مما لا ريب فيه، أنّ ترحال وأسفار السيد محمد عثمان الميرغني وأبناءه إلى خارج السودان، ومكوثهم لفترات طوال خلال الوضع السياسي الراهن المأزوم، يُثير كثيرَ تساؤلاتٍ واستفساراتٍ، تجد قيادات الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) كثيرَ صعوبةٍ في الإجابة الشافية عن هذه التساؤلات، وتلك الاستفسارات. وأحسبُ أنّ الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) معنيٌّ كغيرهِ من الأحزاب والقوى السياسية السودانية، حكومةً ومعارضةً، بأمر معالجة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تُشكِّل عناصر الأزمة الرَّاهنة، والتي تتطلب تضافر جهودِ أبناء الوطن، على مختلف أحزابهم، وتباين رؤاهم، واختلاف أفكارهم السياسية، للخروج من هذا النَّفق المُظلم الذي يبحث السودان – جاهداً - مخارج مُضيئةً يستشكل على حزبٍ واحدٍ، أو جماعةٍ واحدةٍ، مهما أُوتيت من قوةٍ وجماهيريةٍ في اقتياد بني السودان، وإخراجهم من هذا النّفق المُظلم، وتخليصهم من أوجاع الأوضاع الرّاهنة المأزومة. وفي رأيي الخاص، أنّ سفر السيد محمد عثمان الميرغني، رئيس حزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) إلى بريطانيا في سبتمبر الماضي، ومكوثه طوال هذه الفترة بحُجَّة المرض - نسأل الله تعالى له عاجل الشفاء، ودوام الصحة والعافية - أحدث خللاً واضحاً، واضطراباً بيناً، في دوائر هذا الحزب العتيق الذي كان من المأمول أن يكون من معاول البناء لتخليص البلاد من ضائقاتها الاقتصادية، ومُضاغطاتها السياسية. وأحسبُ أن السيد محمد عثمان الميرغني، أعلمُ الناسَ، وأكثرهم درايةً، بحاجةِ الحزب المُلِّحة إلى كثير نصائحه، وعظيم قيادته لأمور الحزب، ومن ثمَّ المشاركة الفاعلة في معالجة قضايا البلاد والعباد، من منظورٍ توافقيٍّ جماعيٍّ داخل الحزب للخروج بهذا التوافق إلى الأحزاب والقوى السياسية السودانية، حكومةً ومعارضةً. ولكن الغريب أن السيد محمد عثمان الميرغني استمرأ إسداء النصح من على البُعد، بينما حاجة الحزب الماسة، وقبله احتياجات السودان المُلحة إلى جهوده ونُصحه لجماعة حزبه، والقوى الحزبية الأخرى، كانت من ضرورات وجوده داخل السودان. وأكبرُ الظنِّ عندي، أن من مستغربات الترحال وأسفار آل الميرغني في مثل هذه الظروف الضاغطة، أن يُسافر بالأمس القريب السيدان جعفر الصادق الميرغني مساعد رئيس الجمهورية، وأخوه السيد الحسن محمد عثمان الميرغني إلى خارج السودان، بينما لا يزال والدهما في بريطانيا، يبعث الرسائل زُمراً وفُرادى، ناصحاً وموجهاً وآمراً، دون أن يعيش أجواء وظروف الأوضاع السياسية المأزومة في السودان، ليكون أكثر قرباً من الحدث، وتكون قراراته أوقع تأثيراً في خارطة الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل)، ومن ثمَّ في خارطة السودان كثيرة التضاريس، ومتعددة المنعرجات. أخلصُ إلى أنّ من يستقرئ تاريخ الحزب الاتحادي الديمقراطي إبان رعاية السيد علي الميرغني، تستوقفه ثمَّة ملاحيظ، من أهمها أنه كان قليل الأسفار، نادر الترحال، يعيش الأحداث ومُجرياتها، ويُحدث حِراكاً، وهو ساكنُ، ضابطٌ لانفعالاته، حليمٌ في غضبه ومُغاضباته، يُحير المراقب للشأن السياسي السوداني. فكانت نصائحه تصل مباشرة إلى مستنصحيه دون عناءٍ أو مشقة تلقٍّ. من هنا، نبسطُ القول في هذه العُجالة، داعين السيد محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل)، وأبنائه إلى الالتفات لبعض هذه الملاحيظ، لا سيما في الظروف الراهنة المأزومة، حتى لا يُحسب ذلك خصماً من مواقفهم التي نربأُ بهم أن تكون مواقف لا تنداح فيها هموم موطنهم، وعذابات مواطنيهم، بل نريدهم أن يكونوا على قربٍ من الحراك السياسي الذي يشهده السودان هذه الأيام، خاصة بعد دعوة الأخ الرئيس عمر البشير إلى الحوار الوطني، عبر خطابه الرئاسي يوم الاثنين 27 يناير 2014، في إطار مرتكزاته الأربعة، كتقدمة يريد لها أن تكون جزءاً من أجندات الحوار الوطني، بعد توافقٍ وإجماعٍ وطني، خاصة أنها تطرقت إلى أربع قضايا، هي السلام والحريات والاقتصاد والهوية، ومن ثم ترك مساحة كبيرة لبقية الأحزاب والقوى السياسية، حكومةً ومعارضةً، أن تضيف ما تراه من أجندات وطنية تدفع بالحوار الوطني إلى مبتغاه النهائي، وهو إحداث السلام والاستقرار والتنمية المستدامة. والمأمولُ أن ينظر آل الميرغني إلى هذه العُجالة، باعتبارها مناشدةً مخلصةً لهم، بُغية حثهم على المشاركة الفاعلة في الحراك السياسي السوداني الراهن، لأن غيابهم وهم يمثلون حزب الوسط لكافة أهل السودان، لن يكون خصماً عليهم فحسب، بل هو خصمٌ على السودان كله. ولنستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ". وقول حكيم شعراء العرب زهير بن أبي سُلمى: وقد قلتما: أن ندرك السلم واسعاً بمالٍ ومعروفٍ من الأمر نسلم عظيمين في عليا معد – هديتما – ومن يستبح كنزاً من المجد يعظم