كان افتتاحُ مستشفى الأطفال المرجعي تظاهرةً احتفاليةً، أكدت بما لا يدع مجالاً للشك نجاح سياسات تطوير الخدمات الصّحية والطبية في الأطراف، أو ما عُرف بنقل الخدمات الطبية والصحية من المركز إلى الأطراف، وجعل مستشفيات المركز، بمثابة مستشفيات مرجعيّة، فكان مستشفى الأطفال المرجعي (جعفر بن عوف) إحدى الثمرات اليانعات لهذه السياسات، ضمن الخارطة الصّحية التي تشمل تشييد 94 مركزاً صحياً، تم بحمد الله وتوفيقه، وجُهد العاملين في وزارة الصّحة بولاية الخرطوم، ورُبانها الماهر الأخ البروفسور مأمون محمد علي حميدة، وبالتأييد والعضد من قبل الأخ الدكتور عبد الرحمن أحمد الخضر، والي ولاية الخرطوم. ولم يكن غريباً أن تهتم وزارةُ الصحة في ولاية الخرطوم بهذا المستشفى، وتُحدِثُ فيه تطويراً نوعياً من حيث الكوادر المؤهلة في التّخصصات الطبية كافة، والأجهزة والمعدات الطبية المتقدمة، والمباني التي تمت صيانُتها صيانةً كاملةً، لأنّ هذا المستشفى يُعنى عنايةً خاصةً بالأطفال، والأطفالُ كما هو معلوم تصل نسبتهم في ولاية الخرطوم من حيث التِّعداد السكاني بين 40 إلى 50%، بينما يتلقى 50% من أطفال الولايات الخدمات الطبية المرجعية بمستشفيات ولاية الخرطوم، باعتبار أنّ هذا قدرُ ولاية الخرطوم، كما يُردد الأخ البروفسور مأمون حميدة، في كثير من أحاديثه. ومن نافلة القول، إن الأطفال يمثلون أكثر من 40% من المرضى بولاية الخرطوم. وأن مستشفى الأطفال المرجعي سيُعنى بالحالات التي تحتاج إلى عنايةٍ فائقةٍ وتخصصاتٍ دقيقةٍ، إذ أنّه بعد اليوم لن يستقبل أيّ حالة من الحالات الأولية كالإسهال والتقيؤ (الطُراش)، بل أنّه سيُعالج حالاتٍ معقدةٍ تحتاج إلى تخصصاتٍ متقدمةٍ. وأحسبُ أنّ الخارطة الصّحية في ولاية الخرطوم، بدت تتشكل معالمها من حيث أنّ ما تبقى من المراكز الصحية والمستشفيات 27 فقط من جملة 94 مركزاً صحياً خطط لها في تلكم الخارطة ورصدت الولاية، حسبما ذكر الأخ الدكتور عبد الرّحمن الخضر والي ولاية الخرطوم لدى افتتاحه مستشفى الأطفال المرجعي أول من أمس (السبت)، مبلغ 265 مليون جنيه لاستكمال هذه الخارطة الصّحية، بُغية تحسين الوضع الصحي بالمستشفيات الحكومية من خلال توفير الأجهزة والمعدات الطّبية الحديثة، والكوادر المتخصصة ذات التدريب العالي، لتُصبح بذلك أحسن وضعاً من المستشفيات الخاصّة. وهذا تحدٍّ أعلنت عنه ولاية الخرطوم عبر الخارطة الصّحية لهذه الولاية. وفي رأيي الخاص، أنّه من الضّروري أن نُبسط القول في مقاربة لا نريد بها إطلاق الأحكام جزافاً، بل نريد من خلالها توضيح الحقائق وتوثيق المعلومات. لم يكن هذا المستشفى من قبل بهذا المستوى الاستيعابي الكبير، والتّخصص الرفيع، ولكن مع كلِّ ذلك، كان سنام ملتقيات الوقفات الاحتجاجية التي ينظمها البعض من وراء حجاب، مدعياً في الظاهر والعلن أن هذا الاحتجاج ضد تجفيف المستشفى وتدهور خدماته، ونقل حوادثه، والتضييق على المرضى من الأطفال، وفي حقيقة الأمر أنّها كانت وقفات احتجاجية لبعض قُوى المعارضة التي عجزت عن التّصدي لقضايا الشأن السياسي العام جهرةً وكفاحاً، فلجأت تتدثر بدثار الأطفال الأبرياء، وقد تحدثتُ مع عدد من أمهات هؤلاء الأطفال الملازمين لهم في العنابر، ومع الأطفالِ المرضى أنفسهم، فأكدوا لي أنّ الخدمات الطبية التي قُدمت لهم في هذا المستشفى تُعتبر من أرقى الخدمات الطبية إطلاقاً، حيث لم يألفوها من قبل، ولكنهم في غايةٍ السعادة أن تتصدى وزارة الصحة بولاية الخرطوم، متحديّةً كل الصّعاب للوصول إلى هذا المستشفى الرّاقي. وكانت الوزارة في ذلك، تتحمل كلَّ الانتقادات الظالمة والهجمات الجائرة، من أجلِّ الأطفال الأبرياء الذين هم فئةٌ لا تستطيع عرض شكواها واحتياجاتها، ولكن هذه الثورة الصِّحية، راعت ذلك بتأهيلها هذه المؤسسة العلاجية، ودعمها بالأجهزة والمعدات، وفقاً لمنظور الخارطة الصّحية لولاية الخرطوم. أخلصُ إلى أنّ التظاهرة الاحتفالية التي جرت خلال الاحتفال بافتتاح مستشفى الأطفال المرجعي، كانت تُؤكد أن ّالولاية ممثلةً في وزارة صحتها، تعمل وفق رؤيةٍ ثاقبةٍ، وحماسةٍ دافقةٍ، لا تُؤثر فيها الوقفات الاحتجاجية، التي سُرعان ما ذابت كالزَّبدِ الذي يذهب جُفاءً، ويبقى في الأرض ما ينفع الأطفال. وجميل من الأخ الدكتور عبد الرّحمن الخضر والي ولاية الخرطوم، أن يذكر مشيداً بجهود البروفسور جعفر بن عوف في بدايات هذا المستشفى، وبإمكانيات ذاكم الزمان، بينما الذي رأيناه اليوم حدثت فيه نقلات نوعية، جعلته يقارب التّطور المشهود لمستشفيات الأطفال في كثيرٍ من الدُّول الإقليمية المجاورة. وكان رائعاً – أيضاً - أن يُشيد الأخ البروفسور مأمون حميدة بجهود ومبادرات البروفسور جعفر بن عوف التي تمخضت في تأسيس هذا المستشفى، بصورته القديمة، ولكنه الآن صار من مستشفيات الأطفال الرّاقية، وأصبح مستشفى مرجعياً، وهو ردٌّ عملي على الذين شككوا في نيات وزارة الصحة، وادعو زوراً وبهتاناً أنّها – أي الوزراة - تُريد أن تجفف هذا المستشفى، ومن ثمّ تبيع أرضه استثماراً، ولكن خاب فألهم، وساء ظنهم – وإن بعضَ الظنِّ إثمٌ - إذ أنّ الوزارة أرادت أن تطور هذا المستشفى، وتجعله مستشفى مرجعياً يهدفُ إلى خدمة أطفال ولاية الخرطوم، إضافةً إلى خدمة أطفال ولايات السودان كافة، استجابةً لقدر الله على هذا المستشفى، وهي أن يقدم هذا الجُهد لأطفال ولايات السودان الأخرى، ولا يمتن عليهم، وعلى أسرهم، بل يُذكر ذلك، من باب الإيفاء بالواجب، والإذعان لقدر الولاية المقدور. وأكبر الظنِّ عندي، أنّ المقاربة ما بين الوقفات الاحتجاجية قبل إكمال مشروع صيانة وتجديد وتخصيص هذا المستشفى، وجعله مستشفى مرجعياً، والتظاهرة الاحتفالية التي شهدناها أول من أمس (السبت)، تؤكد حقيقة أنّ ما ينفع الناس يمكث في الأرض، وهذا ديدن الأخ البروفسور مأمون حميدة في التّصدي للعمل العام، فهو لا يألو جُهداً في تقديم رُؤيته ورؤاه في إنفاذ الخارطة الصّحية بولاية الخرطوم، مهما تكالب عليه الناقدون، وتهامس عنه الحاسدون، فشعاره العمل برؤيةٍ، وفي كثير الأحايين يتذكر قول الشاعر العربي عمر بن أبي ربيعة: حسداً حملنها من حسنها وقديماً كان في الناس الحسد ولنستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: " أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ". ويقدم ابنُ المعتز الدليل المشهودَ على شدة ما يعانيه الحسود، فيقول: اصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتله فالنارُ تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله