بعض الهدوء ساد الشارع المصري بعد أن انتهت حملات الدعاية الانتخابية لمرشحي الانتخابات الرئاسية المصرية عبد الفتاح السيسي وحمدين صباحي مساء الجمعة، وبدأت مرحلة ما يطلق عليها فترة الصمت الدعائي، ومن قبل أن تبدأ عملية الاقتراع التي تنطلق غدا الإثنين، توقعت تقارير فوز السيسي بشكل واسع في الانتخابات الرئاسية، حيث أعلنت لجنة الانتخابات الرئاسية يوم الأربعاء الماضي عن حصول السيسي على نحو (94,5%) من أصوات الناخبين في الخارج، ولكن السؤال المهم للسودان كيف ستكون علاقة الخرطومبالقاهرة في حالة فوز السيسي بالرئاسة؟. سياسة مصر تجاه السودان منذ الثالث من يوليو الماضي وحتى بعد فوز السيسي ستكون هي ذات السياسة، فالحكومة الانتقالية والتي ترأسها عدلي منصور هي حكومة السيسي فهو كان الاقوى والمحرك لسياساتها هذا ما قاله د. الطيب زين العابدين الاكاديمي والسياسي ل(الخرطوم) أمس، واردف قائلا "لذلك اتوقع أن تستمر ذات السياسة الحالية المصرية اتجاه السودان والتي شابها التوتر"، ويضيف د. الطيب هذه التوترات خلقها الإعلام المصري الرسمي الذي تسيطر عليه الحكومة، لافتا الى ما يواجهه الإعلام الآخر من تخرسات واعتقالات دون محاكمة مثل ما حدث لمراسلي قناة الجزيرة. ويرى أن الوضع مع مصر غير مشجع للسودان بالرغم من أن السودان ضغط على نفسه كثيرا في قضية "حلايب" فيما تمارسه الحكومة المصرية من اعطاء هويات مصرية لسكانها، كما ان السودان اغضب مصر بموقفه الداعم لقيام "سد النهضة"، مما جعل مصر تحاول الالتفاف لخلق علاقات استراتيجية مع دولة الجنوب لتجعل منها حلفا ضد اثيوبيا، ولكن هذا مجهود غير ناحج باعتبار ان علاقة اثيوبيا بدولة الجنوب مؤثر اكثر من مصر، فكل هذه المسائل تؤدي الى التوتر في العلاقات بين البلدين بجانب اعلان الخارجية عن تسليم مصر قائمة من اسماء لمعارضين تؤويهم، الا أنها لم تتجاوب مع الامر، كما ان مصر تتهم السودان بايواء جماعات اسلامية معارضة لها، لذلك اتوقع استمرار التوتر ولو لفترة من الزمن الى ان تقتنع مصر بان السودان لا يقوم باي مجهودات ضدها وبان مصالحها معه. ويتفق الكاتب الصحفي خالد عويس بصحيفة "الشرق الاوسط"، مع د. الطيب بان العلاقات ستستمر في التوتر حيث قال "اذا فاز المشير السيسي في الانتخابات الرئاسية - وهذا مرجح - فإن القاهرةوالخرطوم، غالبا، ما ستقفان على خطين متوازيين في شأن جملة من القضايا، رغم ما تحتمه مصالح مشتركة تجمعهما، واردف قائلا "إخوانية الهوى ترى ولو بشكل غير معلن"، معتبرا أن ما جرى في مصر بعد يونيو، محض حركة نفذتها قوى "علمانية" ضد المشروع "الإسلامي". بيد أن مساعد رئيس الجمهورية جعفر الميرغني يرى أن العلاقة بين مصر والسّودان، علاقة متينة، وتاريخية، وقال بصفتي "اتحادي"، استلطف عبارة رئيس الوزراء البريطاني تشرتشل الشهيرة "إن السودان كغطاس ومصر أنبوبة الأوكسجين التي يستنشق منها الهواء"، وزاد "السودان بغض