صحيح أنه مع مرور الذكرى ال18 لما عُرف في السودان بأحداث الرابع من رمضان أو الانشقاق الشهير في أوساط السلطة الحاكمة في السودان إلى حزبين المؤتمر الوطني بزعامة الرئيس عمر البشير، والمؤتمر الشعبي بزعامة الراحل حسن الترابي؛ أن الهيمنة والسلطة آلت إلى البشير، إلا أن هموما ومشاكل عدة - خارجيا وداخليا - تُمسك بتلابيب الحكومة. فدارفور تشتعل من جديد وتمور بالصراع العبثي، وفي الشمال تصاعدت الخلافات مع الجارة مصر لتصل إلى نقطة حرجة، لدرجة أن يلمّح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بتوجيه ضربات عسكرية في العمق السوداني بدعوى مكافحة الإرهاب وهي الحجة التي أصبحت محل مزايدة لدى كثير من الدول. لعل المفاصلة بين البشير والترابي التي حدثت لم تزدها تلك السنوات إلا غموضا، فالجدال اليوم يحتدم حول حقيقة تلك الأحداث. فالترابي رحمه الله مرشد النظام في الخرطوم، كان ذلك السياسي الغامض الذي لا يمكن أن يعرف أقرب الأقربين له فيمَ يفكر.. المخابرات المصرية بكل جبروتها وإلمامها الكامل بالملف السوداني لم تستطع التعرف على هوية انقلاب البشير في يونيو 1989. وبينما ذهب البشير إلى القصر حاكما ذهب الترابي إلى السجن حبيسا، ضمن خطة محكمة متفق عليها. واليوم وقد عاد المؤتمر الشعبي إلى حضن المؤتمر الوطني مواليا ومشاركا في الحكومة الجديدة، ثارت الظنون والشكوك بأن الأمر - أي المفاصلة - لم تكن إلا مسرحية اقتضتها ظروف بعينها. وبعيدا عن فرضية المسرحية فإن البعض ينظر إلى البشير باعتباره الرجل الذي تمكن من إدارة كل الأزمات لصالح بقائه في السلطة. وبدلا من أن تستخدم الحركة الإسلامية بزعامة الترابي، ضابط المظلات عمر البشير للوصول للسلطة، فإن الرجل استخدم الحركة للبقاء في السلطة وتثبيت أركان حكمه. ومثلما كان الغموض مصدر قوة الترابي، فإن البساطة كانت مصدر قوة البشير فالرجل يبدو وكأنه يسهل المكر عليه لكنّ في أثوابه على ما يبدو أسدا هصورا. فغريمه يفاجأ دائما بقدرته على التخلص من المنافسين والطامعين في كرسي الرئاسة الذي يشغله منذ 28 عاما. اليوم وقد انطوى حزب الترابي بكامله تحت جناح البشير وحزبه المؤتمر الوطني، فإن مصر يزداد قلقها ناحية السودان فتثور الهواجس والخواطر في عقلها الحاكم دوامات ورياحا ومطرا. وإن كانت الحكومة الجديدة التي شُكلّت الشهر الماضي تضم عشرات الأحزاب فإن حزب الترابي يعتبر أقواها وأكثرها تأثيرا في دائرة اتخاذ القرار وذلك يرفع تلقائيا النشاط الاستخباري المصري في السودان باعتباره كيانا معاديا. وهذا يشكل ضغطا كبيرا على حكومة الخرطوم التي سعت جاهدة لأن تكون علاقتها بالجوار علاقة صداقة وتعاون؛ لأن المعارضات قد تجد بيئة حاضنة في الجوار بسبب سوء العلاقات مع الخرطوم. ودارفور التي قد تكون معيارا بالنسبة لواشنطن التي يفترض أن تتخذ قرارا نهائيا بشأن العقوبات الأمريكية على السودان والتي رفعت جزئيا يناير الماضي على أن يتم تقويم مدى التزام الخرطوم بشروط رفع العقوبات كليا خلال 6 أشهر. ونتيجة لتصاعد وتيرة العمليات العسكرية في دارفور خلال الأسبوعين الماضيين أصدرت مجموعة الترويكا (الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة والنرويج) والاتحاد الأوروبي بيانا يدعو حكومة السودان والحركات المسلحة الدارفورية إلى إظهار ضبط النفس والعودة إلى المفاوضات بشأن وقف الأعمال القتالية. وبينما تقول الخرطوم إنها تحارب تمردا جاء هذه المرة مدعوما من مصر ودولة جنوب السودان؛ فإن بيان الترويكا والاتحاد الأوروبي ساوى في بيانه بين طرفي الصراع في اللوم قائلا إن الحلول العسكرية لم تؤد إلا إلى دمار للسكان المدنيين. مضيفا أنه ينبغي لجميع الأطراف أن تحترم القانون الإنساني الدولي على وجه الخصوص المعاملة الإنسانية لأسرى الحرب وتجنب أي انتقام ضد المدنيين. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.