مؤشرات عديدة تشير إلى أن العلاقة بين السودان والمجتمع الدولي بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية تمضي نحو مربع جديد من التصعيد، وبحسب مراقبين فإن واشنطن وجدت في الأزمة الأخير بيد دولتي السودان وجنوب السودان مدخلاً مناسباً لنقل إلى ساحة مجلس الأمن الدولي الذي ترأس دورته لشهر أبريل الحالي الولاياتالمتحدة، وقد حاولت واشنطن عدة مرات لاستصدار قرار ضد السودان بحجة الأوضاع الإنسانية في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق ولكنها فشلت بفعل التعاضد الذي وجده السودان من أصدقائه، لكنها الآن- واشنطن- تعاود الكرة من زاوية مختلفة، ويعتبر محللون أن مشروع القرار الذي طرحته مؤخراً على أعضاء مجلس الأمن الدولي، لإيقاع عقوبات على دولتي السودان وجنوب السودان معاً، فإن الهدف الرئيس له هو المزيد من العقوبات على الحكومة السودانية ضمن مخطط لإسقاط النظام في السودان وهو مخطط طالما تحدثت عنه الخرطوم. وترى الخرطوم أن واشنطن تريد تسويق مخططها عبر الاتحاد الأفريقي، ولذلك سارعت إلى تجديد ثقتها في الاتحاد الأفريقي ولجنته رفيعة المستوى كآلية لحل النزاع بين دولتي السودان، كما رفضت محاولات الولاياتالمتحدة لنقل النزاع إلى ساحة مجلس الأمن الدولي، وبحسب محللين فإن مسعى واشنطن غير بعيد من حكومة جنوب السودان، التي تقود حملة ضد آلية الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى، وقد طالبت من قبل بتغيير الآلية الإفريقية التي يقودها ثامبو أمبيكي بطرائق مختلفة ودعت منظمة الإيقاد للدخول على خط الوساطة بينها والسودان لتولي أمرها، وأوردت صحيفة سودان تربيون في الثالث من أبريل، أن حكومة جوبا أرسلت وفداً رفيع المستوى إلى نيروبي طلباً لمساعدة الحكومة الكينية في حل الأزمة الحدودية، وترأس وفد حكومة الجنوب مدير مكتب الرئيس إيمانويل لويلا ووزير الإعلام برنابا مريال بنجامين، وأكد وزير الإعلام بحكومة الجنوب للصحفيين، حينها أن حكومته لم تستاء من تقرير الاتحاد الأفريقي إلى مجلس الأمن الدولي حول الاشتباكات الحدودية التي وقعت فقط ولكن من عملية الوساطة برمتها، وقال إن منظمة "الإيقاد" يجب أن تتولى الوساطة إذا لم تستطع وساطة الاتحاد الأفريقي إنجاح العملية. وأعلنت الخرطوم رفضها لأية محاولات ترمي لتجاوز الوساطة الإفريقية، وجاء موقف الخرطوم على إثر التصريحات التي أطلقتها مندوبة الولاياتالمتحدة لدى مجلس الأمن الدولي، والتي ترأس دورة أبريل الحالي، سوزان رايس، والتي قالت فيها إن بلادها تعد مشروع قرار يرمي إلى إلزام السودان وجنوب السودان، باستئناف المحادثات حول القضايا العالقة بينهما خلال أسبوعين والوصول إلى اتفاق حولها خلال ثلاثة أشهر، وهي ذات النقاط التي تضمنها قرار صدر عن مجلس السلم والأمن الأفريقي خلال اجتماع له الأسبوع الماضي، وينصّ مشروع القرار الأمريكي على أن مجلس الأمن الدولي سيراجع الالتزام بمطالب الاتحاد الإفريقي ويمكن أن يتخذ خطوات إضافية بموجب البند 41 من الفصل السابع الذي يتيح إصدار عقوبات ولكن ليس القيام بعمل عسكري واستخدام القوة، ودعا مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي الثلاثاء الجانبين- السودان وجنوب السودان-، إلى وقف القتال خلال 48 ساعة والانسحاب غير المشروط للقوات من المناطق المتنازع عليها وحذر من أنه سيصدر قرارات ملزمة إذا فشل الجانبان في التوصل إلى اتفاقات بشأن سلسلة نزاعات بينهما خلال ثلاثة أشهر، وطالب المجلس الأفريقي، مجلس الأمن الدولي باللجوء إلى الفصل السابع لإضفاء الصفة الإلزامية على القرار وحذر من أنه في حالة عدم التزام الدولتين بخارطة الطريق المقترحة فإن المجلس سيطلب من الوسيط أمبيكي التقدم بحلول سيتبناها الاتحاد الإفريقي ويعمل على إجبار البلدين على تنفيذها. التحرك الذي تقوده الولاياتالمتحدة عبر مندوبها رئيسة مجلس الأمن الدولي لأبريل، سوزان رايس، لنقل النزاع بين السودان وجنوب السودان إلى مجلس الأمن، يرى فيه محللون هدفين أساسيين هما: تنفيذ مخططات واشنطن الرامية للضغط على الحكومة السودان لإسقاطها وتقسيم السودان إلي دويلات، ودعم حملة دولة الجنوب الرامية لتجاوز الوساطة الأفريقية بصورة نهائية والتعويل على مجلس الأمن، وفي هذا الخصوص، كشفت مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية السابقة، جنداي فريزر، غور التحركات الأمريكية قائلة إن هناك مواقف أميركية بدأت تتشكل لمواجهة الحكومة في الخرطوم، وذكرت فريزر في حديث مع «سي إن إن» أنه خطأ إستراتيجي أن يقف المجتمع