أنا ضد إكراه أو قتل أي شخص على الإسلام أو أي دين أيِّ كان وأينما كان . كم منا من مسلم ،و لمّا يدخل الإسلام في قلبه ، وكم منا من مسلم سوف لن ينفعه إيمانه أو إسلامه إلا برحمة من رب العالمين ، الذي هو أعلم بمن ضلَّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ، كم عدد المسلمين في السودان أو في العالم حتى تنقصه مريم أو يزيده سلمان رشدي عددا؟ وكم من هم بيننا مسلمين ويعملون عمل المتكبرين المتجبرين القاهرين الناس مسلمهم ومسيحيِّهم ، فيأكلون لحم هذا ويهضمون حق هذا ، ويفسدون ويتألهون ويتفرعنون ؟ مَنْ بيننا ، من يقصد تشويه صورة الإسلام وصورتنا كمسلمين ، ويؤجج مثل فتنة ، ردة مريم ، والتعدي على الصحفيين لإسكات الحق ، وطرد الناس عن وظائفهم ونفيهم بحجة أنهم مخالفين ؟ من منا يفعل مثل هذا ثم يرتد عنه ضحى الغد ، بسبب الضغوط ، والتخويف ، ومن هو المرتد الآن ؟ الذي يقول أنا غير مسلم ، أم الذي يثبت الردة على المرتد إن كان مرتدا ، ثم يتنازل عن حق المسلمين ، كما يدعي إن كان هذا فعلا هو حق يأخذه المسلمين وليس الله ؟. إذا كنا لا نستطيع أن نثبت على مواقفنا حتى النهاية ، ونمارس سيادتنا كما ندعي ، فلماذا نحشر أنفسنا في مثل هذا في الأساس ؟ أم أننا أعدتنا ، أن نجأر بما لا نشتهي ونجربه ، فإذا كنا محظوظين نجحنا في تحقيقه وإن كنا مضغوطين ، نكصنا على أعقابنا ؟ ليس حبا في مريم ، أو سلمان رشدي ، آو الأطفال الضائعين the lost boys ، فأيُ ما كانت نتيجة الحكم على ردة مريم ، ثم الردة عن ذلك ، فإن أعداءنا سيتخذون مريما هذه ، بطلاً عالميا ، كسلمان رشدي ، تستقبله الملوك ، والرؤساء ، وهولييود ، والباباوات ، ويفرح لها من ظن أنه إنتصر بهذا الفلم سيء الإخراج ، وستصبح قصتها عالمية ، وسيكتب فيها الكتب وتمثل فيها الأفلام ، وسيُهدم بها جانباً من الإسلام ، ما الله يعلمه ؟ كما هدمت جوانبه ، بحجة القاعدة وضربة سبتمبر ، وستستخرج منها مصطلحات جديدة ، رديفة وبديلة للارهاب ، بعد أن أدى هذا المصطلح دوره ، إلى مصطلحات مرحلية جديدة ، تكون وليجة و ذريعة لهدم المزيد من الإسلام ، و ما تبقى من سودان ، فيقع الذنب على من حرث وما زرع ، وله وزر هذه السنة ووزر ما جاءت به إلى يوم يبعثون . نحن نحتاج فعلاً لمرجعية ولفقهاء وعلماء يعلمونا أن الشرع ،أصل مفروض علينا أن نعض عليه بالنواجز ، وفرع نأتِ ونؤتِ فيه رُخص الله، نُهّون للناس فيه معاشهم ونفرد لهم حرية الفكر والتعبير ، وحرية النفس البشرية في أن تختار ربها ورسلها ودينها ، بعد أن نبيِّن لهم الحق وصراط الله المستقيم ، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، فإن الدين لله ، ثم نحتاج أن نوطن أنفسنا في هذه الفروع فلا نغلو ولانشِّط على أنفسنا فإن الدين يسر ، وَكلْ الله الدعوة له وفيه لأمة منا ، ووَكل فيه الولاية والحكم تكليفاً ، وفتنة من يأخذها يأخذها بحقها فانها إما ندامة وخزي يوم القيامة وإما مثابتة وأجراً لمن يأتِ الله بقلب سليم ، ومتى ما بسطنا فيها الحق والعدل والبِشر واليسر والتبشير ، ونحتاج لمرجعية لا تخاف في الله لومة لائم لتبيان هذا ، فإن الدين يؤتَ من فروعه لا من أصوله ، وهنا مربط الفرس ، وهنا إمتحان أيُّ إمتحانٍ للمرجعيات والعلماء والولاة ، والناس أجمعين. ديننا دين تعايش ليس دين إرهاب أو جبروت ، ونحن نتعايش مع الأديان ، تعايشنا مع اليهود في المدينة حتى خانوا ، وتعايشنا ولا نزال نتعايش مع المسيحيين في آوطاننا ، كمواطنين معنا بلا منِّة ، وتعايش ديننا مع الأديان الأخرى لأنه أتى من صلبها ، سلسلة متصلة من الرسالات وسلسلة متصلة من الرسل ، تعبداً وقصداً وعقيدة ؛ (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ۗ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) أحببنا مريم بنت عمران أكثر من أهل الأرض جميعا ، عفّها قرآننا ، وآمنا بها ، وبإبنها رسولا نبيا ، لا نجامل في ذلك ولا نخاتن ولا نخداع ، وآمنا بما قبله من الرسل والرسالات ، وجاء رسولنا الكريم مكملاً وخاتماً حضنا على حب الناس وبسط الحرية في الدين والفكر ، بما خاطبه ربه وأمر ، بذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر ، إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر ، ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) ، (أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء اللّه لهدى الناس جميعا) ،( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء) ، إذا كانت هذه رسالة من الله سبحان وتعالى إلى نبيه الكريم ، الذي كان يحِّزُ في نفسه عدم إيمان عمه أبا طالب ، وآويه ومانعه من جبروت قريش ، فكيف لنا أن نجبر مثل مريم وخلاف مريم ممن أبطن دينه أو إلحاده وكفره وأظهر الإسلام مثلا ، أو إتخذ نهجا ودينا آخر آوى إليه وأتخذه تعبداً له ، أو أنه إرتأى غير الإسلام ما يوصله لله . لا تدعي ولا تنصب نفسك ، و بفهمك فقط ، حامياً للدين ، ومسؤول عنه وحدك ، أو من ولالاك بلا فقه أو معرفة ، فإنك إن فعلت ظلمت نفسك ورسولك ، وظلمت الدين وظلمت الناس أجمعين ، وشوهت حق الله في الأرض ، وأدعيت سلطانه ، ونقصت ما شاءه للناس ، وستغلو وستفسدت وإن أردت إصلاحاً . والله أعلم ، وهو من وراء القصد. [email protected]