انجاز حققته السباحة السودانية فى البطولة الافريقية للكبار فى انغولا – صور    والي الخرطوم يصدر أمر طواريء رقم (2) بتكوين الخلية الامنية    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    شاهد بالفيديو.. في مشهد خطف القلوب.. سيارة المواصلات الشهيرة في أم درمان (مريم الشجاعة) تباشر عملها وسط زفة كبيرة واحتفالات من المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    لم يعد سراً أن مليشيا التمرد السريع قد استشعرت الهزيمة النكراء علي المدي الطويل    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    عائشة الماجدي: (الحساب ولد)    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    تحديد زمان ومكان مباراتي صقور الجديان في تصفيات كاس العالم    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفاوضات قطر- بذور الفشل ... بقلم: عبد الجبار محمود دوسه
نشر في سودانيل يوم 11 - 02 - 2009


بسم الله الرحمن الرحيم
[email protected]
بدأت (الدوحة) استضافتها للمساهمة في معالجة الأزمة السودانية في دارفور بداية خاطئه رغم أن معطيات النجاح كانت واضحة وقد أشرنا إليها في مقالات سابقة حيث كان ينبغي للوساطة المشتركة والرعاية القطرية أن تتكيء عليها وتتفيأ الإسترخاء تحت ظلالها للإستهداء بها لتأمين النجاح أو في أضعف الإيمان لتقليل فرص الفشل في معالجة أزمة من التعقيد بحيث أطاحت بعشرات المبادرات، منها ما تحمل سمات محلية وأخرى قومية وغيرها اقليمية ودولية بصرفية أصالة المبدأ والمنشأ أو بتهجين بينهما في زمن قياسي لم يتجاوز ستة سنوات. وإذا قَدّرَت قطر الإستمراء ببدايتها الخاطئه والإستناد إلى نشوة عبق رصيدها في الأزمة اللبنانية للإستمرار ببدايتها الخاطئه، لا يعتري أحد الشكّ في أن النهاية ستكون خاطئه ومؤلمة وهذا ما لا يتمناه أي عاقل لأي محوله للسلام. أن تُطوىَ المحاولة في حال تسجيلها رقماً إضافياً لمبادرات الفشل لا يشكّل في حد ذاته احباطاً لإنسان دارفور ومن ورائه السودان كوطن فحسب، بل سينتزع من دواخلة مُضغَة الأمل التي باتت تتأرجح غدواً ورواحاً في ساحة معنوية يكاد افتقارها من أبسطة الثقة يخيّم عليها تجسيداً متواثباً من حمم أشد حرارة مما يقذفه جوف البركان، وأمضىَ سناناً مما يكون في فكي القرش من أسنان. وحيث أن الأزمة حينئذ تدخل نفقاً لا يأمل أكثر المتفائلين في أنه ينتهي عند إضاءآت أو شعاع، حيث تتهادىَ أجفان أهل دارفور وتغمض إلى نوم عميق مرغمة بدغدغة النفق المظلم، تحصد قطر عكسياً قشور التعرية لوسام النجاح الذي سجّلته من قبل وهي التي ظلّت تسعىَ وتسخّر إمكاناتها وفي مقدّمتها المالية منها في أن تتبوأ مكانة اقليمية يهييء لها مساحة للعب بعض الأدوار في الساحتين الإقليمية والدولية كحق مشاع للتنافس وفق عوامل ثابته ومتغيّره. بيد أننا نفسّر دخول قطر في محاولة لعب دور ايجابي في الازمة السودانية في دارفور برغبة تغيير الصورة المطبوعة في مخيلة الإنسان في دارفور عطفاً على مواقف سابقة خلال سنوات الأزمة كما هو شائع في الساحة الدارفورية، حيث ظللنا في حركة/ جيش تحرير السودان ننطلق من تجارب حية معها تعاملنا فيها بالفهم السياسي والدبلوماسي الأعمق واستنطقنا بواعث التذكير لديها بمساعدتها على ترميم انفعالاتها المتأثرة بنواقض القدرة على الفهم العميق للأزمة والوقوف على مسافة واحدة من أطراف النزاع، ورغم أن تلك المحاولات قد خاطبت عقلها وعاطفتها فما ألقت ردودها بما ينبغي أن تلُقي من نخوة العاطفة ورشد العقل ومضت غير عابئة بشظف الحصيد المبفوف من صدر تنين الفشل الذي تكاد بوائقه تلوح كما تلوح مفالق الفجر قبل الشروق لإندفاعتها الحالية.