ربما يبدو المؤتمر الوطني من واقع قراءته الموضوعي لأحداث النيل الازرق دقيقاً فى رؤية مراقبين فى تشخيصه لمقاصد مالك عقار الحقيقة من وراء هجومه على الدمازين، وتحدث الحاج آدم أمين الاتصال التنظيمي بالمؤتمر الوطني بما يشير الى علمهم بخطة الحركة الشعبية القائمة على تأسيس دولة فى الجنوب تكون حاضنة ليرقات فى السودان بغية نموها للحاق بالحشرة الكبري.. بيد أن المؤتمر الوطني مع علمه بخطة مثل هذه ، غير انه وافق على عودة عقار لموقعه السابق والياً للنيل الازرق وفق شروط يعتبرها الوطني مثل الحجة المباركة التى تجبّ اقبلها من خطايا، لكن المراقبون يشيرون الى ان شروط الوطني لعودة عقار لموقعه القديم والمتمثلة فى جنوحه للسلام والتخلي عن السلاح والجلوس الى طاولة التفاوض لتسوية الخلاف ، غير كافية لقتل اليرقة ، حسب ما وصفها آدم ، ذلك إذا لم تهيئ لها مناخاً للتطور فى الخفاء بعيداً عن مبيدات الوطني! ويشير المحلل السياسي بروفيسر إبراهيم ميرغني عميد كلية العلوم السياسية الى ان مالك عقار قد لا يوافق على شروط الوطني لسبب انه يطمع فى إحياء اتفاقية أديس أبابا التى أوصدها البشير بقرار رئاسي . وقال بروفيسر ميرغني (للحرة) أمس ان على الطرفين قبل الشروع فى اى تفاوض ان يؤسس لإنتاج ثقة متبادلة تكون أرضية ثابتة لمفاوضات قادمة ، وبعيدا عن هذه الثقة فان البروفسير ميرغني يري ان الطرفين لن يتوصلا الى اتفاق، ولا يعدو ما يقومان به مجرد مناورة تكتيكية. و لا يعول بروف ميرغني على الآراء التى تقول بقبول عقار بشروط الوطني من واقع هزيمته على ارض المعركة ، باعتبار ان عقار فى رؤية بروف ميرغني لا يضع حساباً للهزيمة على الارض من جهة ان كل ما يبتغيه من فعله العسكري هذا استنزاف المركز ، وأن معركته -اى عقار- أشبه بحرب العصابات ، ذلك بخلاف تصور عقار نفسه بأن حربه ذات نفس طويل وهو يراهن على رضوخ الوطني للحل السياسي، ومن هنا فانه قد لا يقبل بهذه الشروط من واقع ان الوطني لاحقاً قد يرضخ للضغوطات الدولية ويضع شروطاً تلبي طموحات عقار ، ذلك إذا لم يضغط عقار نفسه اتجاه إحياء اتفاق أديس بابا. قريباً من ذلك فان المراقبين يصفون الشروط التى وضعها الوطني بالهزيلة التى لا تشبه شروط المنتصر، من واقع ان اى شرط يعود بعقار لموقعه القديم يمثل استفزازاً لمواطني الولاية الذين تضرروا من حرب عقار . ذلك بخلاف ان عودة عقار لموقعه القديم والياً للنيل الازرق تدفع باتجاه استسهال التمرد من واقع ان كل من يحل السلاح يستطيع ان يعود الى ذات موقعه متوجاً على جماجم من تسبب فى مقتلهم دون ان يطاله العقاب المناسب والمحاسبة ، غير ان البروفسير والمحلل السياسي الطيب زين العابدين يذهب فى اتجاه غير داعياً الى وضع القضية على مسارها السياسي و العمل عل حلها عبر هذه الرؤية . و قال الخبير الاستراتيجي و المحلل العسكري اللواء محمد عباس الأمين ان القصية سياسية بالدرجة الأولي وان الحل يكمن فى تسوية سياسية شاملة لقضيتي جنوب كردفان و النيل الازرق وهى الخطوة ذاتها التى يبدو ان الوطني بدأ فى انتهاجها حتى قبل ان تجف دماء الحرب . وبعيداً عن ذلك فان الوطني ربما بات بفكر جدياً فى علاقة المركز بالولاة ، ودعا الحاج آدم لتشكيل آلية بين الرئيس والولاة ، فى خطوة يصفها مراقبون ان سبب التطرق لها مردها الى تململ الوطني من الزيارات التى كان يقوم بها الوالي عقار الى جوباوأديس أبابا دون مشورة المركز و دون علمه فى مرات عديدة. و من هنا ربما تتضح فلسفة الوطني فى عودة عقار الى موقعه القديم ، والفائدة التى تتحقق من ذلك ، فبخلاف إسكات صوت الرصاص فان فى مقدور الوطني عبر الآلية التى اقترحها الحاج آدم يستطيع إلجام عقار، و عزله بعيداً عن رادار الحركة الشعبية الذى يشوش على الخرطوم . نقلا عن صحيفة الحرة 8/9/2011