إيلون ماسك: لا نبغي تعليم الذكاء الاصطناعي الكذب    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    دبابيس ودالشريف    نحن قبيل شن قلنا ماقلنا الطير بياكلنا!!؟؟    شاهد بالفيديو.. الفنانة نانسي عجاج تشعل حفل غنائي حاشد بالإمارات حضره جمهور غفير من السودانيين    شاهد بالفيديو.. سوداني يفاجئ زوجته في يوم عيد ميلادها بهدية "رومانسية" داخل محل سوداني بالقاهرة وساخرون: (تاني ما نسمع زول يقول أب جيقة ما رومانسي)    شاهد بالصور.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبهر متابعيها بإطلالة ساحرة و"اللوايشة" يتغزلون: (ملكة جمال الكوكب)    شاهد بالصورة والفيديو.. تفاعلت مع أغنيات أميرة الطرب.. حسناء سودانية تخطف الأضواء خلال حفل الفنانة نانسي عجاج بالإمارات والجمهور يتغزل: (انتي نازحة من السودان ولا جاية من الجنة)    البرهان يشارك في القمة العربية العادية التي تستضيفها البحرين    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    الخارجية السودانية ترفض ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية    قرار من "فيفا" يُشعل نهائي الأهلي والترجي| مفاجأة تحدث لأول مرة.. تفاصيل    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    الدعم السريع يقتل 4 مواطنين في حوادث متفرقة بالحصاحيصا    الرئيس التركي يستقبل رئيس مجلس السيادة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    الأحمر يتدرب بجدية وابراهومة يركز على التهديف    كاميرا على رأس حكم إنكليزي بالبريميرليغ    الكتلة الديمقراطية تقبل عضوية تنظيمات جديدة    ردًا على "تهديدات" غربية لموسكو.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية    لحظة فارقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وثائق امريكية عن ثورة اكتوبر (7): استقالة عبود: واشنطن: محمد علي صالح
نشر في سودانيل يوم 11 - 10 - 2014


وثائق امريكية عن ثورة اكتوبر (7): استقالة عبود
هجوم على السفارة الامريكية في الخرطوم
عبود يستقيل لاستحالة التحالف بين العسكريين والمدنيين
مظاهرات واحتجاجات ضد المصريين تجعل التاريخ يعيد نفسه
يرفض السودان استعلاء مصر، وترفض مصر التخلى عن الاستعلاء
راي محمد حسنين هيكل: "ثم ماذا بعد في السودان؟"
--------------------------------
واشنطن: محمد علي صالح
هذه هي الحلقة السابعة من هذا الجزء الاخير من هذه الوثائق الامريكية عن التطورات السياسية في السودان، وهي كالأتي:
الديمقراطية الاولى (25 حلقة): رئيس الوزراء اسماعيل الازهري (1954-1956).
الديمقراطية الاولى (22 حلقة): رئيس الوزراء عبد الله خليل (1956-1958).
النظام العسكرى الاول (19 حلقة): الفريق ابراهيم عبود (1958-1964).
النظام العسكري الثاني (38 حلقة): المشير جعفر نميري (1969-1975، اخر سنة كشفت وثائقها).
هذه وثائق الديمقراطية الثانية، بداية بثورة اكتوبر (1964-1969). وستكون 20 حلقة تقريبا.
وهذه عناوين حلقة الاسبوع الماضي:
-- موالون لمصر يحاولون انقلابا عسكريا
-- جعفر نميري من بين المعتقلين
-- عبود: القوميون العرب والناصريون خططوا لانقلاب عسكري
-- الاستخبارات المصرية تجند ضباطا داخل القوات المسلحة
-- "ليلة المتاريس"، ودور فاروق ابو عيسى
-------------------------
هجوم على السفارة الامريكية:
(تعليق: لا توجد وثائق اميركية تفصل الهجوم الذي وقع على السفارة الاميركية بعد عشرين يوما من الثورة. توجد اشارات هنا وهنا:
وقع الهجوم في اليوم التالي بعد "ليلة المتاريس." كان فاروق ابو عيسى، المحامي الشيوعي، ذهب الى دار الاذاعة في امدرمان، واصدر بيانا بان ضباطا في القوات المسلحة يخططون لانقلاب عسكري ضد الثورة. وان دبابات ومصفحات ستتحرك في الصباح الباكر. ودعا ابو عيسى الناس ليتظاهروا في الشوارع. وليضعوا متاريس، لمنع الدبابات والمصفحات. خاصة، عند الكباري، ودار الاذاعة. وهب الناس، ولبوا النداء. فعل ابو عيسى، واخرون معه، هذا بدون اخذ اذن من وزير الاعلام، خلف الله بابكر. والذي سارع، وذهب الى دار الاذاعة، واعلن انه لا توجد تحركات عسكرية. وطلب من الناس العودة الى منازلهم.
