القمة العربية تصدر بيانها الختامي.. والأمم المتحدة ترد سريعا "السودان"    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    كواسي أبياه يراهن على الشباب ويكسب الجولة..الجهاز الفني يجهز الدوليين لمباراة الأحد    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالفيديو.. الرجل السودني الذي ظهر في مقطع مع الراقصة آية أفرو وهو يتغزل فيها يشكو من سخرية الجمهور : (ما تعرضت له من هجوم لم يتعرض له أهل بغداد في زمن التتار)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع الوليد مادبو وحسين خوجلي في أنداية نِعمة بمدينة الضعين .. بقلم: د. عشاري أحمد محمود خليل
نشر في سودانيل يوم 09 - 09 - 2014


(1)
كل من يغشى الأنداية، عليه أن يتوقع الاستفزاز من قِبل الشُرّاب. جاء ذلك في سابقة قضائية رائعة. رفض بها القاضي السوداني تعلل القاتل بأن القتيل كان استفز مشاعره عندما كانا في الأنداية يشربان. لابد تحت تأثير مفعول الكونقرا، العسلية المعروفة.
فالسابقة تنطبق على د. الوليد آدم مادبو في مقاله في سودانايل بعنوان "رقصة الموت أو الرقصة الأخيرة". وتنطبق السابقة عليَّ، أنا أيضا. (أترك حسين خوجلي للنهاية).
كلانا، أنا والوليد،وجدنا نفسينا في مساحة أنداية نعمة في مدينة الضعين. حاضرة دار الرزيقات وعنوان القبيلة.
كنت ذهبت إلى الأنداية بهم الكتابة عن وقائع قتل أهلي الدينكا وحرقهم في مدينة الضعين. ولأجد تفسيرا لذلك الذي جعل الرزيقات، وهم أهلي أيضا، يرتكبون تلك المجزرة الفظيعة. ويبتهجون أثناء تنفيذها. يقفزون ويطلقون الأعيرة النارية في الهواء ويبشرون فوق رؤوس المسؤولين المجتمعين تحت النيماية. على أنغام زغاريد نساء الرزيقات يغنين لموت الدينكا.
وجاء الدكتور الوليد مادبو إلى الأنداية بأجندته المعروفة في مجمل خطابه في سودانايل. بما في ذلك ما يظل يقصيه من النص ومن المحادثات، بعناية فائقة. والذي يقصيه الوليد من خطابه هو ما أظل أستدعيه وأستحضره في كتاباتي.
وفي ذلك استفزاز عظيم، لا يُقبل إلا في الأنداية. المساحة الوحيدة في السودان للتعبير الحر عن الرأي المخالف، ولاستفزاز الفكر، لتظهر أفكار جديدة، في جو يسوده المرح.
استفز رأيي الحر المخالف مشاعرَ الوليد، لا فكرَه. اعتاد على الهِتِّيفة المعجبين. لا يعرفون كيف يكون تفكيك خطاب الوليد وانتقاده وكشف تهافته وترنحه تحت ثقل تناقضاته. وبيان منطوقه بلسانين وأكثر. الوليد معجب بملك الأردن وبشيوخ الإمارات وبحكم الأسر، بعلة الشبه بحكم أسرة مادبو. ويغازل الراديكالية، يحسبها لعبة تنتهي بمشاغبة مع أولاد الصادق المهدي في نادي الفروسية. أو بمضايقة خفيفة من ضابط الأمن في الضعين. لا يعرف أنها المقاومة اليومية المتطرفة ضد القهر والطغيان، مدفوعة الثمن في الإفقار، والملاحقة، وفي التعرض لمثل خطاب الوليد.
(2)
أنداية نعمة
وردت سيرة أنداية نعمة في كتاب مذبحة الضعين. 1987. في أقوال الشاهدة الدينكاوية أقول كول، يسميها الرزيقات حوا إدريس. كانت السيدة أقول كول تعمل خادمة في الأنداية. وسمعت ناس عمر الحلبي وعبد الله موسى وعبد الله إدريس يتحدثون مع شارب آخر عن تخطيط الرزيقات لقتل جميع الدينكا في الضعين. للانتقام. وأخطرت أهلها الدينكا الذين لم يصدقوا كلامها. قبل أسبوعين من وقوع المذبحة المدبرة.
