المبادرة التي طرحتها الحكومة الكينية أمس الأول، لتقريب وجهات النظر بين دولتي السودان وجنوب السودان، وإعادة بناء الثقة بينهما تعتبر ذات دلالات غاية بالأهمية، كونها – كينيا – رئيساً للدورة الحالية لمنظمة الإيقاد التي رعت اتفاق السلام الشامل عبر مراحله المختلفة، ولأن المبادرة تأتي بعد انجلاء سحائب من التوتر كانت علقت بين الخرطوم ونيروبي بسبب إصدار محكمة كينية قرار العام الماضي بتوقيف رئيس الجمهورية حال زيارته إلى نيروبي، وهو ما أثار جدلاً إقليمياً ودولياً واسعاً. ودفع الرئيس الكيني مواي كيباكي، بنائبه كالنزو مسيوكا، إلى الخرطوم السبت المنصرم، في زيارة خاطفة، متأبطا مبادرة جديدة، لتعزيز السلام بين دولتي السودان وجنوب السودان، وسلم مسيوكا، الرئيس البشير، رسالة خطية من نظيره الكيني، مواي كيباكي، تحوي تفاصيل تلك المبادرة، وأكد المسئول الكيني حرص بلاده على إزالة الشكوك والاتهامات المتبادلة بين الدولتين الجارتين بجانب حث الطرفين على التعايش السلمي ونبذ الخلافات وإحياء روح اتفاقية السلام الشامل بدلاً عنها. وقال المبعوث الكيني إن الاستقرار الإقليمي يستدعي إجراء مشاورات بين الدولتين لأن عيشهما معا يؤكد أن اتفاقية السلام الشامل نفذت نصاً وروحاً. ورحب الرئيس البشير بالمبادرة الكينية، وثمن الجهود التي تبذلها نيروبي لإقامة علاقات حسن جوار بين دولتي السودان وجنوب السودان، بعد انفصال الأخيرة في التاسع من يوليو العام الماضي، مؤكداً سعي السودان بجدية لبسط السلام والاستقرار بالمنطقة وكذلك جدية الحكومة في إقامة علاقات حسن جوار مع الجنوب. وقال وزير الدولة بوزارة الخارجية صلاح ونسي في تصريحات عقب اللقاء الذي جمع البشير مع المسئول الكيني، إن الرئيس أشاد بالدور الكيني في اتفاقية السلام وجهودها في إقرار السلام بين السودان وجنوب السودان، وشكر الرئيس الكيني مواي كيباكي على المبادرة وحرصهم على السودان. موضحاً أن الرئيس البشير أكد للمبعوث الكيني جدية وحرص السودان لإقامة علاقات مستقرة مع دولة الجنوب إلا أن هناك صعوبات واجهت اتفاقية السلام في الترتيبات الأمنية والحدود ما أدى إلى بروز توتر لكن رغم ذلك سعت الحكومة السودانية للسلام. من جانبه، قال نائب الرئيس الكيني في تصريحات عقب اللقاء إنه سلم الرئيس البشير رسالة خطية من الرئيس الكيني كيباكي تحتوي على مبادرة لإقامة علاقات حسن جوار بين السودان ودولة جنوب السودان والعلاقات السودانية الكينية الثنائية. وقال إن كينيا حريصة على علاقات جيدة ومستقرة بين دولتي السودان وجنوب السودان, موضحاً أنه نقل للرئيس البشير تأييد كينيا للاتفاق الإطاري الذي تم التوصل إليه في مفاوضات أديس أبابا وتأييدها أيضاً للقمة المرتقبة بين الرئيسين البشير وسلفا كير بجوبا، كما أكد المسئول الكيني دعم بلاده لاجتماع اللجنة السياسية الأمنية العسكرية والتي من المزمع عقدها في الثلاثين من مارس الجاري بأديس أبابا. وساهمت كينيا في الجمع بين الرئيسين البشير وسلفا كير، بأديس أبابا، نهاية يناير الماضي، عندما توسطت حينها لتقريب وجهات نظر وفدي السودان وجنوب السودان المتفاوضين في أديس أبابا. وطرحت حينها عبر وزير خارجيتها أفكارا مهمة بشأن عدد من القضايا التي تثير الخلاف بين السودان وجنوب السودان، في مقدمها قضية تقاسم إيرادات النفط والأزمة وترسيم الحدود والمواطنة بجانب ملف التمرد في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق والذي تتهم الخرطوم حكومة جوبا بتقديم مختلف أنواع الدعومات له. ومع الاهتمام الذي تبديه كينيا بشأن السلام في السودان منذ انطلاقة مفاوضات السلام على أراضيها وحتى توقيع اتفاق السلام الشامل بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان في 2005م، بنيروبي، إلا أن علاقة الدولتين – السودان وكينيا – لم تسلم هي الأخرى من فترات حرجة مرت بها، خاصة في أعقاب إصدار محكمة كينية قرارا يقضي بتوقيف الرئيس البشير حال زيارته نيروبي، وذلك إنفاذا لقرار المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكره بتوقيفه. وأحدث القرار الذي أصدرته المحكمة العليا في نيروبي في نوفمبر الماضي، بناءً على دعوى أقامها الفرع الكيني للجنة "المشرعين الدوليين"، لإرغام الدولة الأفريقية، التي وقعت المعاهدة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية، على توقيف الرئيس البشير، توتراً غير مسبوق في علاقات البلدين، ومع تقليل حكومة الخرطوم من قيمة ذلك القرار وتأثيره على العلاقات بين البلدين، إلا أن ردة فعلها كانت هي الطلب من السفير الكيني لدى الخرطوم، مغادرة البلاد في غضون 72 ساعة، وبالمقابل استدعت السفير السوداني لدى نيروبي, وقالت وزارة الخارجية، في بيان أصدرته حينها، "إن قرار المحكمة الكينية يعتبر ترجمة لمجهودات محمومة ظلت تقوم بها مجموعة من الناشطين، حاولوا من قبل إقناع الحكومة الكينية والضغط عليها لاستصدار قرار سياسي وعندما باء مسعاهم بالفشل لجأوا لخيار الحكم القضائي". ورأى البيان أن هنالك علاقة وثيقة بين الخطوة وبين النجاحات التي حققتها زيارات رئيس الجمهورية الخارجية وأنها تأتي كمحاولة للحد من تلك النجاحات. كما أن الخطوة ذات صلة بإخفاقات مدعي المحكمة الجنائية، حيث فشل في إقناع الدول الأعضاء في ميثاق روما بتنفيذ طلباته باعتقال الرئيس البشير. لكن كينيا سارعت إلى إيفاد مبعوث رئاسي إلى الخرطوم وأكدت أن مواقفها من المحكمة الجنائية هو موقف الاتحاد الأفريقي، وأبدت الحكومة الكينية أسفها الشديد لقرار المحكمة واعتبرته لا يليق برمز سيادة السودان ممثلاً في رئيسه, وتعهدت باستئناف الحكم على وجه السرعة. ووصف نائب رئيس البرلمان الكيني قرار المحكمة بأنه خطأ فادح وليس من صلاحيات القاضي، قبل أن يقدم اعتذارا للسودان. وأرجأت الخرطوم على اثر ذلك، إبعاد السفير الكيني. وعلى اثر تلك التداعيات حرص نائب الرئيس الكيني استيفن كالينزي مسيوكا، في زيارته الأخيرة على تأكيد موقف بلاده إزاء المحكمة الجنائية الدولية، وحوت الرسالة الخطية التي نقلها أمس الأول، من الرئيس الكيني، لنظيره البشير التزام كينيا بمقررات الاتحاد الإفريقي القاضية بعدم التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية. وأكد المسئول الكيني على ثقة حكومته في المدعي العام الكيني واستئنافه ضد قرار القاضي الكيني وإبطال الحكم فيما يتعلق باعتقال الرئيس البشير حال وصوله كينيا، ولفت إلى أن الرئيس البشير سبق وأن زار كينيا بدعوة من الرئيس كيباكي ولم يتم اعتراضه، وشدد المبعوث الكيني على التزام بلاده بقرارات الاتحاد الإفريقي وقال "لكن يجب أن نضع في الاعتبار استقلال القضاء الكيني عن الجهاز التنفيذي لذلك قمنا بالاستئناف مما يؤكد نزاهة القضاء ورغم العلاقات الأخوية بين البلدين ولكننا لا يمكن التدخل في حكم القضاء". ومعروف أن كينيا رفضت كغيرها من الدول الأفريقية الأخرى، قرار المحكمة الجنائية بحق الرئيس البشير، لكن جهات داخل كينيا وجهات دولية تعمل بالتنسيق مع مدعي المحكمة الجنائية هي التي تقف وراء المذكرة بحسب محللين، وزار الرئيس البشير كينيا، الموقعة على المعاهدة المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية، في أغسطس من العام الماضي، مشاركا في مناسبة إقرار دستورها الجديد. وقد ظلت زيارات الرئيس البشير الخارجية مستمرة، منذ صدور قرار المحكمة الجنائية وامتدت من الجارة اريتريا التي زارها بعد أيام على صدور القرار وحتى إيران والصين البعيدة. ووفقا لتقارير صحفية فإن الرئيس الكيني مواي كيباكي، سيوسع دائرة مبادرته لتقريب وجهات النظر بين دولتي السودان وجنوب السودان وإعادة بناء الثقة بينهما وصولا لحل القضايا العالقة بينهما، لتشمل دولا أخرى في الإقليم، من خلال الهيئة الحكومية للتنمية "إيقاد"، بينها يوغندا وإثيوبيا واريتريا، وبحسب التقارير فإن كيباكي سيبعث برسل آخرين إلى هذه الدول، وينتظر أن تسهم كينيا بصورة أساسية في تجسير الخلافات بين البلدين في الاجتماعات المرتقبة بأديس أبابا قبل انعقاد القمة الرئاسية بجوبا. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 27/3/2012م