تقول صديقتي إن الخذلان رجل! ويقول صديقي إنه امرأة؛ وأقول أنا إن الخذلان شيء آخر؛ لا علاقة له بضمائر التأنيث أو التذكير. هو ضمير مستتر تقدريه كلمة "توقع"! فنحن لانُخذل حينما يخذلنا أحد؛ وإنما نُخذل حينما يخذلنا توقعنا تجاه أحد هم!. فعادة عندما نلج إلى عوالم الحب ودهاليزه؛ مهيئين افراحنا، ومشرعين النوافذ أمام توقعاتنا التي غالبا ما نُلونها بألوان وردية؛ تبقينا دائما في دائرة الأمان العاطفي؛ ذلك الأمان الذي نحتاجه لنطمئن أنفسنا بأن الأمر يمضي على ما يرام؛ وأن القصة ستنتهي كما في الروايات والأفلام الهندية: نهاية سعيدة بأن يتزوج البطل من البطلة. إلا أننا؛ وفي خضم توقعاتنا؛ ننسى أو نتناسى أن الواقع لا يمت للأفلام أو الروايات التي قرائنها بصلة؛ فهو أعقد مما يعتقد المحبين بكثير؛ وقصصه لا تنتهي بنهايات سعيدة؛ بل بخذلان مبين. في حالة انهيار مبنى الحب؛ من الصعوبة بمكان أن نحدد من الذي خُذِل، ومن المخذول! فعادة ما يتمسك كل طرف بمواقفه؛ ويحاول أن يجد تبريرات كافية تجعل منه الضحية. فدور الضحية من الأدوار التى تغري المحبين، وكل طرف يحاول أن يقص القصة من طرفه هو؛ بطريقة تجعل منه الضحية المصابة بطعنة الخذلان المبينة. وعلى الرغم من تباري المحبين لتمثيل دور المخذول الذي وقع عليه فعل الخذلان لحفظ ما قلوبهم؛ إلا أن ثمة حقيقة تظل غائبة عن طرفي العلاقة؛ ففي غالب الأحيان يكون الخذلان من طرف ثالث؛ إلا أنه طرف أصيل في العلاقة؛ وهو التوقع!.س فعندما (نصاب) بالحب؛ لا نحد من توقعاتنا؛ بل نترك لها الباب واسعا، ونجعلها تصور لنا من نحب بعين التمني؛ فترسم صورة غير واقعية للشخص؛ فيبدو أحيانا شخصية أقرب لشخصيات ورقية، هاربة من رواية. شخصيات لها قدرات "اسبايدرمان" الذي يستطيع أن يقهر كل الصعاب التي تحيط بالعلاقة؛ إلا أننا؛ وفي أول امتحان حقيقي؛ نجد أنفسنا نشرب من كأس الخذلان، وفي هذه الحالة لا يكون من نحب هو المسؤول عما وصلنا إليه؛ لكن التوقع هو السبب. فالخاذل هنا لايعدو أن يكون ضحية توقع، لم يجد له كابح يكبح من تماديه في رسم صورة مشتهاة للحبيب؛ بموصفات متخيلة، لاتمت للواقع بصلة، فبعض المحبين يسجنون أحبائهم داخل سجون توقعاتهم، ومن ثم يقومون بافتراض أنه إذا حدث كذا فأن ردة فعل الحبيب ستكون كذا؛ بناء على توقعاتهم وليس على الواقع؛ فتكون النتيجة خذلان مبين. لذا قبل أن نصوب سهام الاتهام نحو من نحب؛ بأنه خذلنا خذلانا مبين؛ علينا فقط أن نواجه أنفسنا بسؤال بسيط: هل خذلنا هو أم خذلنا توقعنا تجاهه. البعض يتنازل عنك.. كمن يتنازل عن روحه والبعض يتنازل عنك كما ينزل عن (حذائه) وكله خذلان. حاجة أخيرة في الحب الخاذل والمخذول سواء.