فتم قتل أكثر من ألفين منهم وحرقهم في مسارح متعددة للجريمة العالمية في مدينة الضعين.
كان الانتقام بسبب الهزيمة التي تلقتها للمرة الأولى الميليشيات الرزيقية على أيدي شباب الدينكا المسلحين في معركة في سفاهة لاسترداد الأبقار المنهوبة. لم يرض الرزيقات تحدي العبيد (لغة الدكتور الوليد في عبارته المقتبسة "العبد جودا راسا") وجرأتهم على حرق قائد المليشيا الرزيقي "الفارس"عمر قادم (الذي كان مختبئا داخل الدبابة مع قائد كتيبة القوات المسلحة).
دارت تلك المعركة المفصلية في منطقة سفاهة. مساحة آمنة للأندايات والاستفزازات المميتة في دار الرزيقات. لم تغير سفاهة أخلاقها وسلوكياتها العبر حدودية وممارساتها التحتانية والظاهرة.حتى بعد تغيير عمر البشير لاسمها المعبِّر، والجميل، إلى قبيح التسمية، "سماحة".
(3)
أقوالي الاستفزازية في أنداية نعمة
أما وقد غشي دكتور الوليد مادبو أنداية نعمة التي لها موقع جوهري في قصة المذبحة، كان عليه أن يتوقع، كمثقف، أن يتعرض للاستفزاز. عندما وجدني في ذات الأنداية أتحدث عن الموضوعات المحظورة، وهي:
أولا،
استحواذ أسرة مادبو بالسلطة القبيلية في "دار الرزيقات" منذ القرن التاسع عشر، أو خلال فترة الأربعمائة سنة التي يحتفي بها الدكتور الوليد. عالم العلوم السياسية المتأثر بأمريكا. يريد سنوات إضافية بعد الأربعمائة سنة لتتمكن أسرة مادبو، بالهداوة، من الانتقال من السلطة القبيلية إلى السلطة المدنية التي لا تعرف حكم الأسر. هكذا كتب في مقاله.
ثانيا،
دعوتي إلى رفض لغة القبيلة، "الرزيقات". اللغة التي تُكرِّس ثقافة العنف الجماعي،وتمجد خرافة "الفرسان"، وتبرر بالمغالطات تقتيل ميليشيات الرزيقات للمدنيين وحرق مساكنهم. الثقافة التي توطِّن التطهير العرقي، بطرد الأسر بأطفالها من مدينة الضعين ومن "دار الرزيقات". بحجة الحاكورة والهوية العرقية الصافية التي لا مكان فيها للزرقة أو لأي آخر.
ثالثا،
فتح ملف الرق. جريمة عالمية، أيضا. الرق ذاته. الذي تمثل في الغزوات الرزيقية لدار الدينكا، لجلب الرقيق إلى دار الرزيقات. لرعي الأبقار والأغنام، وللزراعة، للخدمة المنزلية، وللخدمات الجنسية. وللتسهيل للأسر الرزيقية المسترِقة إرسال أطفالها إلى المدرسة.
يصمت دكتور الوليد في مكثار خطابه عن هذا الرق. رغم أن قريبه عيسى محمود موسى مادبو، الأستاذ السابق معلم الدينكا في مدرسة ماريال باي، كان حرر السيدة أبوك مشام أنقوي. التي كان خطفها من أسرتها في أشورو واسترقها عضو الميليشيا الرزيقي آدم عبد الرحمن. الذي استغلها لتخدم زوجاته وأطفاله. لترعى بالأبقار ولتزرع ولتطحن. في قرية سوق بَيِّن. في دار الرزيقات. أبوك التي كانت زوجة دينق دينق ماقوت. شقيقها باك مشام كان ضابطا في القوات المسلحة، وكان لها شقيق آخر طالب دراسات عليا في المغرب.
يحتفي الوليد بأفضال أسرة مادبو، في مجالات شتى. باستثناء تحرير أفراد الأسرة للأرقاء.
ولأسرة مادبو دور مقدر في تحرير الأرقاء الدينكا من الأسر القوية ذات الشأن في شمال بحر الغزال.
تماما كما لهم دور مقدر في تجارة الرق التاريخية والحديثة. وفي تجارة الرق الحديثة، ثابت دعمهم للغزوات لجلب الرقيق. وحمايتهم وتسترهم الجنائي على قادة الميليشيات وعلى أفراد القبيلة المعروفين لهم الذين كانوا يحتفظون بأطفال الدينكا ونسائهم أرقاء في دار الرزيقات. وثابت رفضهم لدعم لجنة أبناء سلاطين الدينكا لتحرير الأرقاء.
