مع أنَّ السِمة العامة للتكتيك الحربي الذي بدا واضحاً أن الجيش السوداني يستخدمه في وثبته لتحرير منطقة هجليج، هي البطء، وأسلوب الخطوة خطوة والسير المُتمهِّل بعيداً عن الاندفاع، إلاّ أن ما تمكن من تحقيقه طوال الأيام الخمس الماضية - قبل المواجهة الكبرى - بدا كافياً لإحكام شد عنق الجيش الشعبي مثل أنشوطة الإعدام ليتحدَّر الجيش الشعبي الى أسفل بينما تُسحب الأنشوطة ثقله إلى الأعلى، لتتحقق إسفكسيا الخنق بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. ولسنا هنا بصدد الخوض في تفاصيل العمليات بالطبع فذلك شأن يختص به ميدان القتال وتترجمه البنادق وخرائط الرمل المتحركة هناك. غير أن هذا لا يمنع من أن نعطي وصفاً إجمالياً يكفي ليعطي القارئ صورة حقيقية متوازنة عما جرى ويجري. فقد كان أول عمل استراتيجي بالغ الأثر والخطورة يقوم به الجيش السوداني وألقى بآثار سالبة ومُدمِّرة على الجيش الشعبي الجنوبي هو قطع خطوط الإمداد، وذلك عبر منطقة الأبْيَض، حيث إستحال على الجيش الشعبي تمرير المؤن والإمداد عبر ذلك المعبر الحيوي الهام والذي لا توجد بدائل مقبولة وسهلة له، وقد تكبّدَ الجيش الشعبي في هذه العملية وحدها خسائراً فادحة بحيث تم القضاء على كافة الآليات العسكرية للجيش الشعبي سواء كانت (سيارات عسكرية أو شاحنات أو دبابات أو ناقلة جنود، وراجمات) وترى العديد من المصادر العسكرية والخبراء العسكريين إن هذه العملية - فى حد ذاتها - تعتبر مؤشراً قوياً جداً على هزيمة الجيش الشعبي وبداية تقهقره وتراجعه. ولعل أصدق دليل على ذلك أن الجيش الشعبي الجنوبي – بعد تدمير خطوط الإمداد – وإحكام الجيش السوداني سيطرته على المناطق المحيطة بهجليج حاول محاولة يائسة القيام بعملية إمداد بإستخدام الطيران وكانت العملية نصيبها الفشل الذريع، إذ سرعان ما تبيَّن أن الظرف غير مواتي في ظل إتجاه الرياح، والتقلُبات الجوية، والسيطرة شبه الكاملة للقوات السودانية وقد عزّزت هذه الوقائع الحيّة على الأرض تصريحات وزيرة الدولة بوزارة الإعلام السودانية (سناء حمد) التي صرّحت – الأحد – بأن الجيش السوداني استطاع أن يسترد مناطقاً واسعة جداً من هجليج ماعدا مناطق حقول النفط التي يتحصَّن خلفها وحواليها الجيش الشعبي. وتشير متابعات (سودان سفاري) بهذا الصدد من حاضرة ولاية جنوب كردفان كادوقلي الى أنَّ العشرات من شهود العيان أكدوا وجود حركة إنسحاب من جانب الجيش الشعبي بإتجاه العمق الجنوبي ما يشير الى أن قطع الإمداد بدأ بالفعل يؤثر سلباً على وجود الجيش الشعبي في المنطقة، خاصة إذا علِمنا أن التقديرات التي تناولتها وسائل الإعلام المختلفة أشارت الى أن الحكومة الجنوبية كانت قد دفعت بحوالي 11 ألف جندي الى هجليج بغية إحتلالها والتحصُّن فيها، ذلك إن هذا الرقم – إذا صحَّ – يبدو أنه قد إنقلب وبالاً على الحكومة الجنوبية في ظل إستحالة إمداد هذا العدد المهول بعدما انقطعت خطوط الإمداد! ومن جانب ثانٍ، تشير متابعات (سودان سفاري) أيضاً الى أن حقول الألغام التي سارعَ الجيش الشعبي لزراعتها فور إحتلاله لهجليج بدأت هى الأخرى تشكل عبئاً أمنياً عليها، حيث قضي أكثر من 35 جندياً من الجيش الشعبي بسبب هذه الألغام المضادة للبشر، جرّاء أخطاء في بعضها، وجراء إنعدام الخرائط فى بعض آخر، حيث يُعتَقد أن عمليات الزرع قد تمت بصورة عشوائية . وهكذا، فإن ميدان القتال بهذه المثابة تبدو الكفة فيه راجحة لا محالة لصالح الجيش السوداني ولعلَّ الأخطر في هذا الصدد أن الجيش السوداني ينتهج نهجاً مرحلياً، بتأني ملحوظ ربما كان الهدف منه تثبيت دعائم النصر، وإحكام الخناق على الجيش الشعبي بحيث يضّطر في اللحظة الحاسمة – أي الجيش الشعبي – إما للفرار أو الإستسلام الفوري غير المشروط!