السودان.. مجلسا السيادة والوزراء يجيزان قانون جهاز المخابرات العامة المعدل    الخليفة العام للطريق التجانية يبعث برقية تعزية للبرهان في نجله    ثنائية البديل خوسيلو تحرق بايرن ميونيخ وتعبر بريال مدريد لنهائي الأبطال    ريال مدريد يعبر لنهائي الابطال على حساب بايرن بثنائية رهيبة    شاهد بالفيديو.. الفنانة مروة الدولية تعود لإشعال مواقع التواصل الاجتماعي بمقطع وهي تتفاعل مع زوجها الذي ظهر وهو يرقص ويستعرض خلفها    ضياء الدين بلال يكتب: نصيحة.. لحميدتي (التاجر)00!    ناس جدة هوي…نحنا كلنا اخوان !!!    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل مصري حضره المئات.. شباب مصريون يرددون أغنية الفنان السوداني الراحل خوجلي عثمان والجمهور السوداني يشيد: (كلنا نتفق انكم غنيتوها بطريقة حلوة)    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    شاهد بالفيديو.. القيادية في الحرية والتغيير حنان حسن: (حصلت لي حاجات سمحة..أولاد قابلوني في أحد شوارع القاهرة وصوروني من وراء.. وانا قلت ليهم تعالوا صوروني من قدام عشان تحسوا بالانجاز)    شاهد بالصورة.. شاعر سوداني شاب يضع نفسه في "سيلفي" مع المذيعة الحسناء ريان الظاهر باستخدام "الفوتشوب" ويعرض نفسه لسخرية الجمهور    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    مصر والأزمات الإقليمية    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية: دمج جميع القوات الأخرى لبناء جيش وطني قومي مهني واحد اساسه القوات المسلحة    الولايات المتحدة تختبر الذكاء الاصطناعي في مقابلات اللاجئين    الخليفي يهاجم صحفيا بسبب إنريكي    أسطورة فرنسا: مبابي سينتقل للدوري السعودي!    عقار يلتقي مدير عام وحدة مكافحة العنف ضد المرأة    كرتنا السودانية بين الأمس واليوم)    ديمبلي ومبابي على رأس تشكيل باريس أمام دورتموند    ترامب يواجه عقوبة السجن المحتملة بسبب ارتكابه انتهاكات.. والقاضي يحذره    محمد الطيب كبور يكتب: لا للحرب كيف يعني ؟!    مصر تدين العملية العسكرية في رفح وتعتبرها تهديدا خطيرا    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    دبابيس ودالشريف    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عرض لكتاب تاريخ سلطنة دارفور .. بقلم: عبد المنعم خليفة خوجلي
نشر في سودانيل يوم 17 - 10 - 2009


-------------
نهاية استقلال سلطنة دارفور (1)
- تنامي قوة الزبير باشا وسيطرته على بحر الغزال
- دعم الخديوي إسماعيل للزبير
- محاولة كسب مساندة الرزيقات لضمان المرور الآمن لدارفور
مقدمة
أواصل في هذه الحلقة العرض الذي سبق أن قمت به لبعض فصول كتاب " تاريخ سلطنة دارفور" الذي صدر في صيف العام الماضي 2008م - باللغة الإنجليزية - لمؤلفه بروفسور ر. س. أوفاهي – أستاذ التاريخ بكلية دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا بجامعة بيرقن بالنرويج ، والذي يغطي الفترة 1650 – 1916م .
وسبق أن ذكرت أن الطبيعة التاريخية والأكاديمية للكتاب تنأى به عن محور وأبعاد الأزمة الإنسانية المعاصرة في دارفور ، والتي أبرزت الإقليم إلى دائرة الضوء عالمياً . ويعتبر هذا الكتاب واحداً من أفضل المراجع في موضوع تاريخ دارفور ، إذ أنه إضافة توثيقية ثرية لذلك التاريخ . أما لمن أراد استيعاب الخلفيات التاريخية التي تعين على فهم الصراع القائم حالياًً ، فالكتاب أيضاً يمثل مرجعاً لا غنى عنه ؛ إذ أنه يعكس معرفة لا تجارى وفهماً متعمقاً لتاريخ دارفور ؛ وهو ثمرة أربعين سنة من الأبحاث ، ظل المؤلف خلالها ينقب في ذلك التاريخ (منذ العام 1968م).
-------------
في الجزء الثالث من الكتاب وتحت عنوان (نهاية الاستقلال) يلقي الكاتب الضوء على بعض الجوانب الهامة والتفاصيل المرتبطة بغزو دارفور (1873 – 1874م)؛ معلقاً أن غزو دارفور في عام 1874م من قبل الزبير باشا لم يكن فقط بداية النهاية لوجود سلطنة دارفور كدولة مستقلة ذات تاريخ متصل منذ القرن السادس عشر، بل كان أيضاً نقطة تحول في تاريخ السودان الحديث.
فعلى الرغم من المقاومة البطولية لحكام (كيرا) خلال سبعينات وثمانينات القرن التاسع عشر، ورغم أن آخر سلاطينها- علي دينار بن زكريا قد تمكن رسمياً من استعادة السلطنة في الفترة ما بين أعوام 1898-1916م، إلا أن دارفور بعد عام 1874م ظلت في نظر من حكموها من مصريين ومهدوين وبريطانيين وحتى اليوم جزءاً من السودان بكل ما يعنيه ذلك. إن فكرة دارفور ككيان منفصل- دعك عن استقلالها- لم تدخل الساحة الدولية حتى مفاوضات أبوجا التي جرت تحت رعاية الاتحاد الإفريقي في عام 2004م.
يتناول المؤلف خلفية المناخ التاريخي والإقليمي الذي نشأ تحت ظله الزبير باشا، واصفاً الزبير على أنه نتاج التوسع الاستعماري السائد في حينها، والمستفيد من التكنولوجيا الحديثة آنذاك المتمثلة في السفن والبنادق. فلقد بدأت في منتصف خمسينات القرن التاسع عشر موجة من المغامرين الأوربيين والمصريين والشرقيين والسودانيين الذين استخدموا السفن للتحرك عبر روافد الأنهار إلى غرب بحر الغزال ليكونوا شبكات من (الزرائب) أو (الكبانيات)، وجيوش من الأرقاء بهدف استغلال أهم موردين في الإقليم، ألا وهما البشر والأفيال. وكان وراء كل هذا النظام رجل واحد هو الزبير رحمة المنصور.
يذكر الكاتب أن الزبير رجل ذو تصميم عظيم ومقدرة؛ فمنذ مجيئه إلى بحر الغزال سرعانما أسس امبراطورية تجارية قائمة تنظيميا على (الكبانيات)- أي الشركات التجارية-، وجغرافياً على شبكة من المعسكرات المسلحة (الزرائب)، قوامها فرق من (الأرقاء) المسلحين بالسلاح الناري. كانت التجارة الرئيسية هي العاج، وكذلك (الرقيق) للاستعمال الداخلي كجنود، وكعمال يقومون بزراعة الغذاء للمعسكرات؛ كذلك كان يتم تصديرهم للشمال.
بحلول عام 1865م كان الزبير مسيطراً على كامل بحر الغزال، وذلك بعد قتله لجميع منافسيه أو استيعابهم. لكن مع نمو امبراطوريته دخل في نزاع مع الخديوي اسماعيل؛ فلقد أغلقت إجراءات مكافحة الرق المنافذ عبر النيل الأبيض، مما جعل المنافذ البرية إلى الشمال ضرورية. كانت هذه المنافذ تمر عبر مناطق قبائل البقارة، وهي الأراضي الواقعة بين سلطنة دارفور والمناطق التي هي تحت سيطرة الزبير. وقد عقد الزبير اتفاقية مع الرزيقات في مارس 1866م أساسها هو قيامه بدفع رسوم للقبيلة مقابل توفير الحماية والمرور الآمن عبر أراضيهم (وهذه الاتفاقية هي التي أدت بشكل غير مباشر إلى سقوط سلطنة دارفور).
هذا التقنين للشبكات التجارية في المنطقة سدد ضربة كبيرة للقواعد التجارية لسلطنة دارفور. فلقد أصبح الزبير الآن مسيطراً على الخلفية الاقتصادية للسلطنة، وكذلك على منافذ الدخول إليها والخروج منها. وفي عام 1873م انهارت اتفاقية الزبير مع الرزيقات، إذ تمت مهاجمة إحدى قوافله وقتل عدد من أقاربه. وقبل الثأر لتلك الهزيمة، كتب الزبير خمس رسائل للسلطان ما بين يونيو 1873م واغسطس 1874م ؛ وكان هدفه من وراء تلك الرسائل هو تبرير أعماله. في البداية خاطب الزبير السلطان باحترام باسم "خادم الخديوي" (نحن عبيد أفندينا)، الذي كان مستغرقاً في غزو بلاد الفرتيت. ذكر الزبير للسلطان أن مقاصد الدولة المصرية شريفة، وأنه يخاطبه درءاً للفتن بين الدولتين. كذلك ذكّر الزبير السلطان إبراهيم قرض بالعلاقات الطيبة التي كانت قائمة بين والده والخديوي. ركز الزبير في تلك الرسائل على التأكيد على أنه خادم مخلص لحاكم مصر؛ لكنه في نفس الوقت كان يقر بأن دارفور دولة (الدولة الدارفورية).
