مراسل قناة النيل المصرية للأخبار - الخرطوم يبدو أننا بدأنا نشهد نهجا جديدا فى العلاقات الدولية يقوم على سياسية الأحتواء المسبق السلمى لأخطار نزاعات يمكن أن تتمدد وتشكل حالة تستعصى معالجتها كما هو حادث اليوم فى شأن محاربة تنظيم الدولة الأسلامية فى العراق والشام وهى حرب ولدت من رحم حرب وأشنطن الظالمة على العراق الذى لم تحسن أدارته بعد احتلاله فتركته ليصبح هدية الشيطان الأكبر لملالى طهران ، ويمكننا أن نعتبر أن اليمن بعد أندلاع الثورة فيه شكل البداية الأولى لنهج الأحتواء المسبق السلمى لنزاعات داخلية تبدأ بسيطة ثم سرعان ما تتكاثر وتتناسل حيث ترأى للكثيرين أن ثورة اليمن فى طريقها للانحدار نحو حرب أهلية شاملة مثل الحالة السورية فسارعت دول الجوار الأقليمى لليمن ممثلة فى دول الخليج ثم أتبعها مجلس الأمن الدولى لعقد مؤتمر حوار داخلى أفضى لتحقيق مطلب الثورة اليمنية فى تنحية الرئيس السابق على عبد الله صالح وتبنى أجراءات تفكك أدوات دولته العميقة مثل البند الخاص بأعادة هيكلة الجيش اليمنى والأجهزة الأمنية . الحالة السودانية من الواضح أنها ستكون الحالة الثانية التى سيطبق فيها منهج الأحتواء المسبق السلمى رغم أن بعض أطراف السودان هى بالفعل مشتعلة لكن المراد الآن هو الحؤول دون تمدد الحريق ليعم كافة البلاد فتنهار الدولة لنصبح فى محيط العديد من الدول المنهارة كجنوب السودان وليبيا وأفريقيا الوسطى ، لقد أدرك المجتمع الدولى والأقليمى أن منهج الوقاية خير من العلاج هو الأنسب وهو منهج يقوم على محاصرة الأزمات الداخلية فى أطارها الضيق ثم الشروع فى معالجتها قبل أنفجارها بما يعنى أن سياسة الأحتواء السلمى تقوم على معالجة مسببات الأزمات لا نتائجها من لجوء ونزوح وتداعيات أمنية وجماعات مسلحة مسيسة وغير مسيسة ، وتحقيق تسويات بين جميع الأطراف ، فبعد جلسة عقدها الجمعة الماضى حملت عنوان " بناء الثقة بين الحكومة السودانية والأحزاب المسلحة والمدنية " أصدر مجلس السلم والأمن الأفريقى قرارا وسعٌ فيه تفويض الوساطة الأفريقية برئاسة ثامبو أمبيكى لتشرف بشكل مباشر على الحوار الوطنى فى السودان بالوصول لأتفاق شامل ينهى حالة الأحتقان السياسى فى البلاد ، وطالب القرار بتنفيذ أجراءات بناء الثقة بأطلاق سراح المعتقلين ، وهو أجراء تم تنفيذه بأطلاق سراح الأستاذ أبراهيم الشيخ رئيس حزب المؤتمر السودانى وعدد من أعضاء حزبه بعد أعتقال تجاوز الثلاثة أشهر ، ولم تكن المطالب الواردة فى قرار مجلس السلم والأمن الأفريقى قاصرة على الحكومة السودانية فقط ، بل شملت مطالبات معنىُ بها المجتمع الدولى والمؤسسات الأقليمية والدولية وبعض الدول التى تفرض عقوبات أقتصادية على السودان حيث طالب القرار الأفريقي " جميع الدول التى فرضت عقوبات فى قطاع الخدمات المالية لرفعها ، بغية المساهمة فى خلق الظروف المواتية لأنجاح الحوار الوطنى " وهى مطالبة تبدو معقولة خاصة وأن الحكومة السودانية تشعر بعدم ثقة حيال المجتمع الدولى بعد نكوصه عن وعوده السابقة لها قبل توصله لأتفاق السلام الشامل مع الحركة الشعبية عام 2005 خاصة من قبل الولاياتالمتحدة برفع أسم السودان عن لائحة الدول الداعمة للأرهاب ورفع العقوبات الأقتصادية عنه ، قد يعتبر البعض أن الأزمة الأقتصادية الحالية واشتداد حلقة الحصار الأقتصادى بتشديده مؤخرا حتى من قبل دول شقيقة ومجاورة قد تكون أحد الأسباب التى دفعت النظام الحاكم لأطلاق دعوة الحوار الوطنى وأبدأ الأستعداد للتنازل لكن الأستمرار فى عدم مساعدته قد تدفع المتطرفين داخل النظام الحاكم للتمترس فى مواقفهم المتصلبة ملوحين ومستشهدين بحالة الخذلان تلك من المجتمع الدولى الذى لا يخلو هو أيضا من متطرفين يريدون من الحكومة السودانية أن تنفذهم مطالبهم دون شرط ، القرار الأفريقى سيتخذ مثل السابقة اليمنية بعدا قانونيا دوليا حين يحال لمجلس الأمن الدولى فيصدر الأخير قرارا سيكون بمثابة مظلة يجرى تحتها الحوار الوطنى ولا مناص ساعتها من أن ينتهى بما يريده على الأقل المجتمع الدولى هوعدم تردى الأوضاع فى السودان على نحو شامل ، فمن الخير لكل الأطراف السودانية أن تبادر بتحديد أوسع لأجندة الحوار وشموليتها وأن تتحمل مسئوليتها فى أنقاذ البلاد من خطر التشطى فالمجتمع الدولى أذا لم يفلح فى أن يساعد فى معالجة مسببات النزاع سيكون يسيرا عليه التغاضى عن تداعياتها فلم يعد يحفل بأخبار غرق المهاجرين غير الشرعيين ولا بموجات النزوح واللجوء فقد وصل حد التخمة من كل ذلك ، وأصبح مثل المصاب بمرض السكر لا يشعر بأطرافه التى لم يعد يصلها الدم جراء وهن وموت أعصابها . [email protected]