وثابت دور أسرة مادبو في إنكار الرق. تماما كما يفعل دكتور الوليد آدم مادبو. بإقصائه من مجمل خطابه لتفاصيل ممارسة قبيلته الرزيقات، كقبيلة، للرق. دون الاعتراف بأية مسؤولية لتضميد الجراح، أو لدفع التعويضات، أو لضمان أن القبيلة لن تعود مجددا لممارساتها في تجارة الرق.
كقبيلة، مركبة تركيبا. بسبب وقائع القيادة في أسرة مادبو. وبسبب الخطاب الرزيقي، ينتجه أيضا د. الوليد، عن دار الرزيقات، وفرسان الرزيقات، وتاريخ الرزيقات، ومعارك الرزيقات. إلى آخر قائمة أشكال "العقلانية ذات الهذيان العرقي" (ترجمتي لتعبير العالم الفرنسي جاك سيميلين في كتابه طَهِّرْ فدَمّرْ، عن الاستخدامات السياسية للمذابح والإبادة. أي، طهِّرْ قبيلتك من دنس الآخر بتدميره وإبادته، لأسباب جذورها نفسية وفي تعبئتك للمعاني عبر الديلوجنال راشوناليتي).
يدرك الوليد أن أي حرف قد يكتبه عن أن أفرادا من أسرته حرروا الأرقاء الدينكا، يعني اعترافه بوقائع الرق في دار الرزيقات.والوليد، مثله مثل الصادق المهدي، لا يعترف بوقائع الرق. ولن يعترف بها. لأن واقع الرق يقوض مجمل خطابه الذي شاده بتركيب الصورة الحالمة الزائفة التي يريدها لقبيلة الرزيقات البريئة، عندها مشكلات بسيطة.
والدكتور الوليد عازف عن الانتقاد الحقيقي، الذي يتخلص به "المثقف العضوي" (لغته) من لجام القبيلة. وإلا أصبح المثقف ضابط علاقات عامة للقبيلة، ينتج الهراء ويتحذلق باللغة. لا يدرك الوليد أن مشروع اللسانيات التي يسخر منها هو تفكيك الهراء وفلفلة خيوط الحذلقة باللغة وتبيان ما يخفيه الكاتب.
رابعا،
تحدثتُ في الأنداية عن موضوع إدراج جميع أطفال الرزيقات في المدارس. في معية أطفال "الزرقة والعبيد"، في لغة الرزيقات التي سجلها الوليد أيضا في أحد مقالاته ("العبد جودا راسا") وهو يعشق مثل هذه اللغة الرزيقية ويتظاهر بابتعاده عن دلالاتها الحقيقية يعرفها.
قلت في أنداية نعمة إني أحلم بجيل جديد من السودانيين في "دار الرزيقات".يعرفون أصولهم العرقية وتاريخ آبائهم بما في ذلك التاريخ الماضي الإجرامي والعنف الجماعي والرق.
لكنهم أطفال وشباب مشدودون إلى مستقبل لا وجود فيه لحاكورة، ولا فرسان، ولا ميليشيات، ولا قبيلة. ولا زرقة عبيد أو عرب.
شباب المستقبل يتحركون بالثقة وبالأمل في مساحات العالم المتحضر من الضعين، مدينة المذبحة وقد شيد الشباب فيها نصبا تذكاري التييجوك دوت أنيي أمام بيت آل مادبو.
ومن أبو مطارق عاصمة الرق في دار الرزيقات، يكون فيها نصب تذكاري أيضا لمحرر الرقيق مانجوك جيينق مانجوك. صهر العمدة الرزيقي فضل النبي، أحد أعمدة تجارة الرق ودعم الميليشيات في دار الرزيقات.
إلى آخن في ألمانيا، بذكرى تظاهرتها الصاخبة قوامها عشرة أشخاص يهتفون ضد الرق في دار الرزيقات.
وإلى فلوريدا بأمريكا، مساحة التفكير، مجرد التفكير. بعيدا عن ذلك ضابط الأمن في مدينة الضعين الذي استنكر عليه الوليد أنه استدعاه لاستجواب. لم يكن استنكار الوليد إلا بعلة أن عسكري الأمن كان "واحد شايقي من حجر العسل"، كيف يتجرأ على استدعاء ولد ناس مادبو في عقر داره، حاكورة دار الرزيقات!