كانت لهجة رسالة الزبير الثالثة للسلطان أكثر حدة، احتج فيها على عدم قيام السلطان بالرد على رسالتيه السابقتين. كما ذكر في تلك الرسالة أنه عباسي وهاشمي، ولا يقبل التهديد والإساءة؛ وختمها بنصح السلطان بالتسليم للخديوي. بعد شهر من ذلك قام الخديوي بتعيين الزبير مديراً للشاكة وبحر الغزال، ومنحه لقب بك. ربما كان الهدف من وراء ذلك هو تقديم السند له في محاولته هزيمة السلطان، وأيضاً تزويده بالشرعية اللازمة.
غزو السلطنة
استغرق غزو السلطنة فترة عام تقريباً؛ فالمسافة بين الشاكة والفاشر أكثر من 400 كيلومتر؛ كما أن صعوبات الإمداد كانت تحول دون أي حملة سريعة. ولقد عكست الغزوة إجادة الزبير لهذا النوع من الحروب، وكذلك كشفت عن عدم كفاية التنظيم العسكري لسلطنة دارفور.
كانت القوى المتحاربة تفتقر إلى الندية. فمن ناحية كان الزبير قد تمكن خلال ما يقارب العشرين سنة (1856-1873م) من المعارك الصعبة، من تاسيس جيش غير نظامي لا يجارى قوامه قوات الرقيق ، المعروفين ب (البازنقر) ومؤخراً باسم الجهدية، والذين تم تجنيد معظمهم من قبائل بحر الغزال وما وراءها، وبشكل خاص من قبيلة الزاندي. وكان للعديد من الضباط، مثل النور محمد عنقرة، من الذين خدموا ضمن القوات المصرية، تجارب قتالية. وكان من بين ضباط جيش الزبير عدد من الذين أصبحوا لاحقاً من جنرالات المهدية المشهورين، منهم حمدان أبو عنجة- النور عنقرة- الزاكي طمل- عبد الرحمن النجومي؛ وضابط آخر كان له سجل زاخر في الحروب أكثر من قائده نفسه، ألا وهو رابح فضل الله.
من الناحية الأخرى لم يكن لسلطنة دارفور ما يمكنها من التجاوب مع هذا المستوى من التجربة والممارسة؛ فلقد توقفت السلطنة منذ زمن من السعي لأن تكون قوة توسعية. وجاءت محاولات أحمد شطة والآخرين لتأسيس وحدات عسكرية جديدة مماثلة لقوت (البازنقر) متأخرة جداً. رغم ذلك فقد كانت السلطنة هي من تحرك أولاً، حيث تقدم أحمد شطة بصحبة (صاحب النحاس) سعد النور إبراهيم رماد في دار الرزيقات، وتمكن في ديسمبر 1873م من هزيمة فصيل من قوات الزبير تحت قيادة النور عنقرة. غير أن أحمد شطة- رغم هذا النجاح- رأى أن يكتب خطاباً هادئاً للزبير فيما يبدو أنه محاولة لبدأ مفاوضات معه. لكن أخيراً بتوجيه من السلطان، وضغط من رجاله، هاجم (المقدوم) أحمد شطة الزبير في منطقة ما بين الشاكة ودارة في يناير أو فبراير 1874م؛ غير أنه قتل في المعركة التالية هو وسعد النور، و(المقدوم) عبد الله رنجة، و (الأمين) عبد الباري.
