القاعدة الفيزيائية تقول : (ان لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه)، هذه القاعدة تجسدت في فعل حكومة جنوب السودان بقرارها المفاجئ والأحادى بإعلان عملتها الجديدة (الجنيه) والبدء في استبدالها، وردة الفعل من حكومة السودان بقرار مماثل بالاعلان عن عملة جديدة تحمل ذات الاسم (الجنيه) وجاهزة او قابلة للتداول فوراً، لكن هذا الفعل ورد الفعل لديه مخاطر اقتصادية كبيرة على الدولتين والمواطنين لاسيما وان العملة خلافاً لانها تعبر عن السيادة، فانها تحكم النشاط الاقتصادى، وتحكم حياة الناس في الانتاج والتسويق وجميع التعاملات، كما ان تغيير او استبدال العملة في الغالب يكون لاسباب سياسية او اقتصادية او الاثنين معاً، وبالتالي يكون الفعل له ما يبرره، ولكن يبدو ان فعل حكومة الجنوب المفاجئ بإعلان عملتها يحمل رسائل سياسية تستخدم في كروت اقتصادية ذات مخاطر اقتصادية عديدة لتحقيق اهداف سياسية واقتصادية في مقدمتها احداث ربكة اقتصادية وارسال رسائل اخرى بانها (أى حكومة السودان الجنوبي) تمتلك الكثير لإرباك السودان الدولة (الام) ليس فقط بايواء الحركات المسلحة الدارفورية أوالقضايا العالقة في أبيي وجنوب كردفان والنيل الازرق التي اكد سلفا كير في احتفال ميلاد الدولة الجديدة بأنه لن ينساها ويتألم كما تتألم تلك المناطق، ويبدو انها تلوح بمفاجآت أخرى قادمات في مسار القضايا العالقة خاصة تلك الاقتصادية، وبالتالي جاءت ردة فعل حكومة السودان عبر اعلان محافظ بنك السودان عن العملة الجديدة، والبداية في استبدالها فوراًً بنفس القيمة الحالية للجنيه، بل هدد المحافظ بقرارات اخرى اذا لم تتعاون حكومة السودان الجنوبي بشأن استبدال العملة القديمة بالجديدة، وقد تتحول التهديدات الى قرارات بإلغاء التعامل بالعملة خارج حدود الدولة السودانية، لتصبح العملة المتداولة الآن بالدولة الجديدة غير مبرئة للذمة. وفي الاثناء حذر خبراء الاقتصاد من تأثيرات القرار المفاجئ لتغيير العملة، وكذلك التأخر في استبدال العملة خاصة تلك الموجودة بالجنوب من ان تؤثر على الاقتصاد الوطني بتهيئة المناخ لتزوير العملة والمضاربات وزيادة تهريب السلع والخدمات عبر الحدود او زيادة اسعار صرف العملات الاجنبية، وتفاقم ظاهرة غسيل الاموال، فضلاً عن ارتفاع معدلات التضخم، وطالب الخبراء الحكومة بالبدء فوراً في استبدال العملة، والغاء العملات خارج الحدود والسيطرة على الحدود لمنع تهريب السلع، بجانب التحوط لاية مفاجآت قادمة من حكومة الجنوب التي قالوا ان تصرفاتها اثبتت فقدانها للمصداقية والجدية والشفافية في التعامل مع القضايا العالقة بين الطرفين، ووصف الخبراء قرار حكومة جنوب السودان الأحادى بتغيير عملتها بانه اجراء يفتقر للخبرة والحصافة، وكان عليها ان تتوقع ان ترد حكومة السودان بطرح عملتها وهو ما يتوقع ان يسبب لاقتصاد الجنوب خسائر كبيرة، حيث سيتأثر اقتصاد جنوب السودان بخروج كميات من العملات للشمال. واكد عبدالرحيم حمدى وزير المالية والاقتصاد الوطنى السابق ان استبدال العملة يكلف البلاد نحو (55) مليون يورو، ولكنه قرار وتحوط مطلوب بعد فشل توصل مفاوضات اديس ابابا لاتفاق ولجوء حكومة جنوب السودان الى اعلان مفاجئ لعملتها الجديدة. ولم يستبعد حمدي في حديثه ل(الرأي العام) مفاجآت اخرى من حكومة جنوب السودان في بقية الملفات العالقة الامر الذي يستدعي التحوط لتلك المفاجآت. ونفى حمدي وجود مشاكل اقتصادية جراء استبدال العملة او وجود كميات من العملة خارج حدود الدولة السودانية تقدر بملياري جنيه، لن تؤثر هذه العملة على الاقتصاد. لكن د. سيد علي زكي وزير المالية السابق أكد في حديثه ل(الرأي العام ) أن هنالك مخاطر اقتصادية حقيقية لتأخر استبدال العملة بالبلاد، تتمثل في زيادة اسعار صرف العملات الاجنبية جراء زيادة الطلب على تلك العملات وزيادة معدلات التضخم وتهريب السلع والخدمات عبر الحدود، الى جانب