بحساب خاطئ تماماً قصف قطاع الشمال مدينة كادوقلي قبل أيام بالتزامن مع زيارة الرئيس البشير الى جوبا. وبذات الحساب الخاطئ هدد القطاع بإعادة الهجوم على المدينة منذراً سكانها بإخلائها. كل ذلك والحكومة السودانية تعمل على حلحلة خلافاتها مع جوبا، وتعد وتستعد للتفاوض مع القطاع. قد يقول قال إن القصف الذى قام به القطاع مستخدماً مدافع الكاتيوشا لا يتعدى كونه قصفاً سياسياً، فهو يشبه محاولة (اللعب بألعاب نارية) للفت الأنظار! بعض آخر قد يقول إن القطاع (حانق) على عودة العلاقات السودانية الجنوبية وهي تنزع عنه المساحة الوحيدة التى برع في اللعب فيها بتكتيكات حفظها عن ظهر قلب. القطاع بطبيعة الحال لا يستطيع لوم جوبا أو معاتبتها على تحسين علاقاتها مع الخرطوم خصماً عليه، وفى ذات الوقت لا يستطيع أن يتحول 180 درجة بين عشية ضحاها ليلقي سلاحه ويستسلم للتطور الايجابي الجديد بين الجاريتين. وقد يصح افتراض ثالث -مكرر وممجوج- وهو أن القطاع وقبل جلوسه للتفاوض يسعى ليمد المدى المتاح لمدفعيته على الأرض حتى يمتد لذات المدى على طاولة المفاوضات وهي طريقة ورثها القطاع – طبعاً مع الفارق الشاسع – من زعيم الحركة الراحل جون قرنق، حين كان يتخير الوقت المتاخم تماماً لمائدة المفاوضات ويرسل قذائفه الى المدن. ولكن في كل هذه الفرضيات هنالك حلقة مفقودة، فالقطاع بحاله الذى يمكن أن يُوصف بأنه مزري لا يملك من الناحية الواقعية الوزن الذي يمكن أن يمثل هاجساً للحكومة السودانية ولعل أقصى ما ظل يؤرق الحكومة السودانية وقوف جوبا -بثقلها- وراء هجمات القطاع تسليحاً وتشويناً، بل وحتى مشاركة من الجيش الشعبي الجنوبية بالآليات والأفراد، وقد وصل الأمر في إحدى المرات مشاركة أفراد ذوي بشرة بيضاء هم دون شك من المرتزقة الذين عادة ما تدفع بهم الشركات الأمنية الأمريكية والإسرائيلية بخبراتهم القتالية، لحسم المعارك بسرعة. كانت كل الأزمة هي أن جوبا هي التى تحارب للقطاع حربه ضد الحكومة السودانية، والآن حدثت تحولات ميدانية حقيقية نتيجة للتحولات السياسية التى أفرزتها اتفاقية التعاون المشتركة والمصفوفة. أصبحت هنالك منطقة عازلة خاضعة لرقابة دولية ومحلية. وعاود النفط الجنوبي تدفقه فى الأنابيب السودانية، وهناك زيارة مرتقبة -رداً على زيارة الرئيس البشير لجوبا- من جانب الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت . و لعل اسطع دليل على أن قطاع الشمال مجرد (حبال بلا بقر)، أن الرئيس كير عرض على الخرطوم التوسط فى الأزمة الناشبة بينهما وهذا وبصرف النظر عن قبول الخرطوