افتتح في الأسبوع الماضي في الدوحة مؤتمر إقليمي حول " المحكمة الجنائية الدولية " وقد خاطب سمو الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني المؤتمر بكلمة أكد فيها سموه دعوة المحكمة إلى " قمع جرائم العدوان، والإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية " وأشار سموه إلى أن المحكمة وقفت عاجزة أمام الجرائم التي ارتكبت من قبل إسرائيل وجيشها ضد المدنيين في قطاع غزة.وراح سموه يؤكد على أن الحيدة والمساواة أمام القانون والمحاكمة المنصفة مقومات أساسية للعدالة، ولكي يكون هناك عدالة ومساواة أمام القانون الدولي فلابد من الحد من سلطات مجلس الأمن الدولي في شأن تفعيل أو إيقاف عمل المحكمة، إن تلك الاختصاصات للمجلس تتنافى مع استقلالية المحكمة في أداء مهامها كما قال بذلك سمو الأمير في خطابه آنف الذكر. لقد أكد سمو الأمير على أن محكمة الجنايات الدولية تعد أحد أهم إنجازات المجتمع الدولي على طريق تحقيق العدالة الناجزة التي لا اعتبار فيها للقومية أو الإثنية أو الدين والتي ستكون سندا أساسيا لارتقاء المجتمع الدولي والحضارة الإنسانية. والحق أن ما قاله سمو الأمير هو عين الصواب، ولكني أستغرب من بعض المواقف العربية في المؤتمر الداعية إلى انضمام الدول العربية فرادى ومجتمعة إلى اتفاقية روما ذات الصلة بهذه المحكمة وهم يعلمون أن الكثير من الدول الكبرى لم تنضم إلى هذه الاتفاقية حماية لقادتها وأفراد شعبها من الوقوع تحت طائلة المحكمة الجنائية الدولية، وراح الصديق العزيز الدكتور علي المري النائب العام يدعو الدول العربية إلى الانضمام إلى تلك المعاهدة "و يجب على الدول العربية عدم الاكتراث بمواقف الدول الكبرى في هذا الشأن " ويؤكد القول بأن على الدول العربية أن تنظر لمصالحها في وجود قانون قوي وعدالة دولية لا تميز، ولا تكيل بمكيالين، وهو ما سيخدم العالم العربي شريطة ألا تمارس المحكمة الكيل بمكيالين. وشتان بين القول والعمل فهذه المحكمة تخضع لقرارات مجلس الأمن الدولي وهو الذي يحيل إليها القضايا للنظر في أمرها، وهو الذي يعفي المحكمة من الاستمرار في نظر القضية المحالة إليها من قبل المجلس، إذا نحن أمام قضاء لا استقلالية له، ولا حيادية وليس له ولاية إجبارية، كما أن الدول الفاعلة في المجتمع الدولي عفت نفسها من الانضمام إلى تلك المعاهدة ورفضت إدراج جريمة العدوان كجريمة معترف بها لأنها هي التي تقوم بكل أصناف العدوان، فالحصار الاقتصادي لأي دولة من دول العالم هو شكل من أشكال العدوان، وتجميد أموال الدول في حالة الخصام السياسي يعتبر عدوانا، كما أن تلك الدول رفضت أي نص يقضي بتحريم استخدام جميع أنواع أسلحة التدمير الشامل بما في ذلك التسلح النووي لأنها هي المصنع لتلك الأسلحة الفتاكة ولأنها أو حلفاءها هم الذين أمعنوا في استخدام أسلحة الدمار الشامل على المدنيين كما حدث في العراق وفلسطين المحتلةوأفغانستان وفيتنام وأماكن أخرى من العالم. إذا نحن أمام قضاء غير نزيه تحميه وتكيف مسائله الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. عند النظر في الممارسة الفعلية لمحكمة الجنايات الدولية نجد أن القضايا التي تنظرها تلك المحكمة هي قضايا تتعلق بالسودان وملاحقة رئيس الجمهورية السوداني، واغتيال رفيق الحريري في لبنان وكذلك ليبيا والكنغو وأوغندا وإفريقيا الوسطى وكينيا، وحتى الآن قيد الدرس الوضع في أفغانستان وجورجيا وغينيا وكولومبيا وهندوراس ونيجيريا كما قال بذلك رئيس المحكمة الجنائية الدولية أمام المؤتمر. والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا عن الجرائم المرتكبة ضد الإنسان العراقي إبان الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق، ماذا عن جرائم الحرب التي استخدمت في العراق بما في ذلك الأسلحة الكيماوية واليورانيوم الأمر الذي أنجب جيلا من الأطفال المشوهين ويقشعر بدن الإنسان من النظر إلى أولئك الأطفال لبشاعة تشوههم؟ هل استطاعت هذه المحكمة ومدعيها أن تجلب رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي، وجورج بوش الابن الرئيس السابق للولايات المتحدةالأمريكية وغيرهما من مجرمي الحرب في العراق إلى ساحة العدالة الدولية؟ نحن ندين الجرائم المرتكبة ضد سكان دارفور في السودان ونطالب بالقصاص من مرتكبيها ولكن هل نسكت عن تلك الجرائم المرتكبة في العراق وفلسطين لأن أمريكا هي المجرم في العراق وإسرائيل المجرم في فلسطين؟ نعم سيادة النائب العام الدكتور علي بن فطيس المري المحكمة الجنائية الدولية تمارس الانتقائية في القضايا واختيار من تحاكم ومن لا تحاكم، وأنها لا تتمتع بالاستقلالية وكأنها شكلت من أجل ملاحقة زعماء العالم الثالث فقط تحت مظلة العدالة الدولية الوهمية. آخر القول: نريد قضاء دوليا مستقلا ونزيها لا سلطان عليه من أي طرف كان، نريد قضاء عربيا نزيها وفعالا ومستقلا لا قضاء خاضعا لسلطان أو مزاج حاكم، وآخر الدعاء: يارب لا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا. المصدر: الشرق القطرية 28/6/2011