[email protected] قرأت للاستاذ حسن اسماعيل عموده الأربعاء الماضية بعنوان (على ضفاف ليلة "حق"). وحسن حبيبنا. وقد حلا لي أن أقول في وصفه أنه نوارة كتاب (الخرطوم)، الصحيفة والمدينة معاً. وكان هذا اللقب في الأصل – وقبل احالته الى حسن - من نصيب حبيبنا الآخر، الكاتب الراتب بصحيفتنا الغراء الاستاذ فيصل محمد صالح. ولكن أبى الفياصل، حفظه الله ورعاه، لم يعد بحاجة الى ألقابنا المحلية، إذ أصبح في يومه هذا يتلقى الالقاب والأوسمة والنياشين كفاحاً من ديار الامبريالية العالمية! لم يعجبني في البدء من صاحبي حسن أنه ذهب الى (حوش دار حق الصغير) بحسب وصفه، وتحدث في ندوة بعنوان (تقييم هبة سبتمبر). اذ كنت اتوقع منه أن يرعى حق الزمالة، فيؤازرني ويكابرني ويتضامن معي، فيمتنع عن الذهاب الى الندوة، بعد ان روّعتني السندريلا صاحبة الحوش، ورئيسة حزب حق، وشتمتني شتماً منكرا، وأصابتني في أعز ما أملك، وهو بأسى وقوة عارضتي ككاتب صحافي ملهم. وذلك ضمن حوار أجرته معها الاعلامية الشهباء عفراء فتح الرحمن، ونشرته صحيفة (الجريدة) الاسبوع الماضي. حيث شككت السندريلا في أصالة قلمي وطعنت في شرف كيبوردي، فقالت لعفراء أن مقالات البطل يكتبها آخرون من وراء حجاب، وأنه فقط يوقع عليها ويبعث بها للنشر. أيرضيك أن يقال هذا عني يا حسن يا نوارتنا؟ استوقفتني في ملاحظات صاحبي، وهو يعلق على مجريات الندوة، بعض شكواه من اللغة والتعابير الجديدة التي يستخدمها شباب الجامعات، إذ كتب: "أدهشتني لغة الشباب الصاعد سياسياً الآن، والذين لا يزالون يدرسون بالجامعات". ويبدو ان صاحبي عاني معاناة حقيقية وهو يقدح زناد فكره في مسعاه لفك رموز وشفرات بعض الكلمات، التي كانت تتردد على ألسنة الطلاب، حتي وفقه الله الى استيعاب معانيها. وقد تفضل فقدم بعض الأمثلة على التعبيرات الغريبة التي يستخدمها أبناؤنا من طلائع المستقبل هؤلاء. من ذلك ما جاء على لسان أحد الطلاب، من المتحدثين في الندوة، الذي أراد ان يستنكر محاولة البعض تمجيد الراحل الدكتور خليل ابراهيم وخلق هالة اسطورية حوله، حيث قال: "يا اخوانا ما تكرزموا لينا الناس ساكت". وبعد التمحيص علم حسن أن الكرزمة مصدرها اللفظ الاجنبي كاريزما، وان المقصود هو ان خليل، رحمه الله، لم يكن قائداً كاريزمياً كما يحاول البعض أيهامنا! والحق أنني وجدت في نفسي بعض التعاطف مع هذا الشاب الجذاب الذي عبر عن رفض الجيل الجديد لظاهرة (الكرزمة) العشوائية التي ضربت أطنابها في حياتنا العامة. وأنا على مذهبه، أرفض كرزمة المرحوم خليل، إذ كيف يُكرزم رجل كل انجازه في الحياة أنه جيّش الأبرياء من أبناء قومه وساقهم الى حتوفهم دون ذنب جنوه؟ هل سمعت - أعزك الله- عن الأسير من جيش الغزو الذي سأله المحققون عام 2009 عن سبب حمله السلاح واقتحامه ام درمان مع المقتحمين، فأجاب أن خليل وعده إن شارك في الهجوم على المدينة الوادعة أن يزوجه ندى القلعة، سواء وافقت ام لم توافق! بحسب المصادر المتخصصة فأن أصل المصطلح (كاريزما) يرتد الى اليونان، ويعني الموهبة او العطية الالهية. وكان العالم الالماني ماكس فيبر هو من أعطى المصطلح صبغته السياسية. ويطلق الوصف إجمالاً على الشخصيات الملهمة ذات الجاذبية الكبيرة، والحضور الطاغي، والقدرة على القيادة والاقناع والتأثير على الآخرين. وهناك كتاب شهير متداول في الولاياتالمتحدة عنوانه (كيف تصبح كاريزمياً) لمؤلفه براين هينلي. كنت أود اقتنائه لولا أن زوجتي، السيدة الفضلى ايمان، أقنعتني أنه ربما كان من الاوفق توفير الخمسين دولاراً التي كنت سأدفعها ثمناً للكتاب، فلا تضيع بدداً. إذ ما حاجتي اليه وقد شهد الاعداء قبل الاصدقاء بكاريزميتي، وأسبغ علىّ أهلي في وادي حلفا لقب (كاتب عموم السودان)؟! هناك شبه اتفاق على أن الشخصيات الكاريزمية في الحياة العامة السودانية قليلة. وربما تداول الناس حول ثلة محدودة العدد، بصرف النظر عن مضمونات عطاءاتهم، مثل عبد الخالق محجوب ومحمود محمد طه من الذاهبين، والامام الصادق المهدي والدكتور حسن الترابي وخالي الفريق بكري حسن صالح من الأحياء. أطال الله في أعمارهم ونفعنا بكاريزمياتهم. وكنت قد انزعجت بعض الشئ عندما تناهى الى علمي اتجاه البعض من جماعة حوش السندريلا الى كرزمة الدكتور خليل ابراهيم بأثر رجعي. وبدا لى أن أعزز مطلب الشاب النابه الذي نادى بالتأني والحذر عند كرزمة الناس. ومن هنا فإنني أطالب بتشكيل لجنة قومية، تقتصر عضويتها على الشباب، تكون مهمتها مراجعة معايير الكرزمة في حياتنا العامة، واعادة النظر فيها بناءً على أسس واضحة. وسحب صفة الكاريزمية عن الشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية التي نالتها بغير حق. من جانبي، فإنني أزعم لنفسي دوراً في هذا المضمار أحتسب أجره عند الله. اذ جهدت عبر السنوات في فضح وتجريد عدد من الدجاجلة والأنبياء الكذبة من صفات الكاريزمية المزيفة التي زعموها لأنفسهم. وقد كان آخرهم الشريف الماركسي حسن موسى، نبي اليسار الجزافي المستعصم بديار الفرنسيس. الذي أخذناه أخذ عزيز مقتدر، حتى أصابته اللوثة فأخذ يهذي ويهرف، ويضرب في البرية بغير هدي. وكان بعض الملاحيس من حوارييه قد كرزموه، وافتتنوا به واستأسروا له، خاضعين خاشعين، لكأنهم جماعة بوابة السماء Heaven's Gate في سان دييغو. وكان هؤلاء الحيارى البائسين من جماعة بوابة السماء قد افتتنوا بزعيمهم مارشال أبلوايت، حتى انهم انصاعوا لدعوته في العام 1997، عندما طلب منهم ان يغادروا الحياة الدنيا معه، بعد ان زهد هو فيها. فاجتمعوا في دائرة واحدة، وتناولوا طعاماً من زبدة التفاح المخلوط بالسيانيد والزرنيخ، وماتوا جميعا تحت قدميه! نقلاً عن صحيفة (الخرطوم)