لكن، كان الحماس اشتعل مرة اخرى. ولم ينم بعض المتظاهرين، وزادت المظاهرات في اليوم التالي. واستهدفت "الاجانب":
اولا: السفارة الاميركية، لاتهامات بانها وراء محاولة الانقلاب بهدف اعادة نظام عبود الذي كانت تربطه علاقة ودية مع امريكا. وكان قادة هذا الهجوم يساريون وشيوعيون. كانت السفارة الاميركية في عمارة في شارع الجمهورية في وسط الخرطوم. حاصر المتظاهرون العمارة، وحاولوا دخولها. ولم ينجحوا بسبب وجود جنود اميركيون وشرطة سودانية. واستعملت الشرطة السودانية القنابل المسيلة للدموع. لكن، لم تستعمل بنادق، ولم يقتل شخص، وجرح البعض. ورفع متظاهرون اشخاصا وصلوا الى العلم الاميركي الذي كان في الطابق الثاني. وانزلوه، واحرقوه.
ثانيا: السفارة المصرية، لاتهامات بانها وراء محاولة انقلاب موال لمصر. وكان الفريق عبود اتهم ناصريين وقوميين عرب. واعتقل ضباطا موالين لمصر، من بينهم جعفر نميري. قاد هذا الهجوم تابعون للاخوان المسلمون، ولحزب الامة. هجم المتظاهرون على مبنى السفارة في غرب الخرطوم. ودخلوا المبنى، واحرقوا العلم المصري. واسقطوا رمز النسر المصري الذي كان معلقا في اعلى المبني. واحرقوا مكاتب، وجمعوا وثائق قالوا انها تثبت دور السفارة في محاولة الانقلاب الموالي لمصر.
ثالثا: منازل العاهرات "الاجنبيات الاثيوبيات"، لاتهامات بان الامبراطور هيلاسلاسي (كانت تربطه علاقة ودية مع الفريق عبود. وكان له دور في انقلاب عبود عام 1958) يشترك في محاولة الانقلاب العسكري لاعادة نظام عبود. وايضا، لاسباب اخلاقية، قادها اسلاميون ومتحمسون ضد العاهرات. استهدف هذا الهجوم منازل العاهرات في ديم الزهور، وديم كوريا، وامتداد الدرجة الثانية. ودافع رجال اثيوبيون عن العاهرات. وفي ديم الزهور، قتل اثيوبي سودانيا كان هجم على منزل اثيوبيات. وحول منازل عاهرات في حي الشهداء في امدرمان، وقعت اشتباكات بين سودانيين واثيوبيين، وقتل شرطي ورجلان.
(بعد ذلك بسنوات، صدر قانون منع الدعارة).
--------------------
استقالة عبود:
15-11-1964
من: السفير الامريكي
الى: وزير الخارجية
الموضوع: نهاية عهد الفريق عبود
" ... امس، انتهي رسميا حكم عسكري استمر ست سنوات في السودان، باستقالة الفريق ابراهيم عبود الذي كان قاد، في عام 1958، انقلابا عسكريا ضد حكومة ديمقراطية. وبعد مناورات منذ ان بدات الثورة قبل ثلاثة اسابيع، يبدو ان عبود اقتنع بقبول الامر الواقع. وكان الثوار وافقوا، كحل وسط، على ان يبقى عبود راسا للدولة، بينما يحكمون هم السودان، بواسطة مجلس وزراء من قادة الثورة بمختلف تيارتهم السياسية ...
رأينا:
اولا: ثورة، او غير ثورة، فقدنا صديقا في شرق افريقيا. زار الولايات المتحدة، واستضافه الرئيس كنيدي في البيت الابيض. وتعاون معنا في جوانب كثيرة من جوانب سياستنا في افريقيا. خاصة بالنسبة للحرب الاهلية في الكونغو (بين ثوار تابعين للزعيم المقتول باتريس لوممبا، وحكومة مويس تشومبي التي ايدتها امريكا، وعن طريق مجلس الامن، ذهبت الى الكونغو قوات دولية لحماية الحكومة) ...