رصيد أزمة دارفور من تجربة أبوجا رصيد غني شكلاً ومضموناً، وإذا كانت الإتفاقية التي وقّعها فصيل واحد من بين ثلاثه فصائل كانت حاضرة في مفاوضات أبوجا قد انقضىَ عليها ما يقارب الثلاثه سنوات وبما تضمنتها من نسبة سقوفات مطالب أهل دارفور قد تعرّضت لأهواء الرافضين لها قذفاً بنواح الحق وفحيح الباطل، وصارعت نوائب الرشق من القوىَ السياسية التقليدية والحديثة المتوجّسة، وصادمت جموح وتنصّل الطرف المشارك للإتفاقية (الحكومة التي يقودها المؤتمر الوطني) من التزامات التطبيق وتعهدات الموثق، وتأذّت بإشاحة شركاء الإتفاقية بوجهها من التزام دعمها منذ بواكير انطلاقتها في مضمار التنفيذ، وتقهقر تأثير الفصيل الموقّع عليها لضعف الإمكانات المادية واستقدام كوادرها المقتدرة من الخارج وتأطير اندفاعة قواعدها في الداخل، ويتوج هرم التحديات التي تعرضت لها تلك الإتفاقية، ضربات الإجترار المتواصل، الذاتي منه والمستثار لذاكرة أهل دارفور للسقوفات الكاملة لمطالبهم والتي رفعتها الحركات في أبوجا وهو الأمر الذي تواثقت عليه كل الاطراف سابقة الذكر، يأتي ليتوج حصيلة الأزمة بتجربة خالصة ودسمه ينبغي الأخذ بها واستنزاف فرص التقييم والتقويم لها ليس فقط بين أطراف الإتفاقية فحسب ولكن بين كل المتأثرين بالأزمة والمؤثرين فيها من حركات دارفور موقعين وغير موقعين والحكومة ومجتمع نازحيها ولاجئيها وشركائها وغيرهم، وهو الأمر الذي كان مقدّراً له أن يتم داخل الحوار الدارفوري الدارفوري كجزء من مراحل انفاذها. ففي ظل تواطؤ النوايا الحاكمة للدولة والمبيّتة لوأد آمال السلام الصادقة التي يبثها الآخرون كما فعلت حركة/ جيش تحرير السودان الموقعة على أبوجا بصدق السريرة فتعاملت معها بما اضمرت راكلة مستوجبات دفع استحقاقات السلام وحابسة مكتسبات اهل دارفور الواردة فيها في سجن تحرسه عقول بشريه بنوازع اشباح حتى لا تترك مدخلاً لنزعة بشرية يمكن أن تجد طريقها إلى نخوة حارس تغشاه نوافح إنسانيه. نستطيع أن نقول أن عشم السلام الذي كان، إنتهىَ إلى حمامة ذبحتها الحكومة واستطعمت بها نفسها لتستقوي على تأمين ثلاثه سنوات قطعت بها ثلثي الفترة الإنتقالية المؤطرة باستفتاء الجنوب لتلوح في الأفق الآن علامات مسار كبش الفداء الذي تستقبله توطئة للإستطعام به أملاً في الإستمناع من أجل استنساخ التجربة السابقة التي تمت في ردهات أبوجا في معامل قطرية حتى تتمكن من تجاوز ما تبقىَ لها من سنتين للإستفتاء وليبقىَ أهل دارفور اسرىَ معاناتهم سنتين آخرين، وليبقىَ من حركات دارفور من يكون احتياطياً للطواريء. ثقافة العمل الإستراتيجي لم تجد طريقها إلى عقول قيادات حركات دارفور بما يجعلها تُوغر وتستقر ثباتاً. بل تغشاهم أحياناً وتغيب عنهم كثيراً. فبينما يؤثرون التباري على استصغار بعضهم وحركاتهم ساعتين، يستأسدون على من يحبس حقوق دارفور عنهم دقيقتين. ليس في هذا القول تقزيم لما تعظّمه العاطفة داخل قيادات الحركات حول دورها التخطيطي في ساحة العمل الإستراتيجي لإدارة الأزمات، وإنما هو توصيف لواقع ممارسات وقراءة بصوت جهري لنتائج. وإذا انتهينا مستسلمين لنوازع العاطفة ودغدغتها إنما ننّمي الثقافة التي تزيد الساعتين وتقلل الدقيقتين وتزوّد وتضيف إلى ارشيف التاريخ مزيداً من إرث المواقف الفاشلة، لذا حريّ بنا أن نعرض واقعنا بشفافية. لقد أكّدت المواقف التي ظلّت تحكم التعامل فيما بين الحركات مع بعضهم وبينهم وغيرهم من فعاليات دارفور منذ اندلاع الأزمة تلك الرافضة لاتفاقية أبوجا أو تلك الموقّعة لها ومنحازة لها، أكّدت عمق وعرض الفجوة في الفهم الإستراتيجي بينها عندما يتطلب حدث بعينه أو موقف بذاته رفع الراية الإستراتيجية وإخفاض غيرها. نقيض هذه الحقيقة تجسده قيادات المؤتمر الوطني الحاكم فيما بينها عندما تمتص الرشحات الذاتية وتسبق بها التداول لإدارة الحدث أو الأزمة بفهم استراتيجي بغية تحقيق أهداف تنظيمها، نقول هذا ليس لاتخاذهم قدوة ولكن بغرض المقارنة، فاختلافنا معهم بائن في فهم الأهداف ومدىَ توافق تلك الأهداف ونتائجها وتأثيرها على الوطن، لكنها قطعاً من منظورهم وشاح تفاخر ونجاح. لقد كانت اتفاقية أبوجا ابلغ دلاله لواقع يتنسّم في كل يوم عبيقاً صافياً من الإغتيال الإستراتيجي تهبّ به رياح شهوة الإستفراد ونزعة الإقصاء وتنازع الذات بين المباديء والتطبيق، ويتقيأه التناقض المعتمر في دواخل الجميع لتبلغ القضية مأزقاً أكثر وعورة وأكثف شوكاً في محطة قطر الآن.