في محاولة جديدة لتهدئة الأوضاع الأمنية المتصاعدة بين الجارتين- السودان وجنوب السودان- والتي بلغت حد الاحتراب، ولتجسير هوة الخلافات وصولا بالبلدين إلى مربع جوار آمن واستقرار دائم، بعد فشل المحاولات السابقة بسبب قرارات حكومة جوبا "الانتحارية"، بحسب توصيف خبراء دوليين، وآخرها احتلال هجليج، أنهى فريق الآلية الأفريقية رفيعة المستوى التابعة للاتحاد الأفريقي، برئاسة ثامبيو أمبيكي، زيارة هي الأولى للبلاد منذ احتلال قوات دولة جنوب السودان لمنطقة هجليج ومناطق أخرى داخل الأراضي السودانية مؤخرا، وانطلق الفريق الأفريقي في جولته هذه من العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، ووصل الخرطوم مساء الخميس، وطار أمس، إلى جوبا، قبل أن يقفل عائدا إلى الخرطوم غدا، ليتوجه بعدها إلى أديس أبابا. هذه الجولة الماراثونية للوساطة الأفريقية ينتظر أن تكون حصيلتها النهائية هي إعلان التزام الدولتين- السودان وجنوب السودان-، بتنفيذ ما جاء في قرار مجلس الأمن الأخير بشأن الحالة بين البلدين، وتحديد موعد لجولة جديدة من المفاوضات لحسم كافة القضايا العالقة، لكن بقراءة مبدئية للمواقف التي أظهرها الطرفان لا يبدو أن الأمر سيكون يسيرا، لاسيما إذا ما نظرنا إلى موقف جوبا المطالب بفرض عقوبات على السودان. بالنسبة للخرطوم لم تتردد في إبلاغ الآلية الأفريقية موقفها الثابت والمتمسك بتحقيق سلام مستدام واستقرار مع دولة جنوب السودان، لكنها اشترطت تسوية الملفات الأمنية أولوية، وتطالب الخرطوم المجتمع الدولي بالضغط على دولة الجنوب لسحب جميع قواتها من الأراضي السودانية إلى جنوب حدود 1/1/1956م، بجانب فك الارتباط بينها- حكومة الجنوب- والفرقتين التاسعة والعاشرة التابعة للجيش الشعبي الموجودة بجنوب كردفان والنيل الأزرق، ووقف إيواء ودعم الحركات المتمردة المنضوية تحت لواء ما يعرف بالجبهة الثورية، وفوق ذلك أن تعلن حكومة جوبا إلتزاماً قاطعاً بتنفيذ الاتفاقات الموقعة بين البلدين، خاصة المتعلقة منها بوقف العدائيات، وأبلغ رئيس الجمهورية عمر البشير لدى لقائه الآلية الأفريقية رفيعة المستوى، بقيادة ثامبو أمبيكي، ببيت الضيافة مساء أمس الأول، تلك المطلوبات مؤكداً التزام السودان بسلام دائم مع دولة جنوب السودان يضمن عدم الاعتداء على السودان مرة ثانية ويؤدي إلى تحقيق الأمن والطمأنينة لشعبي البلدين، وأوضح رئيس قطاع العلاقات الخارجية بالمؤتمر الوطني، البروفيسور إبراهيم غندور، في تصريحات أن لقاء الرئيس البشير وأمبيكى تطرق أيضاً إلى ضرورة الالتزام بالاتفاقيات السابقة التي تم التوقيع عليها بين السودان ودولة الجنوب، فيما يتعلق بمراقبة الحدود وقضايا وجود قوات البلدين في مسافة 10 كيلو متر شمال وجنوب حدود 1/1 1956م. وقال غندور عقب اللقاء الذي استمر وقتاً طويلاً إن الرئيس البشير أبلغ وفد الوساطة بقيادة أمبيكي أهمية تحقيق سلام دائم مع دولة الجنوب يضمن عدم الاعتداء على حدود السودان، وطالب بأن تكون للطرف الآخر إرادة سياسية لتطبيق الالتزامات المتفق عليها"، وأضاف "أن البشير أكد لأمبيكي أن التقارب بين البلدين يتطلب توقف جوبا عن دعم المتمردين ووقف الاعتداءات التي تمارسها على الحدود مع سحب الفرقتين التاسعة والعاشرة من النيل الأزرق وجنوب كردفان والالتزام بالاتفاقيات السابقة الخاصة بمراقبة الحدود، وتنفيذ التفاهم على المنطقة المنزوعة المحددة ب 10 كلم في حدود كل من البلدين". ووصف أمبيكي لقائه برئيس الجمهورية، عمر البشير ب "المهم والمثمر"، وأشار إلى أن الاجتماع ركز على القضايا الأمنية العالقة بين البلدين مؤكدا أن الخرطوم أكدت التزامها بجميع الاتفاقيات السابقة مع جوبا، خاصة ما يتعلق بسحب القوات إلى حدود 1956، وقال "إن الرئيس البشير أكد التزام حكومة السودان بإنشاء منطقة منزوعة السلاح بين البلدين على طول حدود 1/1/1956م فضلا