أقول للمهندس بلة البكري إن الحاكورة، فوق كونها ظاهرة تاريخية واجتماعية واقتصادية، تظهر لنا عند الوليد مادبو بمادية بيولوجية، محفورة في عصبونات الدماغ القبيلي.
خامسا،
استفز الوليد تأييدي لتلك مقولة المهندس بلة البكري في أن الأرض فيما يسمى "دار الرزيقات" هي حاكورة الدولة، عليها أن تنزعها من الرزيقات وأن تعوضهم عنها بالخدمات الأساسية الكافية لهم وللمجموعات العرقية المتساكنة معهم، وأن تترك لجميع لقبائل المتساكنة في "دار الرزيقات" كل عائدات البترول والذهب.
لكن الوليد دغمس فكرة المهندس بلة البكري. في مقاله عن "وميض النار ..". وظهر خطابه مُلَجْلَجا بشأن موضوع واضح. مع الحاكورة والقبيلة والعنف الجماعي، أم مع الحداثة والمواطنة والسلام. فاختار الوليد الحاكورة بمذابحها، دون إفصاح مبين. لأنه الوليد يريد التوريث، كالمسار الوحيد لاستئثار أسرة مادبو بالذهب والبترول.
سادسا،
قولي إنه لا توجد "قبيلة" إلا في مخيال "رزيقي"، مثالا مخيال الوليد مادبو.في مقاله الدليل. يسيطر عليه الخوف من أعداء وهميين شيوعيين ومنظمات أجنبية وسرَقة وخُبث وخنازير يتربصون جميعهم بقبيلة الرزيقات وبأسرة مادبو.
....
تلك كانت هي أقوالي في أنداية نعمة بمدينة الضعين. وكنت قلت في الأنداية كتابة إني أقصد استفزاز فكر المثقفين الرزيقات. ليندرجوا مع الآخرين في تغيير السودان. بانتقاد القبيلة، وانتقاد حكم أسرة مادبو الحاكمة على مدى أربعمائة سنة، وانتقاد ثقافة الميلشيات. وبفتح ملف المذبحة، وملف الرق، في سياق إطار للعدالة الانتقالية.
وما كانت المذابح الأخيرة لتحدث إلا بسبب استمراء ميليشيات الرزيقات و"الفرسان" وقيادات القبيلة الإفلات من العقوبة حين كانوا نفذوا مذبحة الضعين الثابتة البينات. يخادعنا الوليد ويخدعنا بعبارته الخافتة، لتسجيل موقف لا يعتمده بصدق، كتب يقول "يجب التحقيق في مذبحة الضعين"! انتهي. أهكذا يكون التعامل مع الجريمة العالمية في حاضرة دار رزيقات، تحت سمع وبصر أسرة مادبو الحاكمة، في أربعة مفردات ليحتفل بها الهتيفة المرابطون؟
(4)
الدُّواس بلغة الحكّامة
لم أنجح في استفزاز فكر الوليد، كمثقف، ولا عقله. أصابت أقوالي المشاعر العميقة في عصبونات ذلك الدماغ القبيلي. فاستل الوليد سكين الرزيقي يريد الدواس بخطاب الحكامة.
وصفني في جريدة سودانيل باستعارات استدعاها باجتهاد لغوي مثابر. يقول ويلغي القول يتنصل منه، يفصح يسجل ويمسح ويعيد التسجيل، لا يستقر له قرار.يعرف هذه الأمور اللغوية جيدا لكنه لا يستوعب فلسفتها ومخاطرها.
لا يدرك أن التفكيك لمقاله الرائع يكشف بسهولة مقاصده المتروكة على سطح الأرشيف وتحته وبين تضاعيف العبارات المغلَّفة بالحقائق وأنصاف الحقائق وبإشارات التناص. مما سيكون مشروع مقال طويل أو كتاب صغير عن "خطاب الدكتور الوليد آدم مادبو".
فأقتطف من مقال الوليد في سودانايل عباراته التي تشير إليَّ شخصيا.
