وجذورهم من الجبال البحرية"
"رئيس الشُّرطة عليك تَكَلْنَا اللّوم
وين دَوْرِيتَكْ المَفْرُوض عليها تحُوم
أجْمَع خِدْمَتَك عرِّك عَسَاكْرَك كوم
كلب المُرْ كِتِل خلِّي الرِّقاد والنّوم"
**********************
"كلب المُر ماهو كلبَن عادِي
سبيب الخيل سبيبو وباقي لونُو رمادِي
مقوَّص ضهرُو ومِن قفاه مِتْسَادِي
أصلو أوربّي جي من المحيط الهادي"
**************************
"مِنْ ما قام جِرو ما دجَّة بي الفُرقانْ
ما فتَحْ المخازن حرَّك البيبانْ
جي مارْ مِرور من كلَّ شي قنعَان
نصبولو الشَّرَك في شارع الدُّكَّانْ"
*******************
"مِنْ ما قام جِرو ما لِحِسْ مُرْحَاكَه
ما نَاصْ شهق لي الكُمشة والمُفراكه
وما لاب الفريق طرَدْ الجداد الكَاكه
وما فتح المغطَّي ولي الدِّخول إتَّاكا"
*************************
والمربوعة أجمل ما سمعته في وصف الكلاب، وأنفتها ، وهي تذكرني قصيدة الشَّاعر المورتاني"ول ْ مولود" في مدح الزعيم المُر، حيث تطرق لكلابه
"وكلابه ما استنفرت من غيرها أُنفا"
"وا أسفايا ما كتلوك سُود عُربَانَك
وما كتلوكَ عند دار أم بخيت جيرانَكْ
وما كتلوك قريب من ناس قريش فرقانَك
إتّا رقدتَا لاكِن ما بتنطفي نيرانَك"
**********************
جمعية الرَّفق بالحيوان أرسلت برقيَّة
وتاتي إستنْكَرت بي إشارة لا سِلْكيّة
قالت يازعيم: لازم تقيمو قضيَّة
مِيَّة بقرة: يدفعها ود فعيم في الديّة"
(4)
أما عن قصص الشيخ المُر، مع الجمال كثيرة، سوف نتطرق لها لاحقا، ولكنني سوف اذكر بعض من شعر الشيخ، والقليل من طُرفه مع الشعراء، أثناء إنعقاد المحاكم الأهلية، قال الشيخ "مُجادعا" صديق صباه وإبن عمه حمد ود لولاو:
تُفاح دُنْقلا البلَغ النَّضاج في أكلُو
طَامِس وَاحِدين ضوقُو وعجائب شَكْلُو
هَمْهَاد دِيسُو فوق نهَّادُو مِتشَربِكْلُو
أني عارْفُو بِبَهْدِل الكاشَم نَدِيدُو ضِحِكْلُو"
ليرد ود لولاو:
"ليمون سودري الفوقُو السَّوارِي إتْرَادِنْ
النَّيْ ضَارَبو النَسَّام فروعُو اتْقادِنْ
ديفْةْ الطَّارَدَن وادي الفَتيقْ ما عَادِنْ
ؤآح من جَمْرَة الخطَواتُو ما بِنْصَادِنْ"
"ود لولا مُذهل...........!
كانت للشيخ طرق مُذهلة، في معالجة قضايا أهله، وكل قضية يملك لها حل متفرِّد،وإن إستعصت كلها ، يجمع عُقلاء القبائل و شيوخها وحكمائها "العُمَّار" ثم يقول لهم:
"هذه القضية ما بتنحَل عندنا تحتاج لإصلاح ذات البين"
ومن الطرائف، قصته مع الشاعر الكباشي محمد ود حامد البرِّي، حيث إشتكت بعض الفرقان، من شاعر الدوبيت الرائع البري، لأن للبري بعير مثل ناقة طرفة بن العبد في العدو، ولكن البعير وصاحبه، أصبحا يُشكلان خطرا في فتق النسيج الإجتماعي، وأظنه أصبح كبعير المنخل اليشكري، ذلكم البدويُّ الذي بلغ به الوجد شؤا بعيدا، حتي تجرأ علي "الخزنة الزِّقاقها مطبَّل"
والتي بسببها دُفن حيّا........