قلنا أن قطر بدأت خطأ عندما اخفقت في أُولىَ خُطوات الإستوثاق بخبايا الملف الذي ورثته، الملف الذي يتخفىَ الشيطان في رزنامته وتتكدس بين طيات صفحاته تراكمات من النصوص والتعابير والعِبر، ويرقد وينام فاتح العينين على اريكته مارد يحمل اسم تعدد الحركات والذي لم يكن عنصراً مهدداً لمفاوضات أبوجا ساعتئذ لأنه كان قزماً آنذاك. لقد اختارت قطر من بين مكونات صائدي الأسماك صنّارة إفرادية مستهدية برؤىَ هي في أغلبها تتمازج إيجاباً مع مزاجها المتوافق مع مزاج الحكومة طوال سنوات الأزمة، ثم ألقت صنّارتها في بحر الأزمة كما يًلقي السمّاك صنّارته في النهر. ولا تتأتىَ لصِنّارة مفردة أن تصطاد سوى سمكة واحدة، سمكة يكون الطعم الملقىَ لها مصمم بعناية ودقه بحيث يكون طارداً للأسماك الأخرىَ بينما يكون جاذباً للسمكة المستهدفة. المائدة التي يريدها أهل دارفور وآخرين مائدة يجب أن تقرر جملة الأصناف المكونة لها قدرتها على إشباع شهيته. هذا مثال قريب من تصوير واقع حال اللقاء الذي يجمع وفداً من الحكومة التي يهيمن عليها المؤتمر الوطني وحركة العدل والمساواة التي يقودها الدكتور/ خليل إبراهيم، اللقاء الذي تسميه قطر بأنه لمعالجة الأزمة السودانية في دارفور من خلال الوصول إلى اتفاق إطاري تحمل نتائجه بصمات الطرفين المشاركين وتحضر وتبارك سمايته الجامعة العربية والوساطة المشتركة بقيادة وسيط الإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة السيد/ جبريل باسولي. لقد كانت اتفاقية وقف إطلاق النار من أجل الشأن الإنساني في انجمينا في أبريل 2004 وبروتكول تشكيل آليات تلك الإتفاقية في أديس أبابا في مايو 2004 وبروتكولات تعزيز الوضع الأمني والشأن الإنساني في أبوجا في نوفمبر 2004 واتفاق إعلان المباديء في أبوجا في يوليو 2005 جميعها اتفاقيات جاءت نتاجاً لمفاوضات حضرتها الحركات المقاومة آنذاك (بلا استثناء)، تلك اتفاقيات قُصِد بها تهيئة المناخ ووقف العدائيات وبناء الثقة من أجل الدخول في المفاوضات الشاملة لملفات السلطة والثروة والترتيبات الأمنية النهائية التي توالت في جولات عديده في أبوجا. خلال تلك الجولات ظهرت انشقاقات ونشأت فصائل ابرزها حركة الإصلاح والتنمية المنشقّة من حركة العدل والمساواة التي رفضت الوساطة مشاركتها في أبوجا الثالثة واستمر رفضها وأخريات في الجولات التي تلت، وقبل بدء الجولة السادسة المخصصة لمناقشة معايير تقاسم السلطة والثروة طلبت حركة/ جيش تحرير السودان تأجيلها لتتمكن من عقد مؤتمرها في (حسكنيتة) لكن توافق رفض التأجيل بين الوساطة والحكومة وحركة العدل والمساواة بقيادة الدكتور/ خليل إبراهيم وحركة تحرير السودان التي يقودها الأستاذ/ عبد الواحد محمد نور وتجاوب بعض الشركاء من المجتمع الدولي انعقدت الجولة السادسة بدون حركة/ جيش تحرير السودان التي مضت إلى عقد مؤتمرها وافرزت مؤسساتها برئاسة الأستاذ/ مني أركو مناوي. بيد أن معايير تقاسم السلطة والثروة التي تم الإتفاق حولها في الجولة السادسة قد شكّلت عائقاً احتاج الكثير من الجهد لتجاوزه في الجولة السابعة للتفاوض التي انتهت بتوقيع حركة واحدة وامتناع حركتين وكان ذلك أُولىَ المؤشرات بأن السلام لن يتحقق. هذا السرد المقتضب في الفقرة السابقة إنما جاء عرضياً لتبيان أنه رغم كل تلك الجهود لم يتحقق السلام العادل والشامل والدائم كهدف ينشده الجميع، ومن ثم بالضرورة عدم تكرار التجربة. ذلك يعود إلى نهج الوساطة فيما مضت فيه من إقصاء حركات تارة وعدم الاستماع لملاحظات حركات أخرى تارة. ولعلنا اشرنا إلى أن من أكبر مسببات عدم تحقيق السلام برغم وجود اتفاقية أبوجا هو أنها لم تحظ بتوقيع كل الحركات وقد كان حَريٌ بالوساطة والشركاء وفي ظل التفاوض المشترك للحركات آنذاك أن تُصرّ على اتفاق يحمل توقيع الجميع، وربما كان ذلك ممكناً فيما إذا امتد التفاوض لاسبوعين آخرين بغض النظر عن صِحِّة الظروف التي تحيط بحركة ما وتفرض عليها أن تتخذ موقفاً مفاصلاً كما حدث من الاستاذ/ عبد الواحد محمد نور يوم فضّ التنسيق الثلاثي في الثلث الأول