وأرى أن تناول الأشخاص كأشخاص، بأسمائهم، أو بالإشارات الواضحة لهوياتهم، والتعرض لحياتهم الخاصة، أمر مقبول. في الجدال. حين يكون ذلك متعلقا بالقضية المطروحة من قضايا الشأن العام. وحين يكون ذلك منتِجا. لأغراض الحجة والإثبات.
فلا شيء يمنع الوليد من تناول حياتي الشخصية الخاصة، وشخصيتي، وعملي، وتخصصي. وغير ذلك. وفق معياري العلاقة والإنتاجية. لكن ما سطره الوليد عني في سودانايل لا علاقة له بأي من الموضوعات الستة التي عرضتها أعلاه، كلها موضوعات في الشأن العام أثرتها. تركها وهرول إلى لغة الحكامات.
فأتذكر أني في الأنداية مع الدكتور الوليد، أنداية نعمة في مدينة الضعين. على كل من يغشاها أن يتوقع مثل خطاب الوليد.
هذه عباراته. أَقتطِفُها من مقاله لإعطاء فكرة للقارئ. وأحث القارئ على مراجعة المقال الكامل في سودانايل وفي أماكن أخرى سيرسل إليها الوليد ذات مقاله. عباراته عني، شخصيا دون الإشارة الضرورية بالاسم الكامل:
"الحزب الشيوعي"؛
"عصابة الأربعة" من بينهم "زوجته الخبيثة"؛
"تربية الخنازير"؛
"أحدهم"؛
"يريد ان ينفث سمه وأحقاده الطبقية"؛
""راعي الخنازير" والمشرف أحيانا علي "عشارها""؛
"يريد ان يتخذ من مذبحة الضعين وسيلة لإلحاق دمغة لونية بالكيان كله"؛
"أنا اعجب من استخدام "عالم لسنيات" لمصطلح "كَنْكَشة" في حق أسرة، بل أسر، بذلتروحها ودمها ومالها ..."؛
"كيد الكائدين أو حسد الحاسدين"؛
"رايات المكارم وبيرق المحارم"؛
"كما يدعي راعي الخنازير الذي ما انفك يشتم الرزيقات حتي سولت له نفسه الخبيثة إعلانهم آباء غير أكفاء. كي يتسنى له إرسال أبنائهم لمنظمات الرعاية القومية"؛
"هذه المنظمات التي نما منها سنامه وتغذت بالحرام منها عظامه".
....
لا يوجد رد على خطاب الوليد آدم مادبو. ليس لأنه لا يستحق الرد. بل أيضا لأنه مادة خام لتفكيك خطاب المثقف الرزيقي. في يوم آخر.
(5)
حسين خوجلي توأم الوليد مادبو
أعلاه كانت لغة الدكتور الوليد آدم مادبو، في المحاجة لدحض خطابي عن مذبحة الضعين والرق، وعن السودان بصفة عامة حين أتطرق ل "قبيلة الرزيقات"، في معرض حديثي عن العنف الجماعي والعنصرية والهوس الديني.
يذكرني خطاب الدكتور الوليد عني بخطاب الأستاذ حسين خوجلي، عني أيضا. حين التقيت مع حسين خوجلي، في ذات أنداية نعمة. بشأن ذات موضوع الرق والمذبحة والرزيقات. نشر حسين خوجلي صورتي في جريدة ألوان في يوم 6 سبتمبر 1999. وعلق بما يلي (صورة ضوئية من الجريدة مرسلة لسودانايل):
"الشيوعي دكتور عشاري.
أنفق زهرة عمره في الإساءة لشعبنا.وباسم التمسح بالعلمية والأكاديمية، كتب هو وبلدو عن الرق المفترى أخطر وثيقة ضد شعبنا.
ولم يزل في البلاد مدافعا عن جريمة الرق التي اخترعها وأمره بها أسياده.
بل التحق بهم موظفا في منظماتهم. يتنعم بعواصمهم. وأموالهم الحرام ... مستشارا لمنظماتهم المشبوهة وكادرا بالتجمع.
ناسيا أنه في الغد القريب سيصير جثة نتنة منسية في المنافي.
ويصعد شعبنا المسلم المراقي والمجد القادم، ولو كره الكافرون" (حسين خوجلي).
فيتضح أن الوليد مادبو بل يتفق مع حسين خوجلي، صنوه وتوأمه.