الدولي مع السودان وجنوب السودان على قدم المساواة، وزعمت أن السودان كان المعتدي في النزاع الأخير مع الجنوب، وأقرت بأن الجنوب حليف وشريك للولايات المتحدة ولذلك فإن بلادها ليست وسيطاً محايداً بين الدولتين، مشيرة إلى أن واشنطن تدعم وساطة الاتحاد الإفريقي بين الخرطوموجوبا، ودفعت الأهداف المكشوفة لواشنطن بالحكومة إلى استباق خطوات واشنطن برفض جملة المحاولات الأمريكية، وحذرت الحكومة من أن الخطوة تهدف لطمس دور الاتحاد الأفريقي، وأكدت رفضها للمحاولات الجارية لطمس دور الاتحاد الإفريقي وإحالة الوضع بين السودان وجنوب السودان لمجلس الأمن، وحذرت من أن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تغليب الاعتبارات السياسية والمواقف المسبقة ذات الغرض على مقتضيات التسوية السلمية العادلة، وجددت ثقتها في الاتحاد الأفريقي وأجهزته وعلى رأسها مجلس السلم والأمن الإفريقي وفي الآليات التي ارتضى الاتحاد ومجلس السلم والأمن الإفريقيين العمل من خلالها لتسوية الخلافات بين دولتي السودان وجنوب السودان وعلى رأسها الآلية الإفريقية رفيعة المستوى برئاسة الرئيس ثامبو أمبيكي. وقال وزير الخارجية علي كرتي في بيان أصدره أمس الأول، إن أي عمل لإجهاض الدور الأفريقي أو القفز عليه يرفضه السودان وأنه لا يمكن أن يعين في إرساء دعائم السلم والأمن في السودان، وأوضح البيان أن السودان يتابع باهتمام بالغ مشروع القرار الأمريكي الذي يجري تداوله في مجلس الأمن الدولي بشأن الأوضاع بين السودان ودولة جنوب السودان، وأشار إلى الجهود الحثيثة والمضنية التي يبذلها السودان لتأكيد الدور الأساس للاتحاد الإفريقي في صيانة السلم والأمن الإقليمي منذ العام 2006 وحتى الوصول إلى تسوية سلمية للنزاع في دارفور، وذكر البيان بأنه ووفقاً لميثاق الأممالمتحدة والقانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي فإن دور المنظمات والترتيبات الإقليمية لا جدال فيه، وأن أي عمل لإجهاض هذا الدور أو القفز عليه لا يمكن أن يعين في إرساء دعائم السلم والأمن في السودان بصفة خاصة في الوقت الراهن وفي القارة الإفريقية عموماً. وتزامنت زيارة ثامبو أمبيكي إلى جوبا، في أبريل الحالي، ولقاؤه رئيس حكومة الجنوب سلفاكير قبل أن يلتقي الرئيس البشير بالخرطوم، في مسعى لتقريب وجهات النظر بين السودان وجنوب السودان، مع تسريبات عن رغبة حكومة جوبا في تغيير الآلية الأفريقية واستبدالها ب"الإيقاد"، لكن أمبيكي رد بنفسه على تلك التسريبات عندما قال في تصريحات عقب لقاء مع سلفاكير، "إن الوساطة الأفريقية ملتزمة بمواصلة جهودها لتقريب وجهات النظر بين السودان وجنوب السودان حتى يمكن التوصل إلى حلول سلمية للقضايا العالقة بين الجانبين وإقامة علاقات حسن جوار وتبادل المنافع بين جوباوالخرطوم". ويقود السودان عملاً دبلوماسياً دؤوباً داخل أروقة الأممالمتحدة ومجلس الأمن الدولي لتوصيل رؤيته وتوضيح الحقائق للمجتمع الدولي، ومنذ انفصال جنوب السودان رسمياً في التاسع من يوليو العام الماضي تقدم السودان بعدة شكاوي إلى مجلس الأمن الدولي حول اعتداءات وخروقات دأبت عليها حكومة الجنوب الوليدة، وأردف تلك الشكاوي بشكاوي أخرى على إثر الهجوم الأخير لقوات جنوب السودان على هجليج، وآخر تلك الشكاوي دفع بها أمس الأول، المندوب الدائم لدى الأممالمتحدة السفير دفع الله الحاج علي، وتضمنت الشكوى التي سلمت لرئيس مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، تفاصيل دقيقة حول وجود قوات الجيش الشعبي التابع لدولة جنوب السودان في مناطق جنوب دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وطالب مندوب السودان مجلس الأمن بإدانة وجود هذه القوات وعدوانها على أراضي جمهورية السودان، كما طالب المجلس بتحري الدقة في أي حديث عن القصف الجوي في الوقت الذي توجد فيه القوات المعتدية داخل الأراضي السودانية وتقوم بتنفيذ عمليات عسكرية ضد السودان، مؤكداً أحقية حكومة السودان الكاملة في الدفاع عن وحدة أراضيها وسلامتها اتساقاً مع المادة (51) من ميثاق الأممالمتحدة التي تكفل حق الدفاع عن النفس، وقال السفير دفع الله إن لحكومة السودان الحق كذلك في الدفاع عن وحدة أراضيها بكافة الوسائل بما في ذلك استخدام سلاح الطيران ضد تلك القوات خاصة وأنها توجد داخل أراضي جمهورية السودان، مؤكدا أن سياسة حكومة السودان تقوم على الالتزام الكامل بعدم التعدي أو التدخل في شئون الدول الأخرى أو انتهاك حُرمة أراضيها. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 30/4/2012م