*************
عرض لكتاب"تاريخ سلطنة دارفور"
لمؤلفه بروفسور ر. س. أوفاهي (6)
عبد المنعم خليفة خوجلي
-------------
نهاية استقلال سلطنة دارفور (2)
- المقاومة الدارفورية
- طلب السلطان إبراهيم قرض السند من الدولة العثمانية
- رسائل الزبير باشا لل (علماء) في دارفور
- معركة منواشي ومقتل السلطان
-------------
مقدمة
في هذا الجزء الثاني من هذه الحلقة أواصل تقديم ما ورد في كتاب بروفيسور أوفاهي تحت عنوان (نهاية الاستقلال) ، والذي ألقى فيه الكاتب الضوء على بعض الجوانب الهامة والتفاصيل المرتبطة بغزو دارفور (1873 – 1874م)؛ معلقاً بأن غزو دارفور في عام 1874م من قبل الزبير باشا لم يكن فقط بداية النهاية لوجود سلطنة دارفور كدولة مستقلة ذات تاريخ متصل منذ القرن السادس عشر، بل كان أيضاً نقطة تحول في تاريخ السودان الحديث.
احتل الزبير (دارة) في 23 ذي الحجة 1290 ه، الموافق 11 قبراير 1874م. كانت مع أحمد شطة قوات قليلة نسبياً، هم من فرق (الأرقاء) التي كانت لدي السلطنة، والتي كانت مسلحة ببنادق الرمنقتون؛ بينما بدأ الزبير في جلب تعزيزات معتبرة من (زرائبه) في بحر الغزال حتى بلغ عدد جنوده 7.000 من الرجال المزودين بالسلاح الناري، كما بدأت السلطات التركية المصرية في التحرك.
كانت كل من الخرطوم والقاهرة متابعة لتقدم الزبير بقدر من الانزعاج، وشرعا في اتخاذ إجراءات بهدف إيقاف تقدمه، أو على الأقل سلبه من مكاسبه. في فبراير 1874م أعلن الخديوي إسماعيل الحرب على سلطنة دارفور، وكان الغطاء المبرر لذلك هو "عدوان السلطان، وتصميم الخديوي على إنهاء تجارة الرقيق" ؛ وهي أسباب لا بد أنها بدت للسلطان غريبة. صدرت الأوامر للحاكم العام إسماعيل أيوب باشا بأن يركز قواته في غرب كردفان استعداداً لغزو دارفور.
رغم انتصار الزبير واحتلاله ل (دارة)، إلا أنه كان يجابه ضغطاً من قوات السلطنة. فقد تمكن (الشرتاي) أحمد نمر تيراب حاكم البرقد من تجميع بقايا جيش أحمد شطة، ومناوشة قوات الزبير في (دارة) مما يتيح بعض الوقت للسلطان بما يمكنه من تجميع جيش آخر.
الحرب الدبلوماسية والدعائية
كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فقد أرسل الزبير عدداً من الرسائل للسلطان إبراهيم قرض بينما كانت المعارك تدور. وخدمت هذه الرسائل أغراضاً عدة، منها المساس بشرعية سلطة السلطان، وخلخلة دولته بكسب الزبير لشخصيات رئيسية في مؤسسته. وموضوع آخر هام وحساس وهو إيجاد المسوق الشرعي لما أقدم عليه من مهاجمة دولة مسلمة. تم نشر رسائل الزبير للسلطان تحت عنوان " الأجوبة السديدة في إنذار وتهديد أهل المكيدة". في إحدى رسائل الزبير الموجهة لل (علماء) قدم نفسه على أنه المتجرد، حامل رسالة الإسلام للوثنيين في الجنوب.. وتحدث فيها عن محاربته للطغاة والكفرة والمشركين وتحويلهم من عبادة الأوثان، وإدخاله للكثيرين منهم في ملة الإسلام. وظل الزبير يركز في رسائله لل (علماء) على الادعاء بان السلطان قد خالف الدين بحربه لهم دون أن يكونوا قد حاربوه أو خالفوا الشريعة.
بتاريخ الثالث من رجب 1291ه ، الموافق 16 أغسطس 1874م، الموافق 16 أغسطس 1874 ، أرسل الزبير خطاباً أخيراً للسلطان لائمه فيه على إيوائه للرزيقات الذين كانوا يهددون الطرق ما بين دارفور والسودان المصري التي قام هو بفتحها لجميع المسلمين . وأعلن في ذلك الخطاب عزمه على ضم السلطنة باسم الخديوي. جاء في الخطاب "إذا ما كنت عبد الله ومؤمناً بأن الأرض لله يعطي ملكها من يشاء من عباده.." طالب الزبير السلطان أن يتنازل عن الملك ويستسلم لسيده (الخديوي)؛ مؤكداً له أنه يؤمن له ممتلكاته وثرواته ومكانته الرفيعة؛ أما إذا أبى، فسوف يكون مسئولاً أمام الله عن دماء المسلمين. هكذا كانت حجج الزبير مزيجاً من الدين والسياسة. غير أنه للحقيقة والأمانة لم يتطرق لمسألة حق المسلم في محاربة مسلم آخر.
