التقرير الذي أصدرته مجموعة من منظمات الإغاثة العاملة في جنوب السودان يوم الخميس الماضي يتوجب أن يؤخذ مأخذ الجد، والتحسب للسلبيات التي تضمنها: من ازدياد العنف القبلي، والاحتراب العرقي، وضمور التنمية، وحالات القلق المتزايدة التي تعرقل مسيرة السلام الشامل الذي أبرمته الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية عام 2005، فقد أدى تفاقم الاشتباكات القبلية في جنوب السودان خلال العام الماضي إلى ازهاق أرواح 2500 شخص، وإكراه 350 ألفاً على النزوح من بلداتهم وقراهم، وذلك طبقاً للتقرير الذي أصدرته عشر منظمات إغاثة عاملة في الجنوب، وأكدت المنظمات في تقريرها الشهير "أنه بعد خمس سنوات من توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية يترك المزيج الخطير من ارتفاع معدل العنف والفقر المزمن والتوترات السياسية اتفاق السلام على الانهيار". كما حذر التقرير من أن إجراء الانتخابات التعددية الأولى منذ 24 عاماً، واستفتاء الجنوب على الاستقلال "يمكن أن يفجر العنف إذا ما لم يتم التحضير لذلك جيداً". وأهابت المنظمات بمجلس الأمن العمل على جعل حماية المواطنين المدنيين أمراً ذا أولوية مطلقة بالنسبة إلى مهمة قوات الأممالمتحدة في السودان، كما دعت القوى الدولية إلى الوساطة بين الأطراف السودانية.. ولتأكيد مصداقية تقرير منظمات الإغاثة، فقد تزامن إصدار التقرير مع أحداث مؤسفة أشارت إليها أنباء متواترة في أن مسلحين من قبائل التوبر قتلوا ما لا يقل عن 139 من أفراد قبيلة الدينكا المنافسة وجرحوا 54 آخرين، وذلك عند هجومهم على رعاة الماشية، واستولوا على نحو خمسة آلاف رأس من الماشية.. وانطلاقاً من هذا السياق أن الحركة الشعبية ظلت مسكونة بتأجيج الصراع، وإطلاق البالونات مع شريكها المؤتمر الوطني والتلويح بفقاعات الانفصال كلما احتدم الخلاف بينهما. ومع اقتراب موعد الانتخابات القومية، وما يتبعها من الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان اما التصويت لصالح الوحدة – التي كثيراً ما وصفت بأنها وحدة جاذبة – وبين التصويت لصالح الانفصال والاستقلال من الدولة الأم، فإن الحركة الشعبية لم تسخر إيرادات البترول التي تسلمتها بالفعل من الحكومة المركزية في مجالات التنمية والخدمات، الأمر الذي يزيد من مصداقية تقرير المنظمات المشار إليه بشكل متزايد. الوضع القائم في الإقليم الجنوبي يحتم على الفاعلين الجنوبيين اتخاذ تدابير عاجلة تحقق الاستقرار، وتوقف النزاعات القبلية والعرقية وأهمها ما يلي: - تصالح الحركة مع نفسها وكبح جماح من يجذفون ضد تيار السلام. - تفعيل الحوار الجنوبي الجنوبي وإصلاح ذات البين. - وضع حد للصراعات القبلية سواء أكانت أسبابها سياسية، كما حدث مع القائد لام أكول رئيس حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان "التغيير الديمقراطي، أو بسبب العراك حول المراعي كما حصل في الأحداث الأخيرة". - السعي لاقتسام السلطة في الجنوب طبقاً للتمثيل النسبي حسب حجم القبائل عملاً بتحقيق العدالة للجميع. - الركون أو الرهان على ما يسمى بالمجتمع الدولي لحل مشكلات الجنوب المتفاقمة لا يزيد الأمور إلا تعقيداً وضراماً. انفصال جنوب السودان لم يعد حقيقة حسية فحسب، بل أمسى خياراً جاذباً.. مما يحتم على الحكومة السودانية الالتزام الصارم باستحقاقات اتفاق السلام الشامل.. واتخاذ تدابير استباقية لتداعيات الانفصال المقيتة في مناطق التماس، وعلى نطاق القطر الكبير الذي بدت ملامح التفتيت تلوح في فضائه الشاسع، هذه التحوطات الاضطرارية ضرورية حتى لا تصبح البلاد معرضاً عدمياً أسود للخزف المتكسر، والدم المتخثر، والسلام المندثر. نقلاً عن الشرق القطرية 10/1/2010م