النظر عن أي شيء، شديد الاهتمام بجاره الإستراتيجي الشمالي في السراء والضراء وهذه في الواقع هي النقطة الإستراتيجية الأكثر أهمية التي استطاع السودان أن يعبر عنها قولاً وفعلاً بمهارة ينبغي أن تثير الإعجاب، فالسودان ينظر إلى الجارة مصر من الجانب الإستراتيجي الأكبر والأكثر استدامة متجاوزاً الجمل الموسيقية الكلاسيكية التي تردد اللحن المشترك بين الحكومات". ولكن ابن الميرغني يتحدث بصفته الحزبية، اذا اتهم مساعد الرئيس البروفيسور إبراهيم غندور إعلاميين مصريين بلعب دور سالب في العلاقة مع السودان، وقال في مؤتمر إذاعي إن السودان يتمتع بعلاقات جيدة مع مصر، واردف إن البعض يحاول تعكير صفو هذه العلاقات، وهاجم غندور بعض الإعلاميين المصريين الذين قال إنهم يلعبون دوراً هداماً في العلاقات مع السودان، ويؤكد غندور أن السودان ينظر إلى علاقته بمصر بنفس الطريقة الاستراتيجية التي ظل ينظر بها منذ زمن بعيد، وزاد قائلاً" ذكرت لبعض الإعلاميين المصريين أن الشعب السوداني لن ينسى الإساءات من بعض المحسوبين على الإعلام المصري، ولن ينسى بعض المحاولات لتحريض مصر على السودان"، وقطع بأن الشعب السوداني ذكي ومتسامح لا ينسى محاولات احتقاره، ولن ينسى بعض المقولات التي يرمي بها بعض السياسيين في حق السودان. ما يقف حجر عثرة في طريق خلق علاقات ايجابية مع مصر بعد فور السيسي أربعة ملفات تتسبب بالأزمة غير المعلنة ما بين القاهرةوالخرطوم وهي: "أولاً النزاع على مثلث حلايب وشلاتين، وثانياً التنسيق في ملف مياه النيل والموقف من سد النهضة الإثيوبي، وثالثاً فتح الحدود ومنح السودانيّين حرية التنقل والحركة والتملك والدخول إلى مصر من دون تأشيرة كما فعل السودان، ورابعاً ضبط المعابر وفتح الطرقات البرية بين البلدَين". يحسم جعفر الميرغني الموقف بقوله إن الوشائج الخاصة بين مصر والسودان، لا تسمح، أن تعيش العلاقات لحظات التوتر، لكن الظروف الاستثنائية تزيد من حساسية أي وضع، ويصبح استيعاب المتغيرات والتعامل معها محفوفًا بالمخاطر، لذلك من الطبيعي أن تكون هناك سحابة صيف تمر عابرة، وجزء من احترام إرادة مصر، هي التسليم لها بخصوصية شأنها الداخلي في فترة ما"، وعول الميرغني على إزالة المعوقات بين الخرطوموالقاهرة على حكمة قيادة البلدين. ويقول الميرغني في حديث صحفي إن موقف السودان من بناء سد النهضة، يجري بشأنه تنسيق عال مع مصر، وأن القرار فى ذلك، فني. وعن أزمة حلايب قال الميرغني: "إنّ بين كل الدول مناطق تماس، قد تتحول إلى نقاط خلاف، وقد تتحول إلى نقاط تكامل، لا نقول إن حلايب وشلاتين، نقاط تكامل، بل نقول على مصر والسودان التكامل، قبل فوات الأوان، وعلى الذين يثيرون هذا الموضوع لمجرد الفتنة، والتعبير عن عدم الرضا عن حكومة إحدى الدولتين أن يتذكروا أن الشعب هو الذي يدفع ثمن أي خلاف". فهل يستجيب السيسي للحكمة بحل الخلافات والمبادرة لخلق علاقات جيدة بين السودان.