من الجولة السابعة، أو كما حدث من الاستاذ/ مني أركو مناوي يوم قرر التوقيع دون بقية الحركات في نهاية الجولة أو كما يفعل الدكتور/ خليل إبراهيم محمد بالإصرار على أعتبار حركتة هي الوحيدة المتواجده في الساحة وذهب منفرداً إلى الدوحة. تعقيدات ازمة دارفور تفرض إملاءاتها وتُلقي بأثقال متباينة على قُدرة الأطراف المتأثرة بها. لكل حركة نصيب من وهن الثقل بما يجعلها تنوء تحته وتقيّمه وفق حساباتها كحدٍ فارقٍ بين حتمية تجاوبها الآني وبين محاولات الصمود حيث تتعامل وفقاً لذلك في الواقع وتزنه بميزان ذاتي لتحديد حجم إخلاله بمباديء تمثّل خطاً أحمراً لها، بينما يرىَ المراقبون تلك الأثقال بأنها تتباين وتتقاطع سلباً في بعض خطوطها مع استحقاقات المعالجة المثالية للأزمة وتستبين تأكيداً بوجودها المادي. هذه الصورة هي انعكاس للمرآة الموجّهة للحركات وفي الجانب الآخر هي ظلال تطول بقدر حِدة الزاوية التي تصطدم بها أشعة الشمس على قامات اللاعبين
الآخرين في الأزمة. غير أن من تفرض وضعيته إحكام ضبط إيقاع المعالجة يجب أن يكون هو الوسيط والراعي والمستضيف والمسهّل والشريك والذين يحملون مجتمعين اسم الوساطة المشتركة للإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والجامعة العربية. معالم نجاح الوساطة في بدايتها هذه تعكس مدىَ عجزها من الإستفادة والتعلم من سلبيات الأزمات المماثلة ومن تجاربها السابقة وفي مقدمتها تجربة أبوجا الغنية بثرائها بالكثير من الدروس، فسقطت في أول اختبار حقيقي. لعلنا نذكر جملة من الأخطاء التي تشكّل عوامل الفشل وتحفر لحد القبر لما يجري في قطر وتهيل عليه التراب أذا آثرت الوساطة المشتركة في المضي بتعاميها على طريق مليء بالحفر والهاويات:-- الإصرار على اقتصار التشاور الأولي مع طرف وإقصاء لاعبين كُثر واساسيين في الأزمة.- الجهر بمبدأ الإقصاء والتهميش قولاً وممارسة، ونشرهما كثقافة.- المضي قدماً في تأطير نهج التفاوض من منظور أحادي وإنتاجه وإعداد إخراجه.- السعي لإعتماد ضعف حصيلته بتعقيدات الأزمة لدى الدول والمنظمات الإقليمية والدولية بقصد الحصول على دعمها للنهج الخاطيء الذي اعتمدته.- إضعاف الهدف من التفويض الذي جعل الوساطة مشتركة بين الإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والجامعة العربية والذي قصد به تقويتها عما كانت عليه في أبوجا.- إهمال الدعوة التي ظلّت تنادي بها حركة/ جيش تحرير السودان الموقعة على أبوجا بضرورة عقد ورشة عمل برعاية الإتحاد الأفريقي تجمع كل الأطراف والشركاء لتقييم أبوجا باعتبارها تجربه يستفاد من تقييمها للإستفادة من دروسها قبل بدء أي تفاوض، وهو نهج علمي وعملي تعتمده كل المؤسسات محلية كانت أم دوليه ترغب في إنجاح تجربة لاحقة لأخرىً أخفقت.- الإصرار على تناسي حركة/ جيش تحرير السودان الموقعة على أبوجا وإصرارها بأنها ذابت في الحكومة رغم أن الوساطة في اجتماعاتها التشاورية لم تشهد عضواً من أعضاء تلك الحركة لا في الوفود التي تقابلها داخل السودان أو تلك التي تلتقيها في ملتقيات خارج السودان ولم تسأل ولم تأخذ بنسبة انفاذ الإتفاقية 8% (مرجعية الفصل في المشاركة).- البدء الحقيقي لجولة مفاوضات ثنائية في الدوحة وتسميتها باسم مفاوضات شامله.- العمل على تسهيل انتاج اتفاق إطاري من محادثات لحوار ثنائي بين طرفين أغلب قياداتهم جمعهم في السابق تنظيم واحد وقواسم وروابط فكرية وايدلوجيه واحده ومفردات ومضامين نصّيه مشتركه، والعمل على فرض ذلك الإتفاق وجعله قاعدة للتفاوض على الأطراف الأخرى دون أن تكون لهم مشاركة فيه بما يقنن للتهميش والإقصاء اللذان كانا ابرز أسباب اندلاع الأزمه. علماً بأن اتفاقية أبوجا التي شارك الجميع في التفاوض حولها لم تُفرض على رافضيها بعد أن وقّّعت عليها حركة واحدة .- البدء بتجريد أطراف لها نفس الأصالة والأحقية وذلك بتسميتهم من الآن بأنهم(سيتم إلحاقهم) في الوقت الذي تملك كل هذه الأطراف أصالة ثورية ونضالاً متواصلاً لا يحق لأحد أن ينتقصها حقها فيه ما لم تنتهج ما يتنافىَ مع التزامها تجاه الأزمة. لعل الوساطة تريد اتفاقاً يوقعه طرف ثم تمهّد الطريق للحكومة لتكرار ما سُمي سابقاً بالمنحازين لسلام ابوجا بعد التوقيع (DOC) كاستقطاب بالقطاعي للسلام وقد أشرنا بأن تجربة القطاعي لم تحقق السلام.