لماذا تخدعنا ؟ يا سيادة النائب مصطفى بكرى ؟ لا أنكر اننى انتمى إلى جيل شب ومنذ نعومة أظافرة ليجد جوا مشحونا بالقومية العربية وشعارات تملأ الدنيا وتنادى بوحدة الأمة والأرض من المحيط إلى الخليج ، هتفنا للوحدة وصفقنا لناصر حتى في لحظات الهزيمة ، جيل حلم بالإفطار في نواكشوط والرباط ليتعشى في الرياض أو دمشق لينام في بيروت ، كنا نؤمن إيمان العواجيز بحتمية الانتصار على الصهيونية والصلاة في القدس الشريف بعد الانتصار في معركة التحرير .جيل يملئه الحماس حينما يستمع لكوكب الشرق بأغانيها التي تمجد القتال والاستشهاد في جبهات النضال ؛ جيل يتمايل طربا لاغاني عبد الكريم الكابلى (أسيا وأفريقيا ) ويبلغ الطرب أوجه حينما يغرد كابلى قائلا (مصر يا أخت بلادي يا شقيقة) حتى يصل إلى المواجع حين يقول كلنا في الهم والآمال شرق يا دمشق ) كما نطرب لشيخنا البرعى طيب الله ثراه في مدحه للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في قصيدته مصر المؤمنة بأهل الله .تعلمنا إن امة العرب جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، لم أكن وحدي ممن يحملون تلك القناعان بل شاركني آخرون وان ظلت عند بعضهم مكبوتة في دواخلهم لم يفصحوا عنها أو لم تحن فرصة التعبير عما يختلج في دواخلهم بعد ، ولى ولمثلي العذر أن بدلوا قناعاتهم فالطريق قد أصبح معبدا ، بالأمس القريب خرج الأستاذ /مصطفى بكرى من عباءتة القومية ليلبس ثوبا إقليميا ضيقا بعد تداعيات مباراة كرة القدم التي جمعت بين مصر ولجزائر ، ليس ضيقا فقط بل أضاف إليه زركشة إقليمية مكشرا عن أنياب بث من خلالها سموما في شعب الجزائر وكان جميع الجزائريين قد لعبوا ضد فريقه وان كل الجزائريين كبيرهم وصغيرهم سواء . ولم يتوقف عند الجزائريين وحدهم بل حول مدفعه المفكوك صوب السودان في حرب شاملة بلا هوادة ، أن كان ما سمعته نقلا عن صحيفة لظننت أنها كذبة ابريل أو محاولة لتشويه صورة هذا القطب الناصري الكبير . ولكن ما لم يترك لي لحظة شك هو الصوت والصورة والتي أعقبها بمقال لماذا يكرهوننا ؟ المقال الذي تحول إلى محور اساسى وموضوع رئيسي في قناة النايل اسبورت الفضائية المصرية والتي تحولت بقدرة قادر من قناة رياضية إلى قناة سياسية حربية . نعم حربية دبلجت أحداثا ووقائع لا تمت للخرطوم بصلة من بعيد أو قريب ، واتت بشهود على شاكلة مسرحية الفنان عادل إمام ( شاهد ما شافش حاجة ) وإذا قلنا أن هذه القناة تعمل على الدخول للسوق السوداء من بوابة البروبقاندا والصحف الصفراء لان الخط الذي اختطته لنفسها لا يدر عليها مالا لأنها لا تستطيع أن تنافس الجزيرة الرياضية والاى- أر- تى ولا قنوات أخرى عالمية وأوربية أوجدت لنفسها حضورا وجمهورا عبر برامجها الهادفة .وقد نجد العذر للقناة التي انحرفت عن مسارها ، بفعل جهة لا نعلمها ولكن الحيثيات تشير إلى أن جهة ما لها مصلحة في إبعاد مصر عن محيطها العربي والقومي تعمل لها هذه القناة . ماذا دهى القطب الناصري وما دفعه للوقوع في براثن الإقليمية ، أم أن القومية العربية لم يعد لها بريقها واكتفى بها لبلوغه هدفه للوصول إلى مجلس الشعب .لماذا يخدعنا طيلة الفترات السابقة ويوهمنا بأنه من أبناء ناصر وان الناصرية والقومية العربية هدف ومصير وتجرى في عروقه مجرى الدم ! ماذا سيقول مصطفى بكرى لإخوته من الناصريين المنتشرون في أرجاء الوطن العربي (في الجزائر والمغرب والسودان واليمن ؟ هل سيقول لهم أنها ذلة لسان أم أن وجودة كنائب في مجلس الشعب يفرض عليه ذلك ؟ أم أن ما أثير لمصطفى بكرى أخر . عملا بالقول الشائع (يخلق من الشبه أربعين ) بقدر دهشتي وحيرتي أحس بالشفقة على رجل باع المبادىء والقيم بلا مقابل وانجرف في زفة بلا مولد وخوفي أن يخرج منه بلا حمص ، لان المنطق والعقل يقول أن من أمثاله يحكمون صوت العقل ويوزنون الأمور بموازين دقيقة ، وكنت أتصور لا سمح الله أن تلبدت الغيوم بين الأشقاء في مصر والجزائر .بفعل الحملات الإعلامية التي استغلت الحدث أسوأ استغلال ،حينها يصبح لزاما على القوميين التحرك لإعادة المياه إلى مجاريها ، ولكن أين هم إذا كان احد رموزهم وشيوخهم يضرب على دف الحرب ، عجبا انه زمن المتناقضات والتبدل ولا شماتة فقد دخل القوميون العرب في موقف لا يحسدون عليه ، فكيف يردون على مسلك احد رموزهم الذي اظهر وفى وضح النهار اقليميتة .وكفره الصريح بالقومية العربية بانحيازه لمصريته وبتطرف لا تشوبه شائبة ! لماذا تخدعنا طيلة تلك العقود ؟ ولم نشك يوما في أن ما تطرحه وتكتبه هو مجرد كلام معسول أو انه مجرد كلام للاستهلاك السياسي ، هل نقول وداعا أيها الرجل لك وللناصرية جمعاء ! ، هل قبرت الناصرية مع عبد الناصر ولم يعد لها وجود لأنها لم توجد فكرا بل رموزا وشعارات لا ترقى إلى مستوى الفكر الايدلوجى . فإذا قلنا تجربة الاتحاد الاشتراكي فهي منقولة من تجربة (تيتو) اليوغسلافية ولم يعد لها وجودا لا في مصر ولا يوغسلافيا موطنها الاصلى . أما الأستاذ / إبراهيم حجازي الذي اعتقد أن الكذب واشانة سمعة الشعوب سيرفعه إلى أعلى درجات سلم المجد ونسى إن المهنية والاحتراف يفرضان عليه تحرى الدقة والصدق وهما وحدهما من يوصلانه إلى ما يصبوا إليه من مجد ، وان دائرة الضوء التي اختارها عنوانا لبرنامجه تحتم عليه العمل في الضوء والبحث عن الحقيقة . إن الكذب البواح لا يتناسب على الإطلاق مع مهنته ولا سنة ، ونطرح عليه سؤالا ماذا سيستفيد هو وأحفاده من بعده من تازيم العلاقات بين شعبه والجزائر أو السودان ؟ وماذا جنى بعد أن أصبح شخص غير مرحبا به في البلدين ؟ وأصبحت قناته وبرنامجه في قطيعة مع ملايين العرب .ولا اعتقد أن هنالك دولة أو مؤسسة ستقبل التعامل مع هذه القناة المثيرة للفتنة والجدل والتي أصبحت سوقا لترويج الكراهية .وإذا أردت أن تجرب اذهب لزيارة تلك البلدان لتكتشف كيف أصبحت . أنى ناصحك بأن تعمل على إصلاح ما أفسدته بيدك وتعتذر للشعوب التي رميتها بغير جريرة . علها تصفح عنك والا انك ستكون مروجا أساسيا لتسويق كراهية المصريين ! فالفتنة نائمة لعن الله من أيقظها .فقد فتحت ملفات كان من الممكن أن تسقط بالتقادم ويتم نسيانها من اجل مستقبل مشرق ولا نخفى عنك شيئا لقد أثار استهدافك لشعبنا مخاوفنا ، ودفعنا لمراجعة حساباتنا إذ لا يعقل أن يهاجم شخصا من أكرموه وأحسنوا معاملته من لحظة وصوله حتى مغادرته . فلم يقابل الإحسان إحسانا ، ففجر براكين غضبه بفعل الهزيمة والهستيريا والتي لم نكن طرفا فيها غير ضيافتنا ، فهل الاستضافة تجلب لنا كل هذه المتاعب والقرف ، لم يعد أمر الكفر بالعروبة والقومية العربية بجديد فقد كفر بها رموزها .ولا جرم أن نتحول إلى قطريين ونعلنها صراحة مصر للمصريين والسودان للسودانيين وليكن جوارا بلا إزعاج وبلا متاعب . كما يريد حجازي وصحبه فان عدتم عدنا والعود احمد يحيى العمدة- كاتب وصحفي سوداني Yahia Yousif [[email protected]]