ظلت قضية ((أبيي)) واحدة من أبرز القضايا العالقة منذ اتفاقية السلام الشامل المعروفة بنيفاشا 2005م، إذ كان التعامل مع أبيي وفق بروتوكول خاص ضمن المناطق الثلاث المتنازع حولها (جبال النوبة، جنوب النيل الأزرق، أبيي)، وخلال سنين الاتفاقية لم يتم التوصل إلي حل شامل للنزاع في المنطقة رغم قرار محكمة التحكيم الدولية بلاهاي، الذي قسم المنطقة وفقاً لحدود 1905 وألزم الطرفين بإجراء استفتاء لشعب المنطقة المكون من قبيلتي دينكا نقوك والمسيرية، إلا أن الخلاف حول طريقة وآليات الاستفتاء والضغوط السياسية من شعبي المنطقة لم يؤدي إلي الحل النهائي، حيث أضحت أبيي أبرز القضايا العالقة بين الطرفين بعن انفصال جنوب السودان وإقامة دولته الخاصة. ومن بين ثنايا المقترحات وجولات التفاوض الممتدة لاحت مبادرة مشتركة تقدم بها القيادي بدينكا نقوك زكريا أتيم والقيادي المسيري وحاكم إدارية أبيي السابق محمد عمر الأنصاري، وتقوم المبادرة المذكورة على أن تكون أبيي ولاية محايدة لا تتبع للشمال أو الجنوب وإنما يتمتع سكانها بالجنسية المزدوجة لكل الدولتين، وأن ينهض أبناء الولاية المحايدة المقترحة بنهضة وتنمية الولاية. اللافت للانتباه في مقترح الأنصاري وأتيم ان قبيلة دينكا نقوك قبيلة شمالية وليست جنوبية كما يري البعض، فقد كشف زكريا أتيم خلال منتدي أقامه المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم أن هنالك الكثير من الشواهد التي تدل على شمالية قبيلته، لذلك فإن يري أن المنطق والحقائق توضح شمالية أبيي وقد سميت هذه المبادرة بالخيار الثالث المبني على العرف المحلي الذي يعطي دولة الجنوب جنوب بحر العرب، وهي منطقة متنازع عليها بمساحة تقدر ب (170) كيلومتر وكذلك إعطاء الشمال شمال بحر العرب. وقد أوضح الأنصاري صاحب المبادرة المشتركة أن مبادرتهم تهدف إلي إحداث تكامل حقيقي بين دينكا نقوك وقبيلة المسيرية يحقق الاستقرار والأمان للمنطقة، ويوجد هوية أساسية لكلا الطرفين بديلاً عن هويتهم المتنازعة الآن بين الشمال والجنوب، وفي هذا مصلحة لكل الطرفين. ومضي الأنصاري في إفادته ل(الأهرام اليوم): إذا صوت المسيرية لجنوب أبيي سوف تنزع منهم جنسية الشمال، وكذا الحال إذا صوت دينكا نقوك لشمالية أبيي سوف تنزع منهم جنسية الجنوب، وفي هذا ضياع لانتماء هوية القبيلتين، لذلك رأي الأنصاري أن مبادرته سوف تحفظ حقوق الطرفين، وقال إن نظرية الحياد ليست وليدة نزاع أبيي ولكنها عرف دولي موجود لجأت إليه الكثير من الدول والمناطق التي شهدت نزاعات مشابهة، كحال سويسرا مثلاً. وحول موارد هذه الولاية المقترحة رأي محدثنا أنها تقوم بالأساس على بترول المنطقة كأساس لتمويل التنمية المنشودة، ولم يمانع محدثنا من قبول المسيرية بإعطاء مثلث أبو نفيسة المتنازع حوله لدينكا نقوك ثمناً للسلام الذي وصفه بأنه ثمن غال ولكن لابد أن ندفعه. وختم حديثه بان مقترحه هذا يجد الدعم والسند من قيادات بالمؤتمر الوطني لأنه يدعم الإسلام ويسهم في انتشاره في العمق الجنوبي، كاشفاً عن الآثار الاجتماعية والدينية الكبيرة التي أحدثها التمازج المسيري الدينكوي. وقال لذلك ينبغي ألا نقطع أواصر هذا التواصل الرباني والاجتماعي. بينما يري القيادي المسيري ورئيس وفد المسيرية للمفاوضات الخير الفهيم أن لا تفاوض من قبلهم حول أبيي مجدداً، وإنما يلتزمون بتنفيذ الإتفاقية التي وقعت في جولة أديس مؤخراً، التي رفعت مناقشة الوضع النهائي لأبيي للجنة رباعية تضم الرؤساء البشير وسلفاكير والإثيوبي ملس زيناوي والوسيط الأفريقي ثامبو أمبيكي. وقال الفهيم في إفادته ل(الأهرام اليوم) إنهم غير معنين بأية مبادرات تأتي سواء كانت فردية أو جماعية، وإنما المعني بها رئاسة الجمهورية التي رفع لها الحل النهائي لقضية أبيي. واختتم الفهيم إفادته بأن مقترحات وآراء حل النزاع في أبيي معني بها مجتمع المسيرية ككل وليس رأي أفراد أو مجموعات. ولفك طلاسم هذه المبادرة اتجهنا صوب الخبير في القانون الدستوري بروفيسور بخاري الجعلي الذي قال إن هذه المبادرة لا سند لها من القانون أو الدستور، وأضاف الجعلي في إفادته ل(الأهرام اليوم) أن هذا لن يتحقق إلا إذا أعلنت دولتا شمال وجنوب السودان ألا علاقة لهما بمنطقة أبيي، وعندها قد يصبح الطريق ممهداً لقبول مثل هذه المبادرات، واستبعد محدثنا أن تجد مثل هذه المبادرة السند والدعم من كلا الجانبين، بينما اعتذر لنا القيادي المسيري المعروف عبد الرسول النور عن الإدلاء بإفادات في هذا الأمر، لعدم عمله بكافة محاور المبادرة التي نحن بصددها، وتبقي الأيام وحدها هي الكفيلة بالحكم على هذه المبادرة نجاحاً غير مألوف من قبل في تاريخ حل نزاعات السودان المختلفة أم فشلا يضاف إلي الفشل الذي ظل ملازماً لحل معضلة أبيي منذ تفجرها. نقلاً عن صحيفة الأهرام اليوم 24/6/2012م