يفترض من الثورات ان تأتي بالبدائل النقيضة للواقع الذي تسبب في افتعالها، لكن للأسف أن ثورات 2011 في عالمنا العربي حتى يومنا هذا لم تأت الا بالفوضى وافساح المجال أمام المتربصين للاختراق والتنفّذ، فهؤلاء المحتجون يعرفون ما لا يريدون لكنهم لا يعرفون ماذا يريدون! فتونس ومصر لم تقفا على البديل وسط انشغال الفرقاء بتنازع الغنائم وتوزيع الادوار، بل صارت كل منهما ساحة مفتوحة لأصحاب المشاريع السياسية المشبوهة، واكبر دليل اكتشاف الامن المصري الدبلوماسي الايراني المتورط في تكوين خلايا تجسسية مع بداية استئناف العلاقات المصرية الايرانية بعد انقطاع دام 30 عاما. وقياسا على الحالة البحرينية فإن اكثر ما امتاز به المحتجون هو الدهاء، لقد استعانوا بكلمة جذابة هي «المطالب» لتكون الارضية المناسبة للمضي في مخططاتهم والغطاء الذي يسترهم، فكلمة مطالب ما عليك الا ان تقولها حتى تجد تأثيرها تمكّن من المتعطل والمتسرب من التعليم والشخص الذي يتضاءل الامل امام عينه في تحسين ظروفه المعيشية ولا يجد ليأسه شماعة غير الوالدين او الدولة؟! اما عن اللاعبين على الارضية المختارة فهم اولئك الناس المغبونون الذين مورس عليهم الشحن في لحظة الانكسار النفسي. فجعلوهم ناقمين حتى على حياتهم لا الوطن فحسب الذي تربوا بين احضانه. لكن دهاء المحتجين في اختيار الارضية واللاعبين لم يسعفهم للوصول الى مبتغاهم، فالنظام بلا شك ادرك طريقة التعامل المثلى مستفيدا من تجربة التسعينيات، وعلى المحتجين ايضا ان يتنبهوا إلى هذه الحقيقة فسياسة الشحن والتأجيج وصدام الشوارع لم تعد تجدي وتنفع حتى لو اتخذت اكثر من قالب، تارة بشكل خطاب جماهيري وتارة اخرى مواكب ومسيرات. فالصدام الامني المتكرر مع محبي الصدام ومفتعليه لن يجنى منه الا الدمار، وبالتالي لا مخرج سوى الحوار والوصول الى صيغة توافقية لحل كل الملفات العالقة. فالغالبية العظمى من الشعب لا تريد الوصول الى طريق مسدود وهي اول من سيقف حائط صد أمام من عشق رائحة الكبريت وأزكمت أنفه. تجربة الحوار هذه المرة سيكتب لها النجاح بإذن الله مع وجود الارادة الشعبية للمضي في المشروع الاصلاحي للمملكة. اما المحتجون فيا حبذا منهم مراجعة مواقفهم والمشاركة في الحوار. فكفاكم ترديدا للشعارات المستعطفة لإدرار الدموع وانتم حتى هذه اللحظة لم تأتوا ببدائل أفضل من البرامج والمشاريع التي ترفد جهود التنمية، بل ان كل ما جئتم به وأذقتمونا مرارته هو ضروب التطرف وشل البلد. وقبل ان يفوتني التنويه إلى ان شعب البحرين زاد نضجه ووعيه فهو الان اكثر تمسكا بوحدته وترميم نسيجه المجتمعي ويفرق جيدا بين ناس تبنت مشروعا سياسيا له مآرب ومقاصد، وبين ناس انصهرت معهم حتى النسب فلا يمكن لكائن من كان أن يفرق بين الاحباب والاصدقاء والجيران وبين مكونين كالتوأم السيامي يصعب فصلهما. اللهم احفظ اهل البحرين وأبعد عنهم الفتن ما بطن منها وما ظهر. المصدرك أخبار الخليج 13/6/2011