(6)
الرقص مع الجنجويد
تجد أقوال الدكتور الوليد آدم مادبو الترحيب مني لأنها تتمثل مادة خام قلما تتوفر. لتفكيك خطاب المثقف الرزيقي. خطاب القبيلية المستحوذ بالخوف وبالهذيان عن تاريخ ناصع يلطخه الأدعياء من نوعية الشيوعيين وعملاء منظمات الأمم المتحدة، إنه يقصد اليونيسف.
يقول عني أنا عشاري بشأنها: "المنظمات التي نما منها سنامه وتغذت بالحرام منها عظامه".لغة حسين خوجلي. الذي وصل مرحلة النضوج أخيرا. بتأثير العمر. وبسبب الصدمة المتأتية من اندثار المشروع الحضاري ونهاية دويلة سلالة الإنقاذ. فبدأ يحتج على مذابح الرزيقات في نزاعهم مع المعاليا. بعد سبعة وعشرين عاما من صدور أول انتقاد لثقافة العنف المكرسة في جسد قبيلة الرزيقات، في ذلك كتاب مذبحة الضعين. في الجزء عن مساعي الرزيقات لطرد الزعاوة، الزرقة، من الضعين. المساعي التي تمخضت عن معارك إضافية للإبادة المتبادلة بين الرزيقات والزغاوة.
...
أقول لأخي دكتور الوليد، إني أقبل خطابه ولغته الاستفزازية. امتثالا للسابقة القضائية. فقد كنت جئت لأنداية نعمة بمحض إرادتي. وعلي أن أقبل جميع الاستفزازات أعلاه.
بما فيها الاستفزاز بالضرب تحت الحزام بإيراد روايتة المتذاكية عن "عصابة الأربعة" و"الزوجة الخبيثة". فالحيثيات الكاملة موجودة في قضايا صدرت فيها أحكام من المحكمة العليا بعد جلسات في المحاكم حضرها الجمهور. فهي متاحة أصلا للجمهور. ولا حرج إن أراد الوليد أن يكتب عني بمزيد الإفصاح، وترك المداراة ولعبة أم غمتي، إذا كان ذلك يعين حجته في مشروعه البائس عن "القبيلة والحاكورة والتوريث والبترول".
واقبل أيضا الاستفزاز من الدكتور الوليد مادبو في صيغة المخاطب، بأنك يا عشاري "ما انفككت تشتم الرزيقات حتي سولت لك نفسك الخبيثة إعلانهم آباء غير أكفاء كي يتسنى لك إرسال أبنائهم لمنظمات الرعاية القومية"؛ "هذه المنظمات التي نما منها سنامك وتغذت بالحرام منها عظامك" (لغة الوليد مادبو).
فيا لروعة المادة الخام المتاحة لتفكيك خطاب المثقف الرزيقي، حامل الدكتوراه في العلوم السياسية، الشاعر، الكاتب. لا يمكن أن أشتم الرزيقات. أتشدد معهم لإزالة عار المذبحة والرق. قدمت البينات والحجج. يكون دحضها ببينات أقوى وبحجج أفضل.
...
لكني أذكِّر الوليد بأنيفي سياق عملي في اليونيسف سعيت لتخليص الرزيقات من ممارسة الرق ومن وصمة إنكاره. في المشروع الذي سعيت له بمبادرتي الشخصية ضد ممانعة اليونيسف. بطلب مليون دولار من الاتحاد الأوروبي استلمتها حكومة الإنقاذ البغيضة. وفي سياق ذلك المشروع نظمتُ مؤتمرا في الخرطوم لتحرير الأرقاء في دار الرزيقات (دعك من التسمية الكاذبة للمشروع وللمؤتمر، عند ناس الإنقاذ).
واجتهدت لتقديم الدعوة لأسرة مادبو الحاكمة ممثِّلة الرزيقات لتحضر إلى الخرطوم للمشاركة في المؤتمر. وقد كان. كنت مدير المشروع. وصاحب الفكرة، والدعوة. وترتيب العشاء الرسمي لممثل الرزيقات من أسرة مادبو. على أنغام موسيقي فرقة القوات المسلحة.
تقول اليونيسف، لأجل الأطفال نغني ونرقص مع الجنجويد والجينو سيدير ومع أسرة مادبو الحاكمة.
ولأجل أطفال الرزيقات، وأطفال الزُّرقة، يمكن أن أخصص"الرقصة الأخيرة"للوليد مادبو، إن أرادمزيد المراقصة.
عشاري أحمد محمود خليل
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.