أحصي الجيش السوداني حتى الآن حوالي 1200 قتيل من جنود الجيش الشعبي الذين سقطوا فى معركة تحرير هجليج الأسبوع الماضي. وقالت مصادر عسكرية بولاية جنوب كردفان إن عمليات دفن الجثث المتناثرة لا تزال تجري فى أنحاء متفرقة من ساحة المعركة، كما سقط عدد كبير من الأسري فى أيدي الجيش السوداني بينهم ضباط كبار، وفى الوقت نفسه أولي الجيش السوداني عناية خاصة للجرحى من عناصر الجيش الشعبي الذين شُوهِدوا وهم يتلقون العلاج. وتشير متابعات (سودان سفاري) الى أن ميدان المعركة الفسيح الذى يمتدّ الى عشرات الأميال زاخر بجثث جنود الجيش الشعبي، ولعل هذا هو ما إستوقفنا بشدة لندلل على أن معركة هجليج كانت – بحق وحقيقة – معركة حامية، لحقت فيها الهزيمة بالجيش الشعبي وليس كما قال الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت أنه أمر قواته بالإنسحاب، وشايعته فى ذلك بعض وسائل الإعلام المغرضة. والسؤال هو هل يوجد فى ميدان القتال كمسرح قائم بذاته ما يدل على هزيمة الجيش الشعبي؟ الواقع إن ميدان القتال – وفقاً لمشاهدات (سودان سفاري) – هو المرآة التى كانت تنطق بوقائع ما جري وهناك عدة أدلة نعتبرها أدلة إضافية تدعم فرضية الهزيمة وتدحض إدعاء الانسحاب. أول دليل، التناثر الواضح للجثث بأعداد كبيرة فيه أسطع دليل على الهزيمة، ذلك أن الخبراء العسكريين يقولون إن الجيش المنسحب لا يتكبد قدر كبير من الخسائر البشرية متناثرة وملقاة فوق بعضها فالانسحاب أحد تكتيكات القتال الذى يُقاس – من الناحية العسكرية المحضة – بنجاة الجنود والآليات والأسلحة وعدم تعرضها لأية أضرار، وما ترسمه لوحات الميدان الحيّة النابضة يشير الى عكس ذلك، فهنالك قتال عنيف دار، وسقط جراؤه القتلي و تكوموا فوق بعضهم فى مساحة كبيرة للغاية. ثاني دليل، كثرة الضحايا من الجيش الشعبي (1200) قتيل، إذ يصعب على أىّ خبير عسكري أن يتصور سقوط هذا العدد الضخم من الضحايا والقتلي بخلاف الجرحي والأسري من جيش كان يقود عملية انسحاب منظمة، ففي مثل هذه الحالة لا نفع ولا جدوي من الانسحاب على الإطلاق. ثالث دليل -وهو الأخطر- تسلُّم الرئيس السوداني المشير البشير لعصا سوداء من قادة الجيش السوداني أكدوا له إنها عصي تخص القائد الميداني للجيش الشعبي، الذى ثبت لهم أنه فرَّ بجلده حين حمي وطيس المعركة لينجو بنفسه ويعود الى بلاده ؛ فالجيش المنسحب لا يقع منه فعل مشين عسكرياً كهذا والجيش المنسحب يضع كل خطوة بعناية ويرتب ترتيباً دقيقاً لقواده وجنوده ويجنبهم مثل هذه المآزق والمواقف المخجلة. الدليل الإضافي الرابع تزامُن عمليات التدمير والحريق لمنشآت النفط مع المعركة، إذ لو أن الجيش الشعبي كان لديه خطة انسحاب مسبقة لفصل فصلاً تاماً بين عمليات التدمير والحرق وحركة الانسحاب حتى يغطي ظهره ويحول دون تكبيد وحداته خسائراً كبيرة لهذه الدرجة. وهكذا، فإن كافة الوقائع على الأرض والأدلة التى أمكن الوقوف عليها فى ميدان المعركة جميعها تشير الى هزيمة ماحقة لحقت بالجيش الشعبي شكلت له درساً بليغاً عصياً على النسيان، وسوف تتجلي آثار ونتائج هذا الدرس البليغ فى حركة الجيش الشعبي مستقبلاً، إذ ستظل هذه العقدة العسكرية تحول بينه وبين تكرار المواجهة لأي سبب من الأسباب !