الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير الى مصر زيارة جيدة المضمون وينبغي تشجيع تبادل الزيارات بين دولتين تربطهما وشائج الدم والعقيدة والجوار والعلاقات الأفرو- عربية كما أن المصالح الدولية المتقاطعة تملي على الدولتين تعزيز وتطوير هذه العلاقات للمصلحة المتكافئة . ومع الرغبة الأكيدة في تطويرهذه العلاقات علينا أن نستلهم الدروس والعبر من التاريخ بعكس ما قاله نائب السفير السوداني لدي المانيا السفير خالد موسى دفع الله الذي اشار في برنامج قضايا سياسية في القناة التلفزيونية السودانية مؤخراً عن دور التاريخ. وحتى لا أنأى عن الموضوع الاساسي علينا أن ننظر الى تاريخ السودان مع مصر: أولاً لم يتعرض السودان لغزو خارجي الا من خلال مصر وأدى ذلك الى استعمار السودان مرتين على أقل تقدير كان آخرهما الحكم الثنائي حتى عام 1955م . وكان الهدف الاساسي الطمع في خيرات السودان من ذهب ومورد بشرية وتم توقيع اتفاقية بين السودان ومصر أوائل الستينات من القرن العشرين وبموجبها تم تهجير سكان وادي حلفا وهم يذرفون الدموع لإقامة سد أسوان وهكذا خسر السودان آثاراً كان من المكن أن تثري السياحة وتزيد من دخل البلاد على مر العصور.ثم جاء دور حلايب حيث تم ضمها الى مصر دون سابق إنذار ومع هذا نركض من أجل تطبيق الحريات الأربعة. علينا أن نتريث سياسياً والعمل لمعالجة قضايانا التالية قبل التفكير في الحريات الأربعة مع مصر: 1.ألسودان يعاني من نزاعات داخلية في جبال النوبة ودارفور والنيل الأزرق وقبل أن نتجه لفتح حدودنا مع مصر علينا معالجة قضايانا الداخلية وعندما نحل هذه المشاكل فبامكاننا تقرير مصير الحريات الأربعة. 2.لا يوجد تكافؤ في التنمية الصناعية الزراعية وسوف تغرق مصر أسواقنا ببضائعها في إطار الحريات الأربعة وبالتالي لن تكون هناك صناعية وطنية تذكر. 3.السودان به قوة بشرية وهمة المصريين أكبر من همتنا في العمل الجاد واذا ما تم فتح الباب على مصراعيه فسوف يقوم المصريون في مختلف قطاعات الحياة بالسيطرةعلى سوق العمالة وسوف تزداد الهجرة الوطنية الى الخارج باعداد كبيرة أو يصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية. 4.إذا أرادت مصر تطبيق الحريات الأربعة فعليها رد حلايب الى السودان كبادرة حسنة نية والا فكيف يطأ أحد قدمك ويطلب منك أن تضحك !. علينا أن نضع حلايب كخط أحمر للتكامل والا فلا داعي للتكامل. 5.السودان ملك للأجيال الحالية والمستقبلية وعلينا اتخاذ الحيطة والحذر من تعميق تطبيق الحريات الأربعة فقد يتسلم حزب سياسي آخر دفة الحكم ويرى عكس ذلك. وعلينا أخذ العبرة من تاريخنا القريب ( الاتحاد مع مصر والموقف المعارض لذلك قبيل الاستقلال). 5. لماذا نسرع الخطى لتطبيق الحريات الأربعة ولمصلحة من؟ بالطبع لمصلحة مصر في ظل الأوضاع الحالية لأن لديها كثافة سكانية مع ضيق في الأراضي الزراعية. 6.لماذ فشل الاتفاق بين مصر وسوريا ثم التقارب الثلاثي بين مصر وليبيا والسودان في عهود الرؤساء عبد الناصر والقذافي ونميري بالرغم من " مصر يا أخت بلادي يا شقيقة للكابلي .. ولقاء يوليو المجيد ...مايو البطولة وسبتمبر .... امجاد عروبة لمحد وردي.... ومصر المؤمنة للبرعي". على الساسة في السودان مراجعة التاريخ والاستفادة من عبره حتى لا ندخل في نزاعات مستقبلية مع مصر.... علينا أن نعلن بشجاعة أن الوقت غير مناسب للحريات الأربعة واذا كان هناك تكامل اقتصادي وسياسي فينبغي أن يكون وفقاً لميثاق السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي ( الكوميسا حيث أن مصر والسودان من ضمن الدول الأعضاء وهناك محكمة العدل التابعة للكوميسا ومقرها الخرطوم لتقنين التجارة والنظر في الخلافات التجارية بين الدول الاعضاء أما حالياً فلا توجد محكمة تحكم العلاقات التجارية بين البلدين. إن حق التملك سيثير قضايا اراضي مستقبلية وحالياً هناك احتكار في بعض مناطق السودان لأراضي حتى ضد أبناء الوطن الواحد بحجة وجود خام ذهب أو بترول فما بالكم بمواطن غير سوداني. إن العلاقات السودانية المصرية حالياً عبارة عن صراع بين متسابق أعرج وآخر سليم والنتيجة حتمية سلفاً لصالح سليم البدن. يمكن أن تكون هناك أخطاء بين الأفراد أما في حق الوطن فانها فادحة ويكفي خسران جنوب السودان ووادي حلفا وحلايب في هذا الصدد ويجب ألا نخسر المزيد في سبيل تكامل غير متكافئ بين بلدين أو له قيمة مضافة.