ظلَّ نادي الشعلة بسنار يمثِّل بؤرة ابداع ومنهل ثقافة ومنارة علم على مستوى السودان وهو يكاد يكون النادي الرياضي الوحيد في البلاد والذي يطبِّق شعارات الأندية التي نراها مكتوبة على اللافتات عند المدخل (رياضي -ثقافي – اجتماعي) تطبيقا سليما على العكس تماما لغالبية الأندية في البلاد وعلى امتداد الوطن الغالي ، وحتى الأندية الكبرى لا نجدها استثاءا لهذه الظاهرة . وقد قام نادي الشعلة برسم لوحات ثقافية مرتبطة بأحداث مثَّلت علامة بارزة في تاريخ بلادنا المعاصر عندما نظَّم احتفالية وتظاهرة ثقافية كبيرة للإحتفال بالسلطنة الزرقاء وذكرى أول دولة اسلامية في التاريخ الحديث بالبلاد وعاصمتها سنار ، وقد كان ذلك حدثا عظيما تجلَّت فيه قدرة التنظيم والابداع لهذا النادي المتميِّز ؛ ذلك غير معارض الكتاب المليونية التي كان يقيمها بانتظام ... والعديد من النشاطات التي يطول الحديث عنها ..... ولكن ، فقد لفت نظري أيضا التصاقهم وارتباطهم بأحد عباقرة الفن السوداني ألا وهو الراحل المقيم الهرم الأستاذ مصطفى سيد أحمد وقد ظلُّوا في هذا النادي يقيمون لمسة وفاء بصورة شبه سنوية لإحياء ذكرى ذلكم المبدع المتفرد ، لا غرو وأنه قد ارتبط بهذا النادي منذ أواخر الثمانينات حيث كان يتم تنظيم جلسات استماع بصورة راتبة شهدت ميلاد العديد من الأغنيات التي اشتهرت فيما بعد ؛ وقد كان يصاحب ذلك نقاشا ثقافيا واجتماعيا لا زال صداه ينبعث ويتردد في مسامعنا ... كما شهد مسرح نادي الشعلة تدشين العديد من أعماله الكبيرة بمصاحبة فرقته الموسيقية كاملة العدد والعتاد وأذكر منها رائعته "مريم الأخرى" ؛ وقد اشتهرت كذلك شرائط الكاسيت وقتئذ وهي تحمل تلكم التسجيلات موثقة لتلك الجلسات والحفلات وكانت تُعرف بالشعلة (1) والشعلة (2) وهكذا ... ليلة الوفاء هذا العام أُقيمت الأسبوع المنصرم وقد تزامن مع مهرجان الوفاء للمعلمات ومربيات الأجيال والتي أقامها شباب وشابات حي تكتوك العريق بسنار والذي يضم أيضا هذا النادي الرائد المتفرد في اهتماماته ؛ وقد كانت فرقة الأستاذ المرحوم حضورا مكتمل العدد مصاحبة للفنان بهاء الدين الذي أبدع وهو يصدح بأغنيات المرحوم بصورة شجيَّة جعلت جموع الحاضرين يسترجع شريط أحداث مضت ورحلة ابداع متفردة ، ولكنها لم تُعمِّر طويلا ، فقد كانت رحلتها قصيرة بمقياس الزمن ولكنها طويلة، بل خالدة بمقدار الحس الإبداعي والأثر الإيجابي وعمق مدلولاتها في وجدان الشعب السوداني ؛ وقد كان يحاول مستميتا أن يفك طلاسم الزمن الفلاني ، ولكن ... قدُر ما يمشي في سور الزمن خطوات يلاقي خُطى السنين واقفات ... الشيئ المميَّز أيضا هو مصاحبة شعراء المرحوم مصطفى لتلك الليالي وقد كان حضورا هذه المرة أستاذينا أزهري محمد علي وقاسم أبو زيد .. وقد كانوا في قمة التأثر وهم يعايشون تلكم الأحداث المفرحة الحزينة في آن واحد ، وعبَّروا عن تقديرهم وإعجابهم لمواصلة هذا النادي لرحلة الوفاء والعرفان لمن خطَّ نهج التغيير في ملامح الأغنية السودانية ورسالتها ... ولمن رسم لوحة إبداع السهل الممتنع في خارطة الغناء السوداني ... اللهمَّ أرحمه وأكرمه وأرض عنه ... آميييييين .