ما زلت أذكر عبارته تلك جيداً، فقد قال الجنرال جوزيف لاقو وهو يحاول من علي منصة الاحتفال بتدشين حملة البشير الانتخابية في الجنوب: (الرئيس بشير هو رئيس كبير بتاع بلد، ولازم يفوز، فهو زي كابتن بتاع طيارة، ما ممكن نغيرو وفي مطابات كتير تواجه البلد).. كان ذلك في مدينة توريت إلي وصلناها على مشارف الانتخابات الماضية في مارس من العام 2010م ضمن الوفد الإعلامي المرافق لرئيس الجمهورية. عبارة جوزيف لاقو، تم التعبير عنها بصياغات تعبيرية مختلفة، وفي مدن مختلفة مثل كبويتا وياي ومريدي وجوبا، ومن قادة مختلفين كذلك في الحملة القومية لترشيح رئيس الجمهورية، ومن قادة كثر في المؤتمر الوطني ما زالوا يرون أن المخاطر والمطبات التي تعيشها البلاد، تتطلب أن يكون الرئيس البشير في كابينة القيادة، رغم أن تجاوز المطبات بما في ذلك الهوائية منها، ليس رهيناً بقيادة شخص محدد، بل يمكن أن يتغير حتى كابتن الطائرة ب(مساعده)، أو (نائبه) أو أي شخص آخر يمتلك القدرة والمعرفة والإمكانات الضرورية لقيادة الطائرة، والبلاد بالطبع. مخاوف عديدة:- الكثير من قادة المؤتمر الوطني يستبطنون خوفاً من تسمية أحدهم خلفية للرئيس، نظراً للكاريزما والجماهيرية التي حظي بها البشير طوال سنين حكمه قياساً بغيره من القادة الذين يشكلون خلفاء محتملين له. وكإنعكاس طبيعي لهذا الخوف الذي ظل يتنامي منذ أن ألمح الرئيس إلي عدم ترشحه مجدداً، بدا المؤتمر الوطني في توفيق أوضاعه وتهيئة المؤسسات لتفريخ رئيس، أو بالأحرى، مرشح رئاسي باسم المؤتمر الوطني، لأنه من غير المناسب الحديث عن أمر من يخلف البشير في الرئاسة وكأنه شأن يخص الوطني وليس الوطن بكل قواه السياسية المختلفة التي قد تحدث مفاجآة في الماراثون الرئاسي المقبل بعد إن صعب عليها منافسة البشير في الانتخابات الفائتة. وفي الأنباء، أن المؤتمر الوطني يدرس لائحة تعديل اختيار رئيس الجمهورية بإدخال مواد إضافية تسمح بتقديم مرشحين بدلاً عنه. فقد تحدثت مصادر مطلعة بالحزب الحاكم أنهم يدرسون تعديلاً في لائحة اختيار الرئيس للانتخابات المقبلة. ولم تستبعد تلك المصادر الولاة بحيث يختار واحد من الخمسة، أو السبعة أسماء التي تختارها الكلية الشورية ليكون هو مرشح المؤتمر الوطني لرئاسة الجمهورية. تلاحق الكتوف:- هذا الاتجاه الذي برز مؤخراً في دوائر المؤتمر الوطني، مرده – على الأرجح – الشعور بتلاحق الكتوف بين القيادات في الحزب الحاكم ما دوت الرئيس. فلا يوجد مرشح محتمل يتوافق عليه الناس هكذا دون أن يتم ذلك وفق ضوابط محددة يتم الاتفاق عليها مسبقاً. ويتخوف البعض من أن تكرار الطريقة التي انتهجها الوطني في اختيار الولاة في الانتخابات الفائتة، بصورة تؤدي إلى ذات آثارها الجانبية التي لم يجد معها البنادول الذي أوصي به د. نافع للمتفلتين، حيث تفلت – رغم أنف السيستم – قيادات بالوطني بعد أن تجاوزها الترشيح مثلما حدث في ولاية النيل الأزرق عدما لم يلتزم القيادي في الوطني هناك باكاش طلحة بتوجيهات الحزب بدعم مرشحه لمنصب الوالي فرح العقار، فقدم الفوز على طبق من ذهب لمرشح الحركة الشعبية الفريق مالك عقار بعد أن ملخ من المؤتمر الوطني بالولاية أصوات أكثر من عشرين ألفاً كانوا ضعف الفارق بين مرشح الحركة والوطني لمنصب الوالي بالنيل الأزرق. وفي الحوار الذي نشرته صحف الخرطوم أمس، أكد الرئيس البشير أنه على موقفه الثابت من عدم الترشح، ونوه إلي أن المداولات تجري داخل المؤتمر الوطني لكيفية تقديم مرشحهم في منصب الرئاسة والذي سيكون بعد عامين بالضبط حيث ستجري الانتخابات ولديهم الوقت الكافي لترتيب أوضاعهم حسب تقديرات الرئيس. وتفادي الرئيس، مسألة الحديث عن الشخصية المحتملة للترشح للرئاسة، وقال: (نحن نتكلم عن الحزب كيف يختار رئيسه في المرحلة المقبلة، وعندنا مؤتمر كان من المفروض أن يعقد هذا العام وتم تأجيله للعام المقبل، والمؤتمر مفروض أن يسمي رئيساً للمؤتمر الوطني، وممس رئيس المؤتمر الوطني قطعاً سيكون مرشحه للرئاسة). ومما ذهب إليه البشير عن أن رئيس المؤتمر الوطني سيكون مرشحه بالضرورة للرئاسة، يشير إلي احتمال حسم مبكر لهذه المسألة، حيث يتوقع أن يشهد مؤتمر الحزب المقبل تحديد مرشح المؤتمر الوطني للرئاسة. أسئلة مشروعة:- عند الحديث عن خلفية الرئيس البشير دائماً تقفز للذهن تساؤلات من قبيل .. هل سيحافظ المؤتمر الوطني علي تماسكه ويتفق على شخص ما مثلما حدث للبشير؟.. هل يحتفظ الحزب الحاكم ببديل مقنع للبشير يحظي بمقبولية تجعله يجلس على كرسي الرئاسة؟.. هل ترضي المؤسسة العسكرية ببديل للبشير من خارجها؟.. ما هو موقف الحركة الإسلامية والقطاعات الفئوية الفاعلة في الحزب والحركة في هذه القضية؟ .. هل من الممكن أن تتم تسمية أحد القادمين من الخلف مرشحاً باسم الحزب؟.. هل يملك المؤتمر الوطني من الخبرات لملء الفراغ الذي سيجعله البشير بالضرورة؟ كل تلك الأسئلة، وأسئلة أخرى بالطبع تبحث عن إجابات هي نفسها بحاجة إلي إختبار. فقد قال الرئيس في حوار الأمس: (نحن أمضينا كم وعشرين سنة، وفي أكثر من كافية في ظروف السودان، والناس يريدون دماء جديدة ودفعة جديدة كي تواصل المسيرة)، قال: (الخبرات موجودة إن شاء الله). النخبة الموالية:- في حديث سابق لها مع (الرأي العام)، أقرت سامية أحمد محمد القيادية بالمؤتمر الوطني للكثير في حال رفض الرئيس البشير الترشح، وقالت إنهم يعلمون في الحزب أن هناك الكثيرين من الذين منحوا أصواتهم للرئيس البشير في الانتخابات الفائتة رغم أنهم لم يكونوا منتمين للمؤتمر الوطني. بينما يري البروفيسور حسن مكي، إن المؤتمر الوطني لا يعاني من مأزق في تقديم شخص يكونخليفة للبشير، فالنخبة الموالية للمؤتمر الوطني فيها كثير ممن يمكن أن يقوموا بهذا الدور، ولكن هذه النخبة فاقدة للثقة في نفسها لأنها لا تمارس دورا سياسياً حقيقياً وإنما توكل إليها أدور تنفيذية. وأعتبر مكي أن مسألة (تلاحق الكتوف) في الحزب مسألة إيجابية، وقال إذا لم يترشح الرئيس، فإن الفرصة تبدو كبيرة في إحداث التعاقب الدوري للقيادات، أما إذا فشل الحزب في توفير بديل للبشير ف( ليتفرتق ولن يحزن عليه أحد). عقدة الشخصنة:- عند الحديث عن خلافة البشير، دائماً تبرز أسماء من قبيل (علي عثمان محمد طه، د. نافع علي نافع، بكري حسن صالح، أسامة عبد الله وآخرون)، ولكن كل ما يرشح بشأن فرص أي من هذه الأسماء المذكورة – على ثقلها – أو اسماء أخرى تندرج تحت طائلة التكهنات لا أكثر، ويتوقع أن يفتح مزاد الترشيحات وباب التكهنات في المرحلة المقبلة على مصراعيه بعد حديث الرئيس عن التنحي، فقد ذهبت شقيقة الرئيس زينب حسن أحمد البشير مثلاً قبل نحو شهرين تقريباً لترشيح د. غازي صلاح الدين لخلافة البشير. وقالت عن البشير ونائبه علي عثمان قد تعبا ونريد لغازي أن (يتعب شوية). ويري البروفيسور حسن مكي، إن الوطني يمكنه تقديم بديل للبشير في حال أقدم على ثلاثة أشياء وهي: أولاً تحرره من عقدة الشخصنة، وتحوله لمؤسسة تؤمن بتبادل القيادات. وثانياً تحرير كل البلد من الرقابة وإتاحة الحريات ورفع الرقابة الداخلية على الصحف حتى يتم التداول والتفكير الحر فيما يصلح البلد. وثالثاً إصلاح الأوضاع الأمنية والعسكرية في البلاد وإعادة الثقة للمؤسسات التي تشعر أنها ضحية للوضع القائم. احتمالات التراجع:- عوداً على بد، فإن نوافذ الاحتمالات والمفاجآت في من يخلف الرئيس البشير تبدو مشرعة جميعها ومفتوحة على أكثر من احتمال، وقد يكون من السابق لاوانه الآن الجزم بأن احدهم هو الأوفر حظاً للخلافة، وان كان النائب الأول نفسه. لأن من أكثر الاحتمالات رجوحاً، هو أن يكون خليفة البشير هو البشير نفسه. صحيح .. إن الرئيس أكد هذه المرة بوضوح تام أنه لن يترشح مرة أخرى، ولكن الصحيح أنه أكد ذلك من قبل في العام 2007م، وقال في حديث شهير: (الشعب السوداني ملول وابحثوا عن رئيس غيري)، ولكنه جاء بعد ذلك وترشح للرئاسة بعد أن تكاثفت عليه الضغوط بضرورة الترشح وقيادة البلاد في المرحلة الموصوفة بشديدة التعقيد، فهل يتراجع الرئيس مرة أخرى، خاصة وأن هنالك الكثير من الجهات التي ستدفعه إلى ذلك بحجة أن الظروف أصبحت أكثر تعقيداً من ذي قبل، أم أن قرار الرئيس نهائي هذه المرة؟!. نقلاً عن صحيفة الرأي العام السودانية