مخاطر نشاط غسيل الاموال وتزوير العملة، والتأثير سلباً على تدفق الاستثمارات للبلاد نتيجة لاستبدال العملة، فضلاً عن فقدان الثقة في الاقتصاد . ودعا د. زكى الى ضرورة الاسراع في استبدال العملة واتباع الخطوات المنهجية في استبدالها بمعرفة حجم الكتلة النقدية والاعلان عن العملة الجديدة وشكلها ومواصفاتها ووضع ضوابط للاستبدال بمدى زمني معين وعبر الجهاز المصرفي او منافذ مخصصة للاستبدال، بجانب اعادة الثقة للاقتصاد. وفي السياق اعتبر د. عثمان البدري الاستاذ بمركز الدراسات الانمائية جامعة الخرطوم استبدال العملة بأنه من مشاكل اتفاقية السلام التي لم تحسم في حينها ولم يتم التحوط لها كغيرها من الملفات العالقة بين شريكي نيفاشا، حيث تم فيها تجاوز منهجي ولم تحسم في وقتها. ونفى د.البدرى في حديثه ل(الرأي العام) ان يكون استبدال العملة بواسطة حكومة السودان جاء ردة فعل لقرار حكومة جنوب السودان باعلان عملتها، ووصف قرار استبدال العملة بأنه إجراء تحوطي وتحسب دقيق جداً للتعامل مع الحركة الشعبية في كل الملفات خاصة انها لم تتعامل بالصدق والجدية والشفافية مع مفاوضي المؤتمر الوطني، بل استغفلتهم، كما انه تحوط للأسوأ لكى لا تغرق البلاد بعملة مرفوضة تصبح سوقاً للمضاربات في سوق العملات الاخرى وتتأثر البلاد سلباً بالانهيار الاقتصادى نتيجة لارتفاع معدلات التضخم وارتفاع تكلفة الانتاج وتكلفة الخدمات وضعف ميزان المدفوعات والضعف في قيمة العملة الوطنية. وانتقد د. البدرى اعلان بنك السودان المركزي للعملة دون اعلان بداية استبدالها والغاء العملات المتداولة خارج الحدود، وتابع: (العملة ليست من الامور السهلة التي تخضع الى التقديرات السياسية، فالعملة يتأثر بها كل مواطن ويتأثر بها الاقتصاد من خلال حركة العملة في البلد سواء الانتاج أو غيره، ولذلك اعتقد ان الحكومة مخطئة في تعاملها مع ملف العملة ففي الاعراف الدولية السياسات النقدية تطبق على الفور وكان بامكان الحكومة ان تشرع فوراً بالإعلان عن استبدالها والغاء التعامل بالعملات خارج حدود البلاد وليس لأجل). وأكد د. البدرى ان هنالك تأثيرات كبيرة لتأخير استبدال العملة على الاقتصاد بارتفاع معدلات التضخم وحالة التوجس والقلق واغراق البلاد بعملات مزيفة اومزورة من قبل المضاربين في العملات والذين توافرت لهم الفرصة لهذه الممارسات.. واردف: (كان بمجرد اللحظة التي تم فيها اعلان العملة الجديدة استبدال كل ودائع البنوك واحتياطياتها بالعملة الجديدة والبدء فوراً في تداولها، لتبقى فقط العملة المتداولة في ايدى الناس وهذه بسيطة تسهل السيطرة عليها). وفي سياق متصل أكد مساعد محمد أحمد رئيس اتحاد المصارف السوداني جهوزية البنوك لاستبدال العملة فوراً وعبر منافذ مخصصة بفروع البنوك المختلفة بالمركز والولايات غير مختلطة بالتعامل اليومي للبنوك لسرية هذه العملية على ان يبدأ السحب الجديد بالعملة الجديدة. وذكر مساعد في حديثه ل(الرأي العام) ان عملية استبدال العملة تتم بالتنسيق بين بنك السودان المركزي والبنوك عبر ارشادات وضوابط محددة تنظم عملية الاستبدال التي وصفها بأنها (إمتحان مكشوف للبنوك) وتم اجراؤه مرات كثيرة، وهنالك تجارب في استبدال العملة ولن تكون هنالك مشكلة في عملية الاستبدال. واضاف مساعد: البنوك جاهزة للبداية في استبدال العملة فوراً، ولكن لم يتم اخطارها ببداية الاستبدال من قبل بنك السودان، حيث لم يحدد وقت بداية الاستبدال، وعندما يقرر البنك المركزي ذلك البنوك ستبدأ فوراً في الاستبدال، مؤكداً ان عملية استبدال العملة تحتاج الى تحضيرات وتوعية للمواطنين بالعملة الجديدة . وقلل مساعد من وجود مخاطر تواجه البنوك جراء استبدال العملة، مؤكداً ان البنوك لا تخرج من وسائل التعامل ب(الكاش)، كما انه بخبرة الصرافيين بالبنوك سيتم التدقيق الشديد لمنع حدوث تجاوز او استبدال عملات مزورة. نقلا عن صحيفة الراي العام السودانية 19/7/2011م