عقب أيام قليلة من هجومها علي مناطق بشمال دارفور عادت حركة العدل والمساواة لتنشط في المناطق الشرقية من الإقليم وتخوض معارك مع الجيش المركزي في أكثر من موقع وسط أنباء عن وصولها الي معقلها القديم في وادي هور بشمالي دارفور في المقابل حملت الأنباء خبر وصول قوات عبد الواحد محمد نور ومني اركو مناوي الي تخوم جبل مرة عقب ما تردد مؤخراً بشأن طلب حكومة الجنوب من فصائل الجبهة مغادرة أراضيها أو بالاحري الدخول الي عمق أراضي الشمال لتنفيذ هجمات هناك في العمق. النشاط العسكري الملحوظ لفصائل دارفور في الجبهة الثورية خلال الآونة الأخيرة يمكن إدخاله في أكثر من سياق أولها رغبة حكومة الجنوب في ممارسة المزيد من الضغوط علي الخرطوم عبر رفع وتيرة العمليات العسكرية في دارفور وإجبار الخرطوم علي صرف المزيد من مواردها المالية الشحيحة في المناطق الغربية التي تشهد عمليات سريعة من جانب تلك الفصائل أما السياق الآخر فهو سياق حسابات الحركات المسلحة الخاصة التي تحاول تدعيم موقفها العسكري في الميدان تحسباً لما يمكن أن تسفر عنه مفاوضات السودان والجنوب الحالية ففي حالة حدوث تقدم كبير في المفاوضات بين الجانبين وبرزت التسويبة برأسها ستدفع تلك الفصائل فاتورة السلام بين البلدين وستفقد علي الأرجح معظم الدعم الذي يؤمنه الجنوب حالياً ان لم يكن كله. السياق الثالث الذي يمكن قراءة نشاط الحركات العسكري الملحوظ داخله هو سياق التنافس علي النجومية السياسية والعسكرية بين تلك الحركات ومن المعروف تاريخياً أن كلا من حركة العدل والمساواة وحركة مناوي وحركة عبد الواحد تري في نفسها صاحب الجلد والرأس في قضية دارفور والطرف الذي سبق الآخرين في النزول الي ميدان المعارك ضد حكومة الخرطوم وبالطبع الطرف الذي ينبغي أن يتولي السلطة إذا سقط النظام في الخرطوم أو الطرف الذي ينبغي أن يحصل علي نصيب الأسد في أية تسوية سياسية محتملة مع حكومة الإنقاذ وهو ما دفع تلك الفصائل؟ باستثناء مناوي الذي تختلف ظروفه قليلاً؟ الي رفض التوقيع علي اتفاقيتي ابوجا وسلام الدوحة لان ما قدمته كلتا الاتفاقيتين لم يكن يلائم حجم الحركتين وفق حساباتهما. مؤخراً تردد أن خلافات وقعت داخل اجتماع أخير للجبهة الثورية كان هدفه الاتفاق علي موجهات العمل السياسي خلال الفترة المقبلة، ورغم أن تلك الأنباء غير مؤكدة إلا أنها ليست بالمستبعدة تماماً إذ ورد فيها أن عبد الواحد محمد نور طالب بتضمين تلك الموجهات نصاً يدعو الي إسقاط النظام الحالي وتأسيس نظام علماني ليبرالي وهو طلب يتعارض بوضوح مع أجندة احد أهم مكونات الجبهة وهي حركة العدل والمساواة التي تعتبر في نهاية المطاف فصيلاً مسلحاً من فصائل الحركة الإسلامية السودانية ويصعب عليها التخلي عن مسلماتها الفكرية ذات الصبغة الدينية. صراع إثبات الوزن خاصة من جانب حركة العدل والمساواة لا يدور بين الفصائل وحدها في واقع الأمر لكن العمليات العسكرية الأخيرة توحي برغبة فصائل دارفور في بعث رسائل تحذيرية للحكومة تفيد بأن تلك الفصائل لا يمكن أن تسقط من حسابات التسويات والصفقات وتقاسيم السلطة والثروة كما تعني تلك الرسائل المجتمعين الإفريقي والدولي أيضاً، فخارطة الطريق الإفريقية وقرار مجلس الأمن رقم 2046 تجاهلا بوضوح وجود فصائل دارفور وتحالف الجبهة الثورية واكتفيا بالإشارة الي الحركة الشعبية في الشمال باعتبارها المعارضة المسلحة المعترف بها إقليمياً ودولياً، تجاهل ربما يدفع الفصائل لمضاعفة نشاطها في الميدان بحثاً عن نافذة دخول الي دائرة المساومات وطاولات التفاوض المنصوبة في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا. موقف المجتمع الدولي من فصائل دارفور المنضوية تحت تحالف الجبهة الثورية يشوبه قدر من الغموض ومن الملاحظ أن التركيز الإعلامي الغربي انتقل مؤخراً الي جبال النوبة بشكل رئيسي ومنطقة النيل الأزرق بدرجة اقل حيث يمتلئ الإعلام الغربي بقصص عن المعاناة الإنسانية في جبال النوبة والنيل الأزرق وسط تراجع للقصص الشبيهة عن دارفور كما يري البعض أن اتفاق الدوحة وما سبقه من محاولات إقليمية ودولية لتوحيد فصائل دارفور خلف صورة سالبة عن تلك الفصائل وعن زعمائها جعلتهم اقرب الي أمراء الحرب والمرتزقة كما يتم توصيفهم في بعض التصريحات والتقارير الغربية هذه الأيام. ما يتردد عن إبعاد جوبا للحركات المسلحة يجد ما يسنده في قرار مجلس الأمن الدولي الأخير الذي طالب الطرفين بإنهاء حرب الوكالة الدائرة بينهما ما يعني أن القرار وضع جوبا في موقف حرج دفعها لمحاولة فك الارتباط ولو ظاهرياً مع فصائل الجبهة الثورية. تصاعد نشاط الفصائل في الميدان لا يهدف لإثبات الوجود فقط كما يقول الفريق عبد الرحمن حسن عمر الخبير الأمني ومحافظ أبيي الأسبق بل يهدف أيضاً لتوفير معينات البقاء فالحركات المسلحة في دارفور بعد انتهاء حكم القذافي فقد الدعم الليبي وحاولت الحركة الشعبية أن تضغط علي حكومة السودان عبر احتضان هذه الفصائل وسمحت بدخول عبد الواحد ومناوي وقواتهما الي أراضيها وأقامت بعض المعسكرات ومدت هذه الحركات بمقاتلين شماليين سابقين في الجيش الشعبي تم الاستغناء عن خدماتهم وبعد أن تأكد للمجتمع الدولي ان الحركة الشعبية تدعم تلك الفصائل وجدت الحركة الشعبية نفسها في موقف حرج وبدأت في إبعادهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة ما دفع الحركات الي محاولة إثبات وجودها وتوفير الغذاء والوقود والإمدادات من خلال العمليات التي تنفذها علي القوات الحكومية والأسواق والقري في جنوب وشمال كردفان وأجزاء من دارفور. وصول ياسر عرمان والفريق مالك عقار وحديهما الي أديس أبابا بحثاً عن الجلوس الي طاولة المفاوضات مع الإنقاذ ربما جعل فصائل دارفور تدرك ان معركتها ليست في حدود السودان والجنوب بل في دارفور كما يؤكد البعض وجعلها تدرك أن الجنوب أب لا يمكن مقارنته بابيها الراحل معمر القذافي فهذا مستعد لتحمل أعباء الأبوة الثورية مدي الحياة، أما الأب الثوري الجنوبي فإن أبوته لا تدوم طويلاً.. ولا يتواني عن ترك صغاره في اقرب منعطف..إذا دعت الي ذلك دواعي السياسة والضرورة..! نقلا عن صحيفة الرأي العام 12/6/2012