" أحبّها وتُحُبني ويُحبِّ ناقتها بعيري
ياهندُ: من لمتيمٍ ياهندُ: للعاني الأسير"
أرسل الشيخ خفراءه، لجلب البعير، لاحظوا هنا: أن الشيخ طلب البعير وترك صاحبه،ومن يومه لم يذهب الشاعر إلي عُرسٍ أو ختانٍ أو اي مناسبة فرح،لأن بعيره الذي أخذه الشيخ كان سلاحه، وجلبابه وعمامته وملحفته، وهو موضع حديث البدو في مجالسِ أنْسهِم، لجماله وسرعته، وكان له حظٌّ وافِرا من أغاني الحسان، لأن أكثر شدوهنَّ للإبل، وأصحابها الفرسان الأدِلّة،جمع دليل، وهو الرجل الخبير بمناهل المياه ومراعي الإبل والفلوات، إن كانت في رحلة النشوق أو رحلة الجزو، أو للصفات الحميدة، كالمروءة والكرم والسَّماحة والإقدام، ومن يومه اصبح الشاعر أعزل وبلا سلاح، ولقد ترك الأفراح والمناسبات مطلقا، وفي إحدي الأيَّامِ، وذات أصيلٍٍ، والفصل خريف، والبادية بالمَخارِفِ، أناخ الشاعر مطيّته، أمام مضارب خيام الشيخ المُر، وسرق النَّظر إلي بعيره، حيث يرعي علي مشارف الفريق، فتذكَّر صولاته و"شيومه" وهو علي ذروة سنامه، وبعد أن سلَّم علي الشيخ أنشد قائلا:
"وَدْ إبْل العَكَاكِيمْ الضِّراعُو مَشنَّقْ
طيرَنْ عكَّم الرَّبدة وقعَدْ بِتخنَّقْ
اللّيلة آالرَّقَلْ قلب المِشارِف رَنَّقْ
علي قِصيبْةْ الدَّهَارِيب الصَّبيبُو نَقنَّقْ"
الضراعو مشنَّق اي زنده من كوعه واسعٌ، والطير يقصد به الإضليم، ذكر النِّعام، وعكَّم اي يقرعها من الأمام ويستنُّها، والرَّبدة اي الرَّبداء وهي أُنثي النِّعام، و"بِتخنَّق" يُحدثُ صوتا من خياشيمه وحُلقومه، سبحان الله العظيم، الكلُّ مسعورٌ بالشبقِ، والنِّعام تشبه الإبل في ذلك أو كما يقول شيخ جامع ،وهو يصف إبله "بنات دعتورة"وإجتماعها حول الفحل تُريد التزاوج "اللِّقاح:
"قَطَعَنْ وادِي الملَوَّي وخبَّنْ
وبنات دَعتورة في ود العنانيف رَبَّنْ
قشْ السَّافِل أ سَّاعْ يا اُم عَراقِيب لَبَّنْ
وليهُو ليالي من يوم الأشابيب صبَّنْ"
الرَّقَلْ إسم بعيره، وقلب المِشارِف رنَّق اي حنَّ وإشتاق وتاق، والدَّهارِيب هي أمطار اللّيل ،السَّواري المصحوبة بالرِّياح والرَّعد، صبيبو نقنَّق من نقنَاقة اي تمطِرُ ثم تتوقف ثم تعاود الهطول مرة أخري، وإلي شُعاع الشّمس، ولقد كان الشيخ المُر شاعرا مُجيدا، فصاح مخاطبا الشاعر وقائلا: "أقسِم إن لم تأتي بغنوة بيضا ، سوف لا تمطيه ابدا" فقال الشاعر وفي الحال:
"بيضا علينا كيف سنون أُم عَاج
وكيف تبر الضّحي وقمر العِشِي الوجَّاج
خيطَن تَمْ حِسابو واقَعْ النَّسَّاجْ
وقطْنَنْ فوق فِروعُو مِفَقِّع النُّبَّاجْ"
الشَّاعر علي قدْر التَّحْدِّي، مربوعة بيضاء تماما، والشيخ أوفا بوعْدِه، سلمه بعيره وأهداه فروة وسوط، ثمَّ أوصاه قائلا: "المرة الجاية فوقك إنت ماها في الجَمل الرَّقَلْ"
(5)
توفي الشيخ المُر عام 1981 ونحن بمتوسطة حمرة الشيخ، حيث كُنَّا نعلم بسفره، للخرطوم للعلاج، لأن محكمته العامرة بالقُربِ من مدرستنا، ولكنه عندما وصل شرق الحمراء، بين وادي الملك "ابوزعيمة" وبين الحمراء وتحديدا منطقة القرينات، فارقت الرّوح الجسد، وتوفي إلي رحمة مولاه، وقد كان يوما حزينا مُظلما ومن أيَّام الكبابيش السُّود، ومن شجاعة هذا الشيخ وبعد أن أشتَدَّ عليه الدَّاء، وأراد مُرافقيه أن يضعاه علي "عنقريب" في المقعد الخلف، حسب توصية الطبيب، جلس الشيخ وخاطبهم بحزم: طُول عمري وانا أجلس في المقعد الأمام، في العافية "المرية" إلاَّ حين يأتيني الموت، أجلس في "الخلف" لا والله أموت في مقعدي هذا.....
