تعبير “الزلزال" الذي استخدمه نتنياهو لوصف الثورات العربية كان دقيقاً، لأنه يتعلق مباشرة بمستقبل موقع “إسرائيل" العسكري - الاستراتيجي والثقافي - الإيديولوجي في الشرق الأوسط . فطالما أنه كان ثمة سلام مع مصر والأردن، سواء أكان بارداً أم ساخناً، وطالما أن سوريا عاجزة عن القيام بعمل عسكري مباشر ضد “إسرائيل" بفعل الترتيبات الإقليمية الجديدة، فإن أمن “إسرائيل" كان في أفضل حال . صحيح أن بروز إيران كقوة إقليمية وتقديمها يد العون إلى حزب الله وحماس على حدود “إسرائيل" الشمالية والغربية، ناهيك عن سعيها لكسر احتكار الدولة الصهيونية للسلاح النووي، عقّد الصورة الأمنية “الإسرائيلية" في السنوات القليلة الماضية، إلا أن إيران كانت محاصرة برفض بعض الأنظمة العربية لها في داخل الشرق الأوسط وبالحصار الغربي الشامل خارجه، الأمر الذي مكّن تل أبيب من إبرام حلف غير معلن مع هذا البعض . أساس هذا التحالف، أو “الهندسة الأمنية"، وجوهرته الثمينة كان السلام بين مصر و"إسرائيل" . وأساس هذا السلام وهذا الرفض العربي لنظام التطرف الإسلامي، كان نظام الرئيس حسني مبارك . فهو كان “المستبد الذي حافظ على هذه الهندسة"، على حد تعبير “نيو ربابليكان" الأمريكية . وبالتالي، كان من الطبيعي أن تشعر “تل أبيب" بالقشعريرة وهي ترى نظام مبارك ينهار خلال أيام معدودات . وعلى الرغم من أن القيادة العسكرية التي استلمت السلطة في مصر مابعد مبارك، أكدت تمسّكها بمعاهدة السلام مع “إسرائيل"، إلا أن أي نظام ديمقراطي جديد في مصر لن يتعامل مع هذه المعاهدة كما فعل نظام مبارك: أي بوصفها أساس الهندسة الأمنية الإقليمية وقاعدتها في الشرق الأوسط . العكس سيكون صحيحاً، حيث ستتحرك مصر لاستعادة موقع الزعامة في المنطقة العربية حتى في ظل معاهدة السلام، وهذا سيجعلها على طرفي نقيض مع كلٍ من السياسة الخارجية ونظرية الأمن “الإسرائيليتين" . وهذا التطور سيكون رجع صدى للموقف التركي الجديد (العثمانية الجديدة) في الشرق الأوسط . فتركيا جمّدت عملياً تحالفها الاستراتيجي مع “إسرائيل" وانحازت إلى القضايا العربية، من دون أن تغادر حلف الأطلسي أو تفك تحالفها مع الولاياتالمتحدة أو ارتباطها مع الاتحاد الأوروبي . والأرجح أن هذا بالتحديد ما ستفعله مصر ما بعد مبارك . المصدر: الخليج 8/3/2011