- إدراكها بأن كل هذه العوامل واقع معاش ودروس من تجارب وعبر لسلبيات ومع ذلك تواصل اصرارها على عدم الإستفادة من الدروس السابقة وتمضي في تنفيذ نهجها. حركة العدل والمساواة بقيادة الدكتور/ خليل إبراهيم من حقها ووفق تقييمها لمسار الأزمة أن تقرر ماذا تفعل سواء سعت إلى الوصول إلى اتفاق بناء ثقه ثنائي مع الحكومة أوالوصول معها على اتفاق نهائي يوقف حالة الإحتراب بينهم، وقد يتضمن ذلك الإتفاق القدر الذي سيتفقان حوله من حقوق أهل دارفور أياً كان حجمه، ويمكن أن يُسمىَ الإتفاق اتفاقاً شاملاً وبرعاية الوساطة وبتوقيع وضمانات الشركاء من المجتمع الدولي، لكن بنفس الحق الذي تمتّعت به سيكون للحركات التي لم تُدَعىَ للمشاركة في التفاوض حول الإتفاق الإطاري حقاً مماثلاً باتباع نفس النهج في منابر متعددة وفقاً لقدرتها في فرض ذلك. والقدرة هي حالة أكتساب نسبي تتنامىَ في ظلّ التحدي، وقد اشرت في مقالات سابقة لأمثله من أبوجا بل وفي فقرات داخل هذا المقال نعيش نتائجها الآن. ما يتم الآن في حقيقته يضع مشروع التحرير الذي ترفعة عدة فصائل تحمل هذا الإسم أمام تحدٍ يماثل استعدادها لنعي مشروعها ودفنه إن هي تهاوت وارتدت الثوب المفصّل لها تحت اسم (الإلحاق) و(التبعية) لأنه قوب يجرّدها من أصالة المبادرة الثورية والنضالية، وستبقىَ إلى حين إثبات عكس ذلك. ولا يتأتىَ للإثبات أن يشرئب عنقه لمخاطبة قواعد التحرير إلا بخطوات عمليه تعكس استعداد القادة على توافق حول صيغة تَوحّدْ مهددة بتسابق الأحداث والزمن. هذه ليست دعوة لوأد مبادرة الدوحة للسلام أو ضدها فنحن كنا أول من ضحّىَ بخطوة نحو السلام فسّرها كثيرون بأنها خطوة في الظلام، ولكننا نعمل لدرء الفشل عن الوساطة المشتركة والأطراف وتذكيرها مع الجميع بأنه إذا كانوا قد حكموا يوماً علىَ اتفاق أبوجا بأنه خطوة في الظلام، فلا ينبغي أن يقوموا اليوم بقفزة في الظلام. كما أن النازحين واللاجئين والمشردين في دارفور ومن تبقىَ في مدنها وقراها، في هجرها ورباها ومن قبلهم أرواح الشهداء، جميعهم ينوؤن رزحاً تحت ثِقل المعاناة وليس من الحكمة والرشد أن يُحكم عليهم بأن يتجرعوا باستمرار سموم التجارب الفاشلة. أما الحكومة فنهجها معروف وستظل تكرره باستمرار، يعتمد نهجها على الحلول الجزئية، والعمل على استقطاب دائم بين الحركات، استقطاب غايته تبرر وسيلته، تنفذ مفهوماً فحواه بأن المتخلفين مجرّد قطّاع طرق ونهابين يمكن حسمهم وتستنسخ التجربة. ليس مهماً للحكومة قناعتها بنظريتنا القائلة أن الثورة تنمو وتتغذىَ من توالي ضربات قاهرها عليها (الثورة وهي مضغة في جبل مره دليلاً لكونها اليوم قد اصبحت عنواناً لمارد عملاق في صباه. ستكون الحكومة عاثرة الحظ إن هي تمادت ورغبت في مقارعة المارد عندما يبلغ شبابه. لقد حذّرنا من أن الاجيال التي تنشأ الآن في المعسكرات هي غذاء ذلك المارد ونأمل أن يستقيم الرشد منهجاً لمن يملكون اليوم ما قد ينزعه مالك الملك بين ليلة وضحاها.لقد أشرت في الفقرات الواقعة في صدر المقال إلى حقيقة العمل الإستراتيجي ودور اللاعبين في الأزمة في ذلك، والإستراتيجية تقودنا إلى الحديث عما تم في مهاجرية. من واجب الثورة على الحركات الرافعة لشعارها وحاملة مشعلها أن تكون الإستراتيجية اولويتها لطالما ترفع شعاراً يعبّر عن هدف واحد وفق ما تقول جميع بيانات تأسيسها ودساتيرها. الهجوم والهجوم العسكري المتبادل بين الحركات برغم أنه واقع شهدته كثير من الثورات، وفطرة استعمرت ونسجت في أغلب الأحيان ملحاف حجم المطامع التنظيمية والفردية، لكنها تبقىَ شوكة في خاصرة العمل الإستراتيجي لمن يحملون أهدافاً يقولون أنها مشتركه. فإذا جاز لنا أن نتلمس أحداث مهاجرية وتداعياتها على الأزمة وعلى العمل الإستراتيجي كونها آخر معلم من معالم الإشتباك العسكري بين حركات دارفور، حيث انه ليس الأول، فقد سبقته أحداث مماثله تمت معالجتها بمواثيق وعهود، وقد لا يكون الأخير عطفاً على فطرية الممارسة، لكننا في حاجه إلى التوغّل في علاقات الخيوط المتشابكة للدلالات المرتبطة بتلك الأحداث وبما يحدث الآن في قطر. من البديهي لكل منتسب ومؤيد للحركات الرافضة لاتفاقية ابوجا أن يستنتج ويخلص إلى أن المواقع التي تسيطر عليها حركة/ جيش تحرير السودان الموقعة على اتفاقية أبوجا هي بالمفهوم الإستراتيجي مواقع سيطره خامده للحركات، وأن ما تسيطر عليها بنفسها هي مواقع استراتيجيه متوهجة. المراقبون المحايدون فقط يمكن أن يتأرجح تصنيفهم وفق المسافات التي يقفونها من الاطراف، فمنهم من يقتنع بمبررات تردّدها قيادات حركة العدل والمساواة بقيادة الدكتور/ خليل بأنهم إذ يهاجمون قوات الأستاذ/ مني مناوي فإنما يهاجمون (الحكومة) لأنه جزء منها وأنهم في حرب مع الحكومة، رغم أن قوات الحركة التي يقودها الاستاذ/ مناوي لم تدمج حتى الآن فرداً واحداً في قوات الحكومة، بل ظلّت تتعارك مع قوات الحكومة منذ توقيع الإتفاقية أكثر مما تعاركت بعض الحركات الرافضة. وللراغبين في الإحصاء أن يحصوا من معركة المهندسين في أم درمان قبل عامين وحتى معركة قريضه بعد دخول حركة العدل والمساواه إلى مهاجريه. والأخذ بمحاولة إقناع المراقب المحايد يقودنا إلى حقيقة أن التبرير يناقض ذاته حينما ينظر إلى ازدواجية التعامل والكيل فيه بمكيالين، بالنظر إلى العلاقة الحميمة التي تربط حركة الدكتور/ خليل والحركة الشعبية لتحرير السودان التي يقودها الفريق/ سلفاكير النائب الأول للحكومة منذ منتصف العام 2008 وحتى اللقاءآت التي تمت في الزيارة المتزامنة إلى أمريكا والرغبة التي ابدتها قيادة العدل والمساواة في السفر إلى جوبا والتصريحات والبيانات التي تصدر تباعاً من الطرفين والتي يُعلن فيها الطرفان للرأي العام تطورات وتنامي العلاقة بما سمّيت استراتيجيه، علماً بأن الجميع يُدرك بأن الحركة الشعبية قد تجاوزت مرحلة بعيدة في دمج قواتها مع القوات الحكومية وتصابغت بكل الألوان في الشراكة السياسية للحد الذي أعلنت معها الحركة الشعبية إبّان دخول قوات العدل والمساواة إلى أم درمان بأن قواتها جاهزة للتصدي لهجوم قوات العدل والمساواة. وبأستنطاق الذاكرة التي تضع أمامنا بعض أدبيات حركة العدل والمساواة والتي يتكرر فيها بأن كل التراب السوداني مسرحاً لعملياتها العسكرية ضد الحكومة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو بأن ذاكرة العمليات العسكرية لم تسجّل هجوماً منها على قوات الحركة الشعبية حتى عندما توغلت في مناطق البترول في كردفان وكانت على مرمىَ حجر منها. لنقل بأن تلك أمور عسكريه تخص حركة العدل والمساواة وهي التي تُحدد أهدافها وتقرر فيها، لكن ما يجانب واقع العلاقة المعلنة بلا شك منعت حتى صدور تصريحات يمكن أن تُعبّر عن رغبات شبيهه. هذه الإزدواجية في معايير التعامل لا تصيب المراقب المحايد فقط بالحيرة، بل تضع علامات استفهام أمام المنتسبين لحركة العدل والمساواة نفسها وكذا منتسبي الحركات الأخرى. فإذا اعتبرنا الحكومة عملة بوجهين فحركة العدل والمساواة في مهاجمتها لقوات حركة/ جيش تحرير السودان والإنسحاب من مهاجرية بقتال أو بغيره حيث تمكنت الحكومة من استعادة الموقع الذي استعصى عليها لمدة خمسه سنوات وهو تحت سيطرة حركة/ جيش تحرير السودان، تُرىَ كيف يستقيم تبرير العراك والمغزىَ سوىَ أن يُقال بأن وجه العملة الحكومية التي تحمل سمات غير واضحة من حركة/ مناوي لا تستحسنه ولكنها تستحسن الوجه الآخر من العملة الحكومية التي تُظهِر سمات الشراكة والإنسجمام بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بوضوح. لم اورد هذه المفارقة بغرض دعم وجهة نظر الإستنكار لمبدأ التعامل بين حركه مواصلة في حربها مع الحكومة من جانب وفي نفس الوقت تبني علاقات موازية مع ذات الحكومة من جانب آخر ممثلة في شريك لها، لكنني أرىَ بأن مقتضيات تحقيق الأهداف المنشودة لدولة يكون فيها الجميع خاضعاً لمبدأ الحقوق والواجبات المتكافئة تفرض على