عن الالتزام بعدم دعم المجموعات المسلحة المتمردة في كلا البلدين وأن لا يحدث نزاع بين الدولتين وأظهر مؤشرات واضحة بأن السودان يرغب في علاقات طيبة وتعاون مع الجنوب تقوم على الأمن"، لكن أمبيكي أشار إلى أن البشير أصر على إيجاد ضمانات أمنية وأبدى قلقه من الاعتداءات التي تنفذها دولة الجنوب. وأبلغ الوفد الحكومي إلى مفاوضات أديس أبابا بقيادة وزير الدولة برئاسة الجمهورية، إدريس محمد عبد القادر، الوسيط الأفريقي، لدى لقائه، باشتراط الخرطوم تسوية الملف الأمني، قبل الدخول في بقية الملفات العالقة مع دولة الجنوب وعلى رأسها ترسيم الحدود وتقاسم عائدات النفط، وأجرى وفد الآلية مساء الجمعة مشاورات أيضا مع النائب الأول لرئيس الجمهورية، علي عثمان محمد طه، وأكد وزير الخارجية علي كرتي، أن استئناف المفاوضات مع جنوب السودان، رهين بالتزام الجنوب بالترتيبات الأمنية، وقال كرتي في حوار مع وكالة "آكي" الإيطالية السبت، "إن عودة السودان ودولة جنوب السودان إلى المفاوضات تعتمد على استطاعة الوسيط الأفريقي ثامبو أمبيكي في الحصول على التزام قاطع من الجنوب بالتفاوض على الترتيبات الأمنية". وأكد الوسيط الأفريقي أمبيكي، أن زيارته للخرطوم وجوبا تأتي في إطار التحضير الجيد لبدء حوار بناء بين البلدين يفضي إلى اتفاق يعزز حالة السلام والاستقرار في كلا البلدين، معلنا أنه سيحمل رؤية الخرطوم أمس، إلى جوبا لعرضها على حكومة الجنوب، وقال إنه سيحمل رؤية السودان إلى جوبا وسيناقش مع المسؤولين هناك، وعلى رأسهم رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت ووفده المفاوض لطرح نفس الأجندة التي ناقشها في الخرطوم، من أجل تحديد موعد استئناف المفاوضات، لكن حكومة جنوب السودان استبقت زيارة أمبيكي بتصريحات يرى مراقبون أنها لا تسهم في دفع جهود الوساطة الأفريقية الرامية لإعادة الطرفين إلى طاولة التفاوض، فقد كررت حكومة الجنوب على لسان كبير مفاوضيها الأمين العام للحركة الشعبية الحاكمة باقان أموم، ذات الاتهامات السابقة بقصف مناطق بعد قرار مجلس الأمن الدولي الأخير، معتبراً ذلك عدم التزام من الخرطوم بقرار مجلس الأمن الدولي الأخير، وطالب أموم، الأممالمتحدة بفرض عقوبات على السودان بناء على ذلك، وأكد في مقابلة مع "رويترز" الجمعة، استعداد بلاده لإبرام اتفاق تجاري مع الخرطوم بشأن رسوم مرور صادرات النفط مطالبا بضمانات دولية لهذا الاتفاق، وقال يجب أن يكون مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هو الضامن بمشاركة الصين والهند وماليزيا بإعتبارهم أكبر ثلاثة مستثمرين في الصناعات النفطية المنفصلة حاليا في السودان وجنوب السودان، ويحاول جنوب السودان تسويق ادعائه بسحب قوات الشرطة التابعة له من أبيي، بإعتبار أن الخطوة إستجابة لتنفيذ القرار الأممي في وقت تتشكك حكومة الخرطوم في دقة الأمر، وتضع إشتراطات محددة لسحب القوات المسلحة الموجودة في أبيي، وانتقد المسؤول الجنوبي كذلك الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي وقال إن المجتمع الدولي لم يتحرك إلا عندما احتلت قوات جنوب السودان من منطلق الدفاع عن النفس- على حد قوله- منطقة هجليج. غير أن المتحدث باسم وزارة خارجية السودان، العبيد مروح، رد على تصريحات باقان أموم واعتبرها مؤسفة، واتهم من جهته، دولة الجنوب بانتهاك قرار مجلس الأمن الأخير بمواصلة العدوان على أراضي السودان، وقال مروح إن مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي لديهما آليات للمراقبة وهما من سيحدد الجانب الذي ينتهك القرارات، وأضاف "من الأفضل للجارين جعل المفاوضات أولوية"، لكن مع كل ذلك، تبقى محصلة مشاورات أمبيكي رهينة بما تقرره قيادتا البلدين، بشأن تطبيق خارطة الطريق التي أعدها الاتحاد الأفريقي واعتمدها مجلس الأمن الدولي في قراره الأخير. نقلا عن صحيفة الرائد21/5/2012