أيام وأحداث وأفعال وكوارث فيضانات، إخفاقات وضياع أمانات وفساد وملفات، حروب داخلية وتوتر في العلاقات مع دول الجوار واقتصاد خانق ، سنوات مثقلة بالمحن أروت القلب حزناً حد أننا لا نستطيع إلا حملها معنا دائما لأن الوجع كما العشق لا يفتأ ينكأ ويصعب الفكاك منه ، بلد غارق في المصائب ومتوج بالصبر وحبلى أخباره وصحفه بالموت ، تتفرّخ فيه المشاكل والعقبات ككائن خرافي الخصوبة ، بلد بتنا فيه غرباء ، كلامنا صمت وصوتنا مكسور ، حلمنا تائه وعشقنا مبتور ، أمانينا منقوصة وحكاياتنا بلا نهاية ، آماننا يُفاوض عليه بالمال وفضاءنا مكشوف ، عظامنا جوّفها طول المسير وبهائمنا أفزعها صوت الرصاص فتاهت في العراء ، نظرات أطفالنا في المفازات الغربية خطفها الأفق البعيد والخيام التي هي مد البصر ومستقبلهم ألجمته عيشة المعسكرات وبؤس المناظر وصفوف الهبات التي سترافق ذاكرتهم ملتصقة بها لسنين طويلة كرائحة وقرى بأكملها غاب عنها رجالها فباتت تحرسها النساء . تتكاثر الأحزان ومعها نشيخ لكننا نواصل الحياة حتى وإن سال القلب حزناً لأنه علينا ذلك ولأن في بعض الصباحات بلل بالأمل كما بقايا ندى الليل على الزهر و من يمنحني وطنا آخر أرضاً تحميني من بلدي قلباً يأويني من أهلي بالله كيف تحكمون !!! يا ولاة أمرنا ضاع الوطن وأهله وأنتم مازلتم تتحدثون في حالات الغضب تصعب الروية بوضوح وعند احتشاد المشاعر يغرق القلم وعند مسك القلم نغرق في الوجع ما عاد الوطن كما كان ، تفرق المتعايشون وملأت الكراهية المساحات بينهم ، تقاتلت في عهدكم يا ولاة أمرنا القبائل بشراسة مذهلة لا على حق بل على فتنة زُرعت قصدا ، تشرد الأطفال وشربوا من مياه الخيران، دفعت النساء فاتورة الحرب كاملة وأحن الحزن الظهور ، أحرقت القرى والبيوت ، أصبحت رمادا ، في الخلاء الواسع ضاعت الثروة والناس والحيوانات والمروءة ، التنقيب عن الذهب أصبح نقمة وذهبت أحلام البترول ، كثرت الفتن وضاعت القيم السمحة والعادات الأصيلة ، الموت أصبح بالجملة وأنتهك عرض المدن مرات ومرات هذا البلد الذي كوته النكبات والكوارث حد اختراقها لحياتنا كسيف، خلافات حادة بين أهل الرأي وقادة الأحزاب وحروب داخلية ، ألغام مزروعة وإهانات مرض ، وطن واسع وجيل عاق ، معسكرات نزوح داخلي ، ونحن من أكثر الدول التي بها عدد نازحين داخليين ، فيضانات أرهقت النيل وأهله وحكومة هي دائما غير مستعدة لاستقبال أحلى الفصول – فصل الخريف - لكن الكوارث العظام عادة لا تنتظر الفرج من أحد كما يقولون . الحزن سيرافقني في كل الأعوام القادمات ، سنبكي علناً مدناً دُمرت وأخرى مازلنا نتنازع عليها بالسلاح على ملأ من العالمين وحدوداً بطول غير معقول ولاجئين بالآلاف عليها ، قرى صارت رماداً ذات لحظة طائشة ، سنبكي أطفالاً ذهبوا بالحمى والكوليرا والحصبة والغدر وفرسان من المسيريه سندوا وطنهم ساعة الجمره وآخرين من البقارة وغيرهم من الشباب الذي ذهب تاركا الحياة عن رضا، سنبكي أرواحا ذهبت بالحمى الصفراء والكبد الوبائي والسرطان وتائهين ماتوا بالأسبريت ذات مساء وبالجملة ومشردين فاضت بهم شوارع المدن نحن بحاجة لجمهورية السودان الديمقراطية وللسودان القديم قبل الانفصال ولوزارة الصحة ومستشفى الخرطوم ونقابات للعمال نزيهة ، ووزارة التربية والتعليم لا وزارة التعليم العام ، تصدع جدار التعليم الذي كان متينا، مدارس عريقة ، وادي سيدنا ، حنتوب ، بخت الرضا ، جامعات كانت منارة وكنا نباهي بها الدول ، تفرق أساتذتها في دول العالم ، شباب أصبحت أمانيه مختزلة في الهجرة ، إلى أي مكان غير مهم ، منذ مطلع العام وحتى الآن هاجر 55 ألف شخص تركوا الوطن مغادرين وبعضهم غاضب منه والسودان حسب تقرير الشفافية العالمي من أكثر الدول فسادا و مع ذلك ها نحن نستقبل العيد ونودعه لكن بقلب هدّه الوجع وهزمه الحزن وفطرته المصائب وغطاءه الهباب الأسود الذي جعل كل شيء قاتما، لكننا سنُبقي على الحب ، وللحب قوة لا تعرف حدوداً وعلى الرغم من كل ذلك نحن بحاجة لوطن حتى وإن كان متعسراً ، بحاجة لبعضنا دون أحقاد قديمة وتراكمات ، بحاجة لما تبقى من أرضنا دون استقطاعات جديدة حتى وإن كانت جافة من العطش ، وللكثير جدا من الصبر والأمل لأننا نريد لأطفالنا أن يحيوا سالمين اميمة عبدا لله الخرطوم [email protected]