تجاهل السلطان إبراهيم قرض رسائل الزبير؛ وتجاوب معها بتوجيهه رسالة لقبيلة أولاد جابر (بالقرب من مليط)، المعروفين بالصلاح، بأن يعقدوا ألف (ختمة) كاملة للقرآن على نية النصر على الأعداء. والتجاوب الثاني كان دبلوماسيا، حيث بعث برسالة للوزير العثماني الأعلى مذكرا إياه ب (فرمان) سابق أصدره السلطان عبد الماجد (1839-1861م)، وآخر أصدره السلطان عبد العزيز (1861-1876م) يضمنان لسلطان دارفور حدود سلطنته واستقلالها. إن هذين ال (فرمانين) اللذين أشار إليهما السلطان يثيران أمراً محيراً لن يكون له تفسير إلا في وثائق اسطنبول. وذلك حيث أن السلطان عبد الماجد كان قد أصدر (فرمانين) لمحمد علي باشا، كان أحدهما حول السودان ونص بالتحديد على تبعية دارفور لمصر. وتم التأكيد على هذين (الفرمانين) وتمديدهما من قبل السلطان عبد العزيز في (فرمان) بتاريخ 8 يونيو 1867م. فإذا ما كان هذان هما (الفرمانين) اللذين أشار إليهما السلطان إبراهيم قرض- ويبدو أن لديه نسخاً منهما- فمن الصعب أن نفهم كيف فسرهما السلطان إبراهيم قرض على أنهما يضمنان له استقلال سلطنته.
كان لدارفور صلات دبلوماسية مع الدولة العثمانية. غير أن السلطان إبراهيم لم يعتمد كلياً على الضمانات العثمانية المزعومة. فقد سعى لإرضاء الخديوي، إذ بعث له بتاريخ 4 رجب 1291ه الموافق 17 أغسطس 1874م برسالة يعبر فيها عن الخضوع والطاعة، حملها إلى القاهرة التاجر الحاج حمزة، غير أنها لم تكن مجدية.
إن ادعاء السلطان إبراهيم قرض بكون دارفور دولة إسلامية مستقلة ذات سيادة- وهو ادعاء أكد عليه السلطان محمد الفضل لمحمد علي باشا قبل خمسين سنة سبقت- فلم يكن له أي اعتبار في نظر الزبير ولا في نظر الخرطوم والقاهرة.
الحملة مستمرة
في هذا الأثناء ظلت الحملة مستمرة .. فقد أبحرت قوة صغيرة من (دارة) تحت قيادة رابح فضل الله وقتلت (شرتاي) البرقد. وفي حوالي يوليو/أغسطس أرسل السلطان إبراهيم قرض جيشاً آخر جنوباً تحت قيادة عمه الأمير حسب الله بن محمد الفضل. حاول جيش حسب الله محاصرة الزبير في (دارة). غير أن تكتيكات الزبير الدفاعية، المؤسسة على ميزة قوة السلاح الناري، أجبرت الأمير حسب الله على التقهقر شمالاً.
زحف السلطان إبراهيم قرض أخيراً نحو (دارة) ووصلها في 5 رمضان 1291ه الموافق 16 أكتوبر 1874م؛ وكانت المعركة الحاسمة التي انتصرت فيها قوات الزبير بفضل السلاح الناري الذي لم يكن الدارفوريون يعرفونه. بدأ السلطان وبقايا جيشه في الانسحاب نحو جبل مرة، موطن أجداد الأسرة الحاكمة. وبعد تسعة أيام وصل إلى منواشي حيث التحم معه الزبير في 14 رمضان 1291ه الموافق 25 أكتوبر 1874م، في آخر مواجهة بينهما. وكان مع السلطان حراسه الشخصيون فقط. هزم السلطان إبراهيم قرض وتم الاستيلاء على النقارة المقدسة (المنصورة). بأوامر من الزبير تم دفن جثمان السلطان بكامل طقوس التكريم والشرف في مسجد شيخ طاهر أبو جاموس في منواشي. وقوبل سقوط السلطنة باحتفالات في كل من الخرطوم وبربر.
*************


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.