يفسر الخبراء ظاهرة التجنيد القسري بأن لها مسببات وهي ثلاثة مسببات رئيسة (اجتماعية، اقتصادية، وسياسية)، الاجتماعي منها هو أن الانتماء العشائري والقبلي يلعب دوراً أساس وضمان تقديم الولاء للقبيلة، أيضاً الإحساس بالفوارق الاجتماعية وانتشار مسألة الثأر في ثقافة المجتمع الدارفوري مروراً بانتشار الأمية ودور المعلمين وكوادر الجهوية التي تنشط في مجال تجنيد الأطفال قسراً وتتداخل تلك العوامل مع العوامل الاقتصادية وبمسبباتها الرئيسة كالتفاوت في الثروات بين القبائل الرعوية فالزراعة (أساس مشكلة دارفور الأولى) أيضاً هيمنة عناصر القبيلة على مفاتيح اقتصادية وانتشار تجارة الأسلحة وسهولة الحصول عليها كما أن هنالك المسببات السياسية وهي ليست ببعيدة وتلعب دوراً بارزاً في التجنيد القسري للأطفال وتتمثل في ظهور الحركات الجهوية والتي نحن بصدد تسليط الضوء عليها، أيضاً الدور المتعاظم للمنظمات الأجنبية في تزكية الصراع، وانتشار العمل الاستخباري عبر هذه المنظمات وقلة القناعة بأطروحات الحركات المتمردة مما يؤدي لانعدام الكادر البشري المقاتل الأمر الذي يؤدي إلى اللجؤ إلى اختيار الأطفال جنوداً، كما أن ضعف الوازع الأخلاقي للحركات المسلحة وعدم تقيدها بقواعد القانون الدولي والإنساني وأخلاقيات القتال وصعوبة ملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الأطفال والطفولة في وضع أمني شائك وعدم فاعلية التدابير القانونية في حسم ظاهرة التجنيد القسري للأطفال كل ذلك أدى إلى بروز هذه القضية. وكشفت مصادر أن الحركة الشعبية والجيش الشعبي بجنوب كردفان قاما باختطاف وتجنيد مئات الأطفال والقصّر تحت ستار الدراسة والرعاية لينتهي بهم المطاف في معسكرات تجنيد قسري بولاية الوحدة في جنوب السودان والزج بهم في مناطق العمليات، وقالت المصادر: إنه تمّ ترحيل (175) طفلاً من مناطق الكواليب بالجبال الشرقية إلى منطقة فاريانق بولاية الوحدة في دولة جنوب السودان، وأشارت المصادر إلى أنه تمّ ترحيل (350) طفلاً يوم 9/ 8/ 2011م من مناطق هيبان والمورو من الجبال الجنوبية إلى فاريانق بولاية الوحدة وترحيل (75) طفلاً يوم 14/10/2011م من ريفي سلارا إلى فارياناق و(300) طفل في يوم 15/10/ 2011م من ريفي البرام وأم دورين إلى فاريانق، وبلغ عدد المرحّلين في تلك الفترة (900) طفل، إضَافَةً إلى الذين تمّ ترحيلهم بصورة فردية إلى فاريانق وفاق عددهم وفقاً للوثائق (1000) طفل بمعسكرات الجيش الشعبي المختلفة في دولة جنوب السودان الآن، وكانت الحجة التي استخدمتها الحركة هي أنه سيتم إرسالهم للدراسة، ولكن ثبت أنه تمّ الزج بهم في المعسكرات للتدريب العسكري والعمليات الحربية. من جهتها كشفت وزارة الشؤون الإنسانية بالنيل الأزرق عن قيام الحركة الشعبية بعمليات تجنيد قسري للأطفال المحتجزين لديها في المناطق التي تسيطر عليها في الولاية. وقال المك علي عبد الرحمن رئيس غرفة الطوارئ العليا بالولاية في تصريح ل(المركز السوداني): إن متمردي الحركة الشعبية قاموا بعمليات تجنيد قسري للأطفال في المناطق التي تقع تحت سيطرتهم كاشفاً عن جهود قامت بها وزارة الشؤون الإنسانية بالولاية للحيلولة دون ذلك ومناشدة الدولة لقطع الطريق أمام تلك الممارسات التي تقوم بها الحركة الشعبية، وأضاف أن الوضع الإنساني في الولاية يمكن وصفه بالجيد مؤكداً أن الوضع الاقتصادي مستقر مطالباً بتكثيف الزيارات من قبل الدولة لمنع ممارسات الحركة الشعبية في الولاية. وضمن تقارير وتصريحات رئيس صندوق رعاية الطفولة التابع للأمم المتحدة "اليونسيف " في السودان من أن نحو ستة الآلاف من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 11 عاماً إلى 15 عاماً انتهاك واضح من خلال المرحلة العمرية تمّ تجنيدهم من جانب متمردي الحركات المسلحة الدارفورية وتدور يومياً عمليات خطف للأطفال من معسكرات النازحين واللاجئين، وكعادة المنظمات ذات الأهداف تتكلم وتشجب ولا تأخذ موقفاً واضحاً، ومنذ تاريخ 28 مايو 2008م إبان أحداث أم درمان الشهيرة التي قامت بها حركة العدل والمساواة كبرى حركات دارفور بخرق واضح عند استخدامها للأطفال جنوداً ودروعاً رغم علمها " الحركات" بحرمات القانون الدولي الذي يحرم الفعل وامتناع عن الفعل قسراً للأطفال" أقرت رديكا سومي الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال وفي ختام جولة زارت فيها جنوب البلاد ودارفور أن الأطفال توقف استخدامهم من الجانب الحكومي، إلا أنهم موجودون بالفعل في قواعد حركات التمرد موضحة أن حركات العدل والمساواة ما زالت تجند بعض الأطفال بالفعل في الحرب الملاحظ ومنذ تاريخه وحتى اللحظة لم تكن هنالك خطوط واضحة لتجريم "فعل التجنيد القسري "لقيادات العدل والمساواة للأطفال. وأعربت منظمة اليونسيف عن قلقها البالغ إزاء تصاعد بلاغات اختطاف الأطفال وإلحاقهم قسرياً بالفصائل السودانية المسلحة. وأشار المستر نيلز ممثل اليونسيف بالخرطوم أن مكتب اليونسيف في السودان يبذل حالياً جهوداً حثيثة بالتعاون مع المجلس القومي لرعاية الطفولة للقضاء على هذه الظاهرة التي وصفها بالأسوأ عالمياً. مجلس رعاية الطفولة السوداني من جانبه قال: إن الجيش الشعبي والحركة الشعبية في جنوب كردفان قاموا بتجنيد حوالي 900 طفل جرى انتزاعهم انتزاعاً من عائلاتهم وأُلحقوا بمعسكرات التجنيد في منطقة (فاريانق) بولاية الوحدة بدولة جنوب السودان. وقالت مسؤولة المجلس السوداني قمر هباني في مؤتمر صحفي عقدته بهذا الصدد بمقر المجلس بالخرطوم- الخميس الماضي: إن الأطفال المختَطفين جرى اختطافهم من مناطق الكواليب والبُرام وهيبان وسلارا بجنوب كردفان، مطالِبة مكتب اليونسيف بإجراء تحقيقات بهذا الخصوص. وغير بعيد عن هذا التطور، العدد المشابه لهذا العدد الذي اختطفته حركة العدل والمساواة في عبورها الأخير إلى دولة جنوب السودان، حيث أشارت الأنباء إلى أن ما بين 500 إلى 700 طفل جرى أخذهم عنوة من عائلاتهم توطئة لتجنيدهم في معسكرات مخصصة لهذا الغرض في دولة جنوب السودان. وبهذا يمكن القول: إن الفصائل السودانية المسلحة التي تقاتل الحكومة السودانية– جنوباً وغرباً– إنما تقاتل بمقاتلين هم في الحقيقة ليسوا سوى أطفال لم يبلغوا الحلم، وبالطبع يتذكر الجميع عدد الأطفال الذين سقطوا في يد السلطات السودانية عقب اندحار هجوم حركة العدل والمساواة على مدينة أم درمان في العاشر من مايو 2008 ، وحينما انكشف الأمر ووجدت الحركة نفسها في ورطة وغير قادرة على الحصول على أطفال لمواصلة هجماتها، فقد اتجهت إلى تشاد – في ذلك الحين – واستطاعت أن تحصل على حوالي 2000 (ألفيّ طفل) بعضهم من معسكرات اللاجئين وبعضهم من داخل المدن وبعض القرى الحدودية وتمّ ترحليهم إلى ذات معسكرات ولاية الوحدة بدولة جنوب السودان ليتلقوا التدريبات ويُدفع بهم إلى ميادين القتال. وفقاً للأحكام وميثاق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وضعت اتفاقية جنيف لحقوق الطفل لعام 1924م، ووفقاً للمادة 38 الفقرة ج فإنه تتعهد الدول الإطراف بأن تحترم قواعد القانون الإنساني الدولي وتمتنع الدول الإطراف عن تجنيد أي شخص لم تبلغ سنه الخمس عشرة سنة في قواتها وبناءً عليه صدقت ووقعت حكومة السودان على هذا الميثاق في 1997م ودخل حيز التنفيذ 2004م. إلا أن هنالك انتهاكاً صريحاً جرى سابقاً ويجري الآن في كل من جنوب السودان ودارفور لكل المواثيق الدولية من بعض الحركات المسلحة خاصة في دارفور لتجنيد الأطفال قسراً ورغماً عن أنوف أبائهم، وسوف نسلط الضوء في هذه القضية على واحدة من أهم القضايا التي لم تنل حيزاً من الاهتمام الداخلي والخارجي بقدر كافي لحجمها وعظم مردودها على المجتمع أو الدولة معاً كما تذكر بعض التقارير التي سوف نوردها ضمن سردنا للقضية. عموماً من قرائن الأحوال يتضح أنه من المؤكد أن هنالك تواطؤاً بدرجة ما في الموضوع والأسوأ من كل ذلك أن دولة جنوب السودان جعلت من أرضها مسرحاً لعمليات التدريب والتجنيد لهذا العدد المهول من الأطفال بما يجعل منها شريكاً أصيلاً في هذه الجريمة البشعة. إن من المفروغ منه أن اللجوء إلى تجنيد الأطفال قسرياً لاستخدامهم وقوداً للحرب مردُّه إلى بوار أفكار هذه الفصائل المسلحة وافتقارها من ثم للراغبين من الشباب البالغين الانخراط في صفوفها، فقد انفضّ الشباب وحتى راغبو المال والمرتزقة من حول هذه الفصائل المسلحة لسبب أو لآخر ولم يتبقَ أمامها- وقد خلا الميدان- سوى إرغام الأطفال على التدريب والتمترُس وراءهم في أبشع سلوك بشري فاقد للرجولة والإنسانية والطبيعة السويّة! نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 8/4/2012م