وقد كان، مات في مقعده الأمام، رَحَم الله الشيخ المُر، عاش شجاعا ومات مقداما، ولقد صدق الشاعر الكباشي النور شيخ إدريس عندما قال:
"يا دَار الكَرَمْ والرُّحَّلْ السيَّارة
بِتْرَزَّم نِحاس عزِّك رِجَالُو بَطاره
مِنْ فَارَقْتِي أبو رِسوة العِيونُو شَرارة
قنَّبَتْ الدَّغايِر في الخراب تِتْبَارة"
المقطع الأخير من أجمل التعابير، "الدَّغايِر" بفتح الدَّال وتشديدها، جمع "دَغور" ، وهو الرّضيع من سائر النِّعَم، الذي فقد أُمَّه مما يتتطلب رضاعته في إناث ولُقُح أُخري، ويكون ملهوفا ويكثِرُ من الصياح، ويكون هزيلا وتنطحه الشوايل من البهائم، وهنا كناية لفقد الكبابيش لزعيمهم المُر.
ما أروع الشاعرة أم ظعينة دياب، حين قالت ترثي خالها المُر، ومن غنا الجراري:
"أُوكْتُو الحَي هو بِنَتِّرْ
مِنُو الكان لينا بِعَتِّرْ
اللَّي عوراتنا بِسَتِّرْ
جرْح الفَاقْدُو مقَتِّر"
الحديث عن الشيخ المُر يطول ، ولكنني أختم بالشاعر بلل ود زائد الكباشي، عندما قال راجزا، ومستبشرا بقدوم الشيخ المُر، حيث عاد لتوِّه من إحدي المؤتمرات القبلية، ولا ينسي أن يلمح الشاعر، بفطنته وذكاءه اللمَّاح ، لأخذ خفراء الشيخ بقرته "بت حمرة"
" ممَّا سِمِعْنَا حِسْ عَربِيتَكْ
فِرْحَت بي النَّصُر وإتْبَاشَرَتْ بادِيتكْ
عربَك ديلا: أخدو بقَرْتِي في طَلَبِيتَكْ
كان فكِّيتْها شُكْرَن: وكان مَسَكْتَ سَعِيتَكْ"
*******************************
أبو يعقوب جَلِيسْ المِنْ وَسُط مِنْهَمْرة
ضِراع ماصْعَنْ بحَبْسْ أُم قُجَّة فوق السَمْرة
إتَّ ما بِتَتْكَازة عينَك لي خصِيمَك جَمْرة
عيل مِن إذنَكْ آ اللَّزْرَق تِفِكْ بت حمرة"
رحم الله الشيخ المُر، عاش وهو يملأ ماعون البادية سماحة ونُبلا ونفلا ، ومات وصار قدح البادية من بعده، مغطَّي علي اليباسِ ، حيَّا قبره الضَّحوي العوير...
"إنَّ قبرا ضمَّ عليٌّ وإبنيه .......... ضريحا موفَّقُ"
*أحسبُ وأُوقنُ أنَّ ما كتبته ، عن الزعيم المُر، كندوة أم بشَّار التي تسبق فصل الخريف ، وأظنه مطيرةً رشَّة، نزلت في وقت الرِّشاش، مبشرة بسواري الشيخ المُر المدجنات ، و"هاروده البصب ليليهو مو نقناق" والتي أتمني ان يكون برقها العباديّ وامضا، من مُزن وغمام الأساتذة عثمان البشير الكباشي والمسلمي البشيرالكباشي وحسن محمد صالح وإبراهيم الدَّلال وحنفي حاج الطيب وأخرون ، للتوثيق لخريف هذا الزعيم الإستثنائي والذي بعد رحيله كثُر بوار الوحل، والبروز ومقطوعين الطَّاري والدَّغاير، بالبادية ........
aubaid magadam [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.