وسط غيوم سياسية تلبد سماء العلاقات السودانية مع دولة جنوب السودان تلقي بظلالها المباشرة علي مفاوضات وفدي الخرطوموجوبا في أثيوبيا برعاية الوساطة الأفريقية رفيعة المستوي علي خلفية قرار مجلس الأمن الدولي الذي حمل الرقم 2046 الصادر عقب أحداث هجليج. وقبل ان يكمل لقاء الرئيسين البشير وسلفاكير أسبوعه الاول والذي تم في أديس أبابا علي هامش اجتماعات قمة مجلس السلم والأمن الأفريقي وقمة الاتحاد الأفريقي أطلقت جوبا اتهاماً للسودان بشن هجوم جوي علي أراضيها في ولاية شمال بحر الغزال وقبل ان تلتقط الحكومة السودانية أنفاسها للرد علي تلك المزاعم والاتهامات الواردة من حكومة جنوب السودان، تحركت قوة مسلحة كبيرة من قوات العدل والمساواة قادمة من الجنوب متجاوزة الشريط الحدودي عند بحر العرب تدعمها تعزيزات من الجيش الشعبي الذي قوامه أعداد مقدرة من أبناء القطاع الغربي لولاية جنوب كردفان بجانب آخرين من ولايات دارفور وقامت القوة المعتدية بإعمال بربرية في الإرجاء الشرقيةوالجنوبيةالشرقية لمحلية عديله التابعة لولاية شرق دارفور والمناطق الغربية من محليتي بابنوسة والمجلد في ولاية جنوب كردفان. ويبدو أن الهجوم الأخير علي مناطق شرق دارفور وغرب كردفان لتحقيق جملة من مكاسب للضغط علي الحكومة السودانية بعد أن أيقنت بأن عبور نفط الجنوب عبر الشمال لن يكون أمراً ميسور المنال وفق الشروط التي ترضي مزاج حكومة الجنوب ولأن الحكومة السودانية لم تنخدع هذه المرة بابتسامات الفريق سلفاكير رئيس حكومة الجنوب عقب لقائه بالرئيس البشير في أديس أبابا في أول حدث مباشر منذ أن شارك البشير في احتفالات إعلان استقلال دولة الجنوب في التاسع من يوليو من العام الماضي. لأن ابتسامات وفد باقان اموم من القبل في الخرطوم وهو قادم من أديس أبابا كانت الغطاء الدبلوماسي لهجوم الجيش الشعبي علي قاعدة هجليج النفطية بعد ساعات فقط من إقلاع طائرة وفد الجنوب من مطار الخرطوم الي جوبا. حكومة الجنوب استخدمت أيضاً أبناء محليات غرب كردفان المنخرطين في صفوف الجيش الشعبي كروت ضغط علي الخرطوم بعد أن شحنتهم وحرضتهم ضد مشروع البترول السوداني باعتبار أنهم ينحدرون من المحليات التي تضم حقوق دفرة وهجليج ونيم وأبو جابرة وبليلة والذين بدورهم ربطوا ذلك بمطلب عودة ولاية غرب كردفان التي كانت قد أذيبت عام 2005م علي جبين اتفاق نيفاشا بين الحكومة الحركة الشعبية، هذا في كردفان التي أرادت حكومة الجنوب ان تراهن عبرها بوجود ثقلها العسكري والسياسي في استمرار استثمارات الحكومة السودانية النفطية في الإقليم وبوجودها أيضاً في ملف إعادة تقسيم إقليم كردفان بعد أن أصدرت رئاسة الجمهورية في مايو الماضي مرسوماً بتشكيل لجنة اللواء شرطة حقوقي حاتم الوسيلة للنظر في إمكانية عودة ولاية غرب كردفان. أما علي صعيد دارفور فأرادت دولة جنوب السودان ان ترسل أشارات قوية تؤكد بها وجودها القوي والفاعل في الخط الموازي لإنجاح مقررات وثيقة مؤتمر الدوحة علي ارض الواقع والذي كان معروفاً عنه ان أكثر الذين وقفوا بصلابة وتشدد في مواجهته هم عدد من قيادات الحركات الدارفورية المتمردة المناهضة لمؤتمر الدوحة وعلي رأسهم عبد الواحد نور ومني اركو مناوي وأبو القاسم أمام وقائد حركة العدل والمساواة السابق خليل ابراهيم الذي لقي حتفه في معارك بين القوات المسلحة والقوة التي كان يقودها عند حدود محلية ود بندة في غرب شمال كردفان مع حدود محلية الطويشة شرق ولاية شمال دارفور بعد أن تضمنت توصيات مؤتمر دارفور للسلام والتنمية الذي احتضنته مدينة الفاشر مؤخراً ضرورة إفساح المجال واسعاً لمزيد من الحوار مع الرافضين لوثيقة مؤتمر الدوحة ومن خلال كل ما سبق يتضح بأن حكومة جوبا تريد ان تؤكد أيضاً بأنها ممسكة بعدة كروت تحتاجها الخرطوم ولا يمكن تفكيك تلك الشفرات خارج بوابات جوبا لإدراكها ويقينها بأن السودان مهدد باختيار عصيب لأمنه القومي في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. وأن حشد هذه المعطيات عبر أجندة ممتلئة بخيارات المناورة الميدانية الواسعة يمنح حكومة لجنوب خيارات ضغط تمكنها من انتزاع مواقف مرنة من وفد التفاوض السوداني بأديس أبابا بعد أن أوصد قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2046) الأبواب تماماً أمام العودة لخيارات الحرب العسكرية المسلحة بين جوباوالخرطوم مهما كانت الدوافع والدواعي والمبررات. والسؤال الجوهري هو: كيف ستقرأ حكومة الخرطوم هذه الخيارات المعقدة علي ارض الواقع وهي تتعرض لامتحان جديد في سهول دارفور ووهاد كردفان أمام الضغوط المعنوية علي المواطنين الذين تقع عليهم مرارات السداد القهري لفاتورة الاعتداءات المسلحة لمتمردي العدل والمساواة الجيش الشعبي التي يقودها نفر من أبناء دارفور وكردفان الذين يدركون فواصل توجيه الضربات المؤلمة لتلك المجتمعات التي ينحدرون منها تحت رعاية إقليمية تنفذها دوائر صهيونية وغربية وتتولي مهمة ترجمة مفرداتها حكومة الحركة الشعبية حليفة تل أبيب وكان درسها المباشر هو تلك المقابر الجماعية الثلاثة الضخمة لقتلي العدل والمساواة والجيش الشعبي خلال الهجوم الانتحاري أول أمس علي التبون وأم شويكة والكركدي الذي وقعت القوات المسلحة علي دفتر انتصاراتها فيه علي المتمردين ودحرهم. نقلا عن صحيفة أخبار اليوم السودانية 25/7/2012م