الحركات أن تستقوي بعلاقاتها مع الحركات التي اصطفّت باتفاقيات من منظور استراتيجي. ولا يجب يفسد الوقوف بعيداً عنها بملاحظات حول إتفاقياتها إنقاص حرف من كلمة الإستراتيجية ولا إلغاء مضمون لها تقوية تفيض منعة حتىَ يتقبل المؤتمر الوطني مبدأ الإسترواض والقبول بالآخر والتعايش معه. حينئذ يتعايش معه الآخرون لبناء وطن قائم على الأسس آنفة الذكر. وإن اي موقف خلاف ذلك هو في الواقع موقف لا يحالف المبدأ الإستراتيجي ولا يُعبّر إلا عن وطنيه ما انفكت تتناقص بمرور الأيام لتكاد تتلاشىَ. أن تُخطيء وتعترف فهو أول خطوات التعافي. وإذ نخطيء جميعاً كحقيقه، لا بد أن نعترف حتى نبدأ بالتعافي.في الجانب الآخر لقراءآت أحداث مهاجرية جملة أسئله يتداولها الرأي العام ربما نورد بعضها في إطار الرغبة في الحوار العام دون أن نجيب عليها حتى لا تُؤخذ إجاباتنا بحسبانها منتهىً للتحليل والإستنتاج. مهاجرية دخلتها العدل والمساواة وبقيت فيها ما يقارب من ثلاثة أسابيع، ثم انسحبت منها سواء برغبتها أو
أجبرتها القوات الحكومية على ذلك والإثنان سيان في نتيجة مغادرتها. ولما كانت مهاجريه تحت سيطرة حركة تحرير السودان بقيت عاصية على الحكومة لمدة خمسه سنوات. الأسئلة التي يتداولها العامة هي، ما هي مصلحة حركة العدل والمساواة في هذه النتيجه؟ ويتبع ذلك سؤال متوالي هو هل استدرجت الحكومة حركة العدل والمساواة لدخول مهاجريه لخلق المبرر لها لمهاجمتها واستردادها بحكم أنها منطقة استراتيجية وهي كانت تُمسك عن مهاجمة قوات حركة تحرير السودان لارتباطها معها باتفاقية؟ ومن الأسئلة المتوالية أيضاً، ألم تهاجم القوات الحكومية قوات مناوي في مهاجرية مرتين بعد الإتفاقية؟ هل أعدّت حركة العدل والمساواة سيناريو عودة مهاجريه للحكومة لتتمكن من المساومة بها في قطر لإطلاق قادتها المحكوم عليهم بالإعدام على إثر أحداث أم درمان وهو أمر يؤرقها بلا شك؟ هل مهّدت الحكومة لقوات العدل والمساواة للوصول إلى مهاجرية بغرض محاصرتها فيما بعد واستنزافها وقطع طريق عودتها إلى منطلقاتها وقواعدها الأولى؟ هل كانت مهاجريه فخّاً نصبته الحكومة لتحقيق عدة أهداف أخرى تمثلت في رغبتها لنشوء حرب استنزاف لقوتين متمردتين من غالبيه إثنيه واحده بحسب فهمها فوقعت حركة العدل والمساواة في الفخ وأبطلت حركة تحرير السودان الفخ برفضها الإستجابة للمخطط ؟ هل أعدّت الحكومة السودانية سيناريو استعادة مهاجريه في هذا الوقت لتمهّد لحملتها الإنتخابية بحساباتها التي تقول أن الإنتخابات في موعدها وأن مهاجرية منطقة كثافه وأن حركة العدل والمساواة نفّذت السيناريو بدراية أو بدون دراية فهي الكاسبة؟ هل هنالك علاقة لأحداث مهاجرية بتمهيد تمازج ما ظلّت تعلنه باستمرار حركة العدل والمساواة بأنها تريد تفاوضاً منفرداً مع الحكومة وما ظلّت تعلنه الحكومة باستمرار بأنها ترفض التفاوض مع حركة العدل والمساواة بقيادة الدكتور/ خليل بحيث أن نتاج هذا التمازج هو ما يتم الآن في قطر؟ وهل الوصول إلى اتفاق إطاري لبناء الثقة ووقف إطلاق النار..الخ... علاقة بدعم دعوة الحكومة لمجلس الأمن بتأجيل صدور قرار الجنائية الدولية ضد البشير وفقاً لكونها تبدي خطوات جادة بنتائج قطر، علماً بأن الحكومة قد أعلنت مراراً بأنها تتوقع القرار وأن توقيت عمل يبيّض وجهها ويساعد في التأجيل، أمر غاية في الحتمية في هذا الوقت؟ هل استغلّت الجامعة العربية وقطر رغبة العدل والمساواة في تفاوض منفرد فأعلنت عن جولة تسبق للوصول إلى اتفاق إبداء حسن النوايا يسبق قرار الجنائية ضد البشير أملاً في تسويقه لمجلس الأمن لانتزاع تأجيل للقرار وأن حركة العدل والمساواة ضحية؟ هل اجتمعت أهداف حركة العدل والحكومة مصادفة في مهاجريه وليس هنالك أي ترتيب؟ هل عملت الحكومة على إبعاد قوات حركة العدل والمساواة عن الحدود مع تشاد أملاً في إبقائها بعيدة فيما إذا نشب النزاع بين الحكومة التشادية والمعارضة، وهو زعم ظلّت الحكومة تردده؟ سيل الأسئلة التي دارت في مجالس الرأي العام وتلك التي يمكن أن تتولد في خلده حول أحداث مهاجرية وجولة قطر كثيرة ننقلها لعلنا نساهم من منظور استراتيجي في طرحها للتداول، أملاً في أن تساهم مخرجات التداول في بناء التناغم الإستراتيجي في المستقبل وتهييء للجميع ترتيباً افضل للأوليات، وقدرة على رفع الراية الإستراتيجية متى استدعت الضرورة لها خلافاً للمرحلة الماضية.لقد وضعت الحكومة التي يهيمن عليها المؤتمر الوطني استراتيجيه من ثمانية مراحل مبنية على نواياها في التسويف لكسب الوقت للتعامل في إنفاذ اتفاق أبوجا منذ البداية فبدأت في تنفيذ تلك الإستراتيجية فكسبتها ووضعت في حضنها ثلاثه سنوات أضاعتها على الحركة الموقّعة معها وعلى دارفور. تلك المراحل بدأت بالمناكفة وتطورت للمهاجمه واعقبتها بالركود فالنسيان ثم التجميد الخامد الذي تحول إلى الإغماء فالموت السريري للإتفاقية التي تُعدّ لإصدار شهادة وفاتها في قطر بالتوقيع علىَ ميلاد الشقيقة الإستراتيجية التي تأمل أن تُكمل بها ما تبقىَ من سنتين حتى موعد استفتاء الجنوب، فالمؤتمر الوطني عينه على الإنتخابات التي يأمل في أن تجري في الموعد الذي ضربته لها ويأمل في أن تجري تحت سيطرته ويفوز بها ويحكم مرحلة ما بعد الإستفتاء بقناع يعتقد أنه سيقدمه بابتسامه مقبوله للعالم. هو في شأن استفتاء الجنوب لعله قد بلغ قناعة بأن نتيجته هي الإنفصال لكننا قطعاً سندعو الجميع ونعمل معهم مع أي اتفاقية تتوصل لها حركة العدل والمساواة مع الحكومة تحت التفاوض الثنائي وينهي حالة الإحتراب بينهما بفهمنا الإستراتيجي الذي لا شكّ مختلفاً عما تعاملت به الأطراف معنا في اتفاق أبوجا ويبقىَ الجميع مديناً بضرورة الوصول إلى اتفاق يحقق طموحات أهل دارفور ويبسط الأمن والسلام علىً السودان كلّه.يسأل الجميع عن فاعلية قوات اليوناميد أو القوات الهجين بشكلها الحالي وموقعها من الإعراب. الإجابة تكمن عندما تقرأون موقعها من اتفاقية أبوجا التي جاءت بموجبها وجاءت لإنفاذها وما آلت إليه ووضع المدنيين الذين جاءت لتحفظهم من كل ذلك، وصرخاتها المتواصلة بأنها لا تستطيع فعل الكثير لأن عددها حتى الآن لم يتجاوز سبعة عشر الفاً وأن عتادها ضعيف. لقد تم تنفيذ الشق المتعلق بأعداد هذه القوات إلى حدّ كبير بما في ذلك تهجينهم وتهجين دولهم بين القارات ومدىَ ما يعود لدولهم من مكاسب مادية ومعنوية، وصرف مخصصات الأفراد المادية الذين بلا شك يعملون على الحفاظ علىَ اكبر قدر منها وعلى أرواحهم للعودة إلى الأوطان والتمتّع بما تم اختزانه من مخصصات. وطوبىَ لمن سقط قتيلاً منهم او جريح في مهمة طبيعتها إنسانية وشكر أهل دارفور نهديه لهم ولدولهم ولمجلس الأمن وساماً يذكره التاريخ، ونتمنىَ لهم طيب الإقامة في ربوع دارفور وتحت حراستها. في جسد حركات دارفور مساحات معافىَ نحفظها، ولكن المسئولية التاريخية تجاه القضية تفرض علينا أن نلقي بإضاءآت خافته علىً بؤر تجاعيد الثورة التي اندلعت بسبب الأزمة السودانية في دارفور والتي أجمعت كل الحركات التي تتضمن مسمياتها فصائل التحرير والعدل والمساواة وأخريات نشأت حديثاً باسماء وربما غيرهن ستنشأ لاحقاً بمسميات أخرىَ أو مزيداً من الفصائل في تناسل لا نستحسنه بالقطع، اجمعت كلها في بيانات تأسيسها بانها تعمل لهدف واحد هو تحقيق حقوق دارفور والتحول إلى قوىَ سياسية تعيد للوطن دولته الراسخة التي تحترم الحريات العامة والخاصة وتحترم حقوق الإنسان وتبسط العدل وتحيل التنوع إلى عامل قوة وليس إلىَ ضعف، وتقيم التنمية المتوازنة، وتمارس السلطة بتكافؤ الحقوق والواجبات. بيد أن ما تعكسه قطعية عجزها جميعاً بوقف التشظي، ناهيك عن التقارب والتوحد، حان الوقت لاجتثاثه بما في ذلك التخبُط والعشوائية والتعامل مع الأحداث بردود الفعل، وتقديم الذاتية وإيثار الأنانية وغيرها، والتي تمثّل الدُمل التي تستبطن اوراماً قاتلة تحت الحضانة في جسد الحركات سيكون الوقت حيالها قد فات إذا بقي القادة باستعصامهم بالوضع الراهن حين تنفجر الأورام.عبد الجبار محمود دوسهالأمين السياسي وكبير المفاوضينحركة/ جيش تحرير السودانلندن 10/2/2009م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.