وصلت درجة تحسُّن الأوضاع في إقليم دارفور درجة مطالبة الحكومة السودانية للمنظمة الدولية بتقليص حجم بعثة اليوناميد!. قبل سنوات ثلاثة أو أربعة ما كان يدور في خلد القوي الدولية التي عملت جهدها علي استجلاب قوات اليوناميد أن هذه القوات ستصبح عديمة الحاجة, لا فائدة من بقائها في هذه المدة الوجيزة. كانت الأممالمتحدة حين أقرَّت إبتعاث قوات البعثة المشتركة (اليوناميد) تصنع حساباً لعقود من السنوات تقضيها هذه القوات في دارفور, بل كان بعض غٌلاة القوي الدولية علي نطاق العالم يراهنون علي أن تتدرج هذه القوات درجة درجة لتصبح في خاتمة المطاف بمثابة قوات حاكمة تحكم سيطرتها تماماً علي الإقليم وتغل يد الحكومة السودانية. ان تجربة البعثة المشتركة (اليوناميد) في دارفور هي نموذج لتجربة إهدار المال الدولي فيما هو غير مفيد, فالسنوات الخمسة أو الستة التي قضتها قوات اليوناميد في دارفور بدت فيها غير فاعلة ولم تقم بأي عمل ذي بال كان الإقليم في حاجة ماسة إليه, بل ان قوات اليوناميد أصبحت هي نفسها عبئاً علي الإقليم حين تعرضت مراراً لهجمات المتمردين وتورطت في أحيان أخري في تقديم الدعم للمتمردين. وحتي الآن لم نقرأ تقريراً حقيقياً صادقاً لهذه القوات بحجم الإنجازات الميدانية الملموسة التي أنجزتها, كل تقارير اليوناميد كانت إقرار بتحسٌّن الأوضاع وتوقف وتيرة العنف والمواجهات ومن الملاحظ هنا أن هذه البعثة المشتركة لم يحدث قط أن قدمت تقريراً أقتضي أن يغيَّر مجلس الأمن من تفويضها من الفصل السادس الي السابع. لم تستطع اليوناميد – بحكم الواقع والحقائق – أن تدعي أن الإقليم في حاجة لقرار بحظر طيران أو أن هنالك حالة إبادة جماعية تستدعي التدخل الدولي بصفة أكثر كثافة. أن إقرار اليوناميد بتحسٌّن الأوضاع في دارفور – حتي هذا الإقرار – إنما هو تقرير لواقع ولم يأت نتاجاً لجهد بذلة هذه القوات واستماتت من اجله. ولهذا يبدو الأمر غريباً أن المجتمع الدولي ورغم كل ذلك لا يزال علي إصراره باستمرار عمل هذه البعثة المشتركة والصرف عليها وعدم تمديد حتي ولو مجرد جدول زمني بسحبها. ان مطالبة الحكومة السودانية بتقليص وخفض هذه القوات إنما هو من قبيل التعامل الدبلوماسي, إذ يبدو أن الخرطوم ليست لديها الرغبة حالياً في الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي وهي تعيد ترتيب بيتها الداخلي ولديها قضايا معلقة مع دولة الجنوب الوليدة. أو أن الحكومة السودانية عازمة علي معالجة هذا الملف بهدؤ وقدر من العقلانية وطول النفس بعيداً عن إثارة الأزمات, ولكن الواقع المجرد يشير الي أن قوات اليوناميد لم تعد ذات جدوى حيث تراجع العنف والخسر ليس الآن ولكن منذ سنوات ثلاثة وإذا قال قائل ان هناك هجمات تقع من حين لآخر, فهذا أمر طبيعي في إقليم شهد اضطراباً في السنوات الماضية بل ان جنوب كردفان شهدت اضطرابات علي هذا النحو كما أن النيل الأزرق شهدت هي الأخرى ذات المواجهات. أن من عناصر الضغط علي حملة السلاح – رغم ضعفهم الماثل – الآن في دارفور هو العمل علي سحب قوات اليوناميد تدريجياً أو عبر جدول زمني حتي ولو كان مطولاً, فقد كانت ولا تزال مراهنة الحركات الدارفورية المسلحة جراء وجود هذه القوات هو أن تشكل لها دعماً إعلامياً حين يقال ان هذه القوات تعمل في إقليم دارفور بما يشير الي أن دارفور لا تزال تشهد اضطراباً, أما غير ذلك فإن هذه القوات لا تبدو ذات فاعلية وهي تسئ دون شك لسيادة الدولة السودانية وتطعن في العملية السلمية الجارية في الإقليم عقب إقرار وثيقة الدوحة الموقعة في (يوليو2011)!!