ثانيا: لم يؤيدنا عبود في كل سياساتنا. حاول، بطريقته الخاصة، ان يتودد معنا، ومع غيرنا. زار دولا شيوعية في شرق اروبا. وعقد صفقات تجارية وعسكرية مع بعضها. وبنى له بعضهم مصانع عسكرية وغير عسكرية (مثلا: مصنع الذخيرة، وسلاح البحرية السوداني)
ثانيا: ثورة، او لا ثورة، كان عبود رمز استقرار استمر ست سنوات. لم يكن ديمقراطيا، لكنه كان حاكما فعالا. ونفذ مشاريع كثيرة (مثلا: مصانع السكر، الكرتون، الطماطم، اللالبان. وخزان الرصيرص، ومشروع المناقل، وخزان خشم القربة، مع تهجير سكان حلفا).
ثالثا: بطبيعة الحال، يظل السودانيون يبتهجون بالحرية التي حرموا منها لست سنوات. وبطبيعة الحال، يواجهون مشاكل الحرية، خاصة حرية جاءت فجأة. وخاصة في بلد فقير، وتعصف به خلافات قبلية. وخاصة الحرب الدموية القاسية بين الشماليين والجنوبيين، التي بلغ عمرها عشر سنوات تقريبا ...
رابعا: لهذا، مثلما حدث في دول اخرى في العالم الثالث شهدت ثورات شعبية ضد انظمة دكتاتورية او ملكية، مثل العراق قبل ست سنوات، يبدو ان دول العالم الثالث، بصورة عامة، تواجه مشاكل اثساسية في ترسيخ الحرية التي من اجلها قامت تلك الثورات الشعبية. الوقت مبكر للحكم على مستقبل السودان بعد ثورته الشعبية. لكن، يبدو انه لن يشهد استقرارا سياسيا، خاصة بسبب مشاكلة الاقتصادية والقبلية السالفة الذكر ..."
---------------------------
العلاقات مع مصر:
16-11-1964
من: السفير، الخرطوم
الى: وزير الخارجية
الموضوع: توتر في العلاقات بين السودان ومصر
" ... اذا كان هجوم السودانيين على مبنى السفارة المصرية في الخرطوم منظما او غير منظم، عبر عن غضب سوداني مدفون، عبر اجيال، تجاه الجارة في الشمال. رغم ان المصريين والبريطانيين اشتركوا في استعمار السودان لنصف قرن تقريبا، منذ مطلع القرن العشرين وحتى منتصفه، ظل السودانيون يضعون اعتبارا خاصا للمصريين. طبعا، بسبب الجوار، وايضا، بسبب الرابط الاسلامي والعربي.
ورغم اعتراف السودانيين بالتطورات والمؤسسات والمشاريع الحضارية التي زرعها البريطانيون في وطنهم، يرونهم، في نهاية المطاف، "خواجات"، وهذه كلمة محترمة بدلا من كلمة "كفار" ...
بالنسبة للمصريين، يحس السودانيون، خاصة الشماليون، في اعماقهم، بفضائل مصر عليهم: دينيا، وثقافيا، وحضاريا. لكن، يحس هؤلاء، وهم، اساسا، مجتمع بدوي طليق، بعدم الرغبة في الانصياع للغير. خاصة اذا جاء من دولة اجنبية، حتى اذا كانت جارة مسلمة وعربية ...
هذه الانطباعات اعتمادا على مقابلات مع عدد من المثقفين السودانيين.
لهذا، جاء الهجوم على السفارة المصرية دليلا على انه، ليس فقط المثقفين، ولكن، ايضا، عامة الناس، يشاركونهم حالة الحب والكراهية المتناقضة نحو جارتهم في الشمال ...
ومن المفارقات ان المصريين، وهم الذين لم يكونوا، سرا اذا ليس علنا، راضين عن تعاون الفريق عبود معنا، كانوا يقدرون على التحالف مع الثورة ضد عبود. وبالتالي يحققون هدفين:
اولا: كسب السودانيين، وربما تخفيض عدم الثقة التاريخي.
ثانيا: تحويل السودان نحو الطريق القومي العربي الذي يقوده الرئيس جمال عبد الناصر.
لكن، حدث الأتي:
اولا: رفض السودانيين التاريخي الاستعلاء المصري.
ثانيا: رفض المصريين التاريخي التخلى عن هذا الاستعلاء.
لكن، ليست هذه اول مرة تظهر فيها هذه المفارقات...
في عام 1958، قاد الفريق عبود انقلابا عسكريا ضد حكومة مدنية ديمقراطية بقيادة رئيس الوزراء عبد الله خليل، والذي كان صديقا لنا، وكانت علاقته متوترة مع المصريين. قال عبود انه يريد تحسين العلاقات مع المصريين. وفعلا، بدا بذلك. وقدم تنازلات للمصريين في مفاوضات لتقسيم ماء النيل. ووافق على ترحيل سكان في شمال السودان ليقدر المصريون على بناء السد العالي بدون اغراق هؤلاء السكان.
لكن، مثل قبله من رؤساء السودان، واجه عبود استعلاء مصريا، خفيا او علنا. وتدريجيا، صار صديقا لنا. ربما اكثر من عبد الله خليل ...
وها هي المفارقات تتكرر الأن: كان المصريون يقدرون على كسب السودانيين الذين ثاروا ضد صديقنا الفريق عبود. لكن، يبدو ان الحكم الجديد في السودان، قليلا قليلا، سيواجه الاستعلاء المصري ...
خلال الايام القليلة الماضية، نشرت صحف مصرية تعليقات على الثورة في السودان، اعتبرها كثير من السودانيين استعلاء. كتب محمد حسين هيكل، رئيس تحرير صحيفة "الاهرام" المصرية رايا اعتبر دليلا على هذا الاستعلاء. وكتب موسى صبري جرجس، رئيس تحرير صحيفة "الاخبار" تغطية للاحداث اعتبرت، ايضا، دليلا.
وكتب محمود السعدني، في مجلة "روز اليوسف" رايا جعل سودانيين يشتمونه عندما جاء، قبل ايام، الى الخرطوم لالقاء محاضرة في النادي العربي (النادي المصري). وبسبب هذا، الغيت المحاضرة في جو متوتر ربما لم يشهد له مثيل في علاقات البلدين، منذ النزاع حول الحدود (مشكلة حلايب) في عهد حكومة عبد الله خليل ...
في الجانب الاخر، وسط السودانيين، كتب بشير محمد سعيد، رئيس تحرير صحيفة "الايام"، وعبد الرحمن مختار، رئيس تحرير صحيفة "الصحافة"، ورحمي محمد سليمان، رئيس تحرير صحيف "الاخبار" الاسبوعية.
لم يدافع هؤلاء عن الهجوم على السفارة المصرية في الخرطوم. لكن، كما قال عنوان راي من ارائهم: "لم يكن اعتداء، ولكن كان عتابا." يوضح هذا ما اشرنا اليه سابقا عن احاسيس تاريخية عميقة بين هذين الشعبين الجارين ..."
-------------------------
(تعليق:
اشارت هذه الوثيقة الى راي محمد حسنين هيكل في صحيفة "الاهرام" عن ثورة اكتوبر. وتوجد وثيقة من السفارة الامريكية في القاهرة عن نفس الراي، وارسلت السفارة صورة منها الى السفارة الامريكية في الخرطوم.
وتحدثت الوثيقتان عن ما سمياته "الاستعلاء المصري" و "التدخل المصري."
هذه مقتطفات من الراي الذي كتبه هيكل، يوم 6-11-1964، تحت عنوان: "ثم ماذا بعد في السودان؟" (من موقع "سودانيات"):
----------------------
" ... إن موضوع السودان أحاطت به ، ولا تزال ، من وجهة النظر المصرية شحنة من الانفعالات العاطفية المتشابكة والمعقدة. ولقد آن الأوان لكى تتبدد هذه الشحنة برواسبها الداكنة، وأن تشرق على العلاقات بين البلدين شمس جديدة، بغير ضباب من رواسب الماضى وبقاياه.
لقد كان هناك دائماً فى السنوات الأخيرة تحرج فى التعرض لأحداث السودان.
كان موضوع السودان قد مر بأدوار مختلفة ومتناقضة:
- فى مطلع الوعى السياسى لجيلنا ، هذا الجيل فى مصر ، كان الحديث دائماً عن أسطورة، أو خرافة - السيادة المصرية على السودان ، يمثلها ، ويرمز لها : التاج الملكى المصرى.
ثم تطور الحديث إلى وحدة وادى النيل، فى الظروف التى تلت الحرب الكبرى الثانية والتى كانت فيها الثورة الوطنية العالمية من أجل الاستقلال تدق أبواب القارات بمطارق الفولاذ.
وعندما استقل السودان فى جو ملئ بالمناورات السياسية - وكان إعلان الاستقلال بواسطة الذين عاشوا حياتهم على شعار وحدة وادى النيل - بدا كما لو أن الشعب المصرى تلقى فى ظهره خنجراً.
وبدا كما لو كان الهرب وحده هو الطريق المفتوح.
ولسنوات ظهر وكأن مصر لا تريد أن تتحدث فى موضوع السودان ، ولا أن تسمع حديثاً عنه ، مع كل أمانيها الطيبة لأشقاء الجنوب.
كانت تلك كلها مواقف ، وردود فعل عاطفية ، نسيت الواقع وتاهت فى التصورات.
ولست أريد أن أدعى لنفسى ما ليس حقاً لى ، ولكنى أشعر بإيمان - ولقد أكون مخطئاً - بأنى واحد من الذين يستطيعون الكلام فى موضوع السودان بغير تحرج.
لقد كنت منذ أول علاقة مباشرة لى بالسودان - فى الأربعينات - من أنصار استقلال السودان فى وقت كان فيه الحديث - فى القاهرة - عن استقلال السودان شبه جريمة وطنية ، ولم أكن فى ذلك انفصالياً...
أذكر يوماً فى الخرطوم كنت أتحدث فيه مع السيد عبد الرحمن المهدى يرحمه الله. وكان مما قاله لى وقتها ، وبقى فى ذاكرتى إلى اليوم:
لماذا يغضبون فى مصر لأننا نتحدث مع الإنجليز فى أمر مصيرنا؟ أليسوا هم أيضاً يتحدثون مع الإنجليز فى مصيرهم ومصيرنا ؟
واستطرد السيد عبد الرحمن المهدى يقول لى:
ومع ذلك ، أريد أن أسألك: كيف جاءنا السيد الإنجليزى الى هنا ، فى الخرطوم ؟
ومضى يرد على سؤاله:
- جاءنا راكباً عربة مصرية ، تجرها جياد مصرية
ومع من كنت تريدنا أن نتكلم ؟
مع العربة ؟ أو مع الجياد التى تجرها ؟ أو مع السيد راكب العربة ؟
وأعترف أننى - يومها - أحسست بالجرح يغوص فى كبريائى ، ولكن إنكار الحقيقة لم يكن يجدى ، فلقد كان ما قاله المهدى تصويراً صحيحاً لعملية إعادة فتح السودان ، تحت قيادة "كتشنر" ! ...
(اليوم) الشعب السودانى دفع من ضريبة الدم ليتخلص من الحكم العسكرى بأكثر ما دفع من ضريبة الدم، ليتخلص من الإنجليز
ومع ذلك ، فإن التردد فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن توجيه ضربة القهر الكاملة إلى الشارع السودانى قد حقن دماً غزيراً.
لكن لون الدم كان يظلل الأفق كله انتظاراً للقرار الأخير.
وعندما كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد تغلب على تردده ، وقرر مساء يوم الاثنين الأسبق - والحاسم - أن يضرب بيَدٍ من حديد ، لم تكن الوحدة فى الجيش متماسكة. وجاءت مجموعة من الضباط إلى الفريق إبراهيم عبود ينقلون إليه رسالة من بضع مئات من ضباط الجيش ، تجمعوا فى نادى الطيران فى الخرطوم.
وقال حملة الرسالة - وبينهم الأمير آلاى إدريس عبد الله
- إن قسما كبيراً من ضباط الجيش ليسوا على استعداد لضرب الجماهير
وتطورت الحوادث إلى صيغة التوازن الدقيق والخطير ، الذى يحكم السودان الآن
- جيش لا تريد الأغلبية فيه أن تضرب الشعب ، لكن العناصر المؤثرة منه لم تقتنع بمبدأ عودة الجيش إلى ثكناته ، بمعناها الحقيقى.
- شارع حقق وحدة تلقائية فى لحظة نفسية ملائمة ، إزاء انقسام فى الجيش ومن ثم استطاع أن يتقدم فى شلل السلاح إلى الوزارة ، يضع فيها القيادات التى ظهرت بعد المواجهة الحاسمة وليس قبلها ، فى خليط من القوى التقليدية ، والقوى الجديدة.
لكن السؤال الحاسم يبقى يباشر إلحاحه:
- ثم ماذا بعد ؟ ...)
==================
الاسبوع القادم: اجتماع السفير الامريكي والصادق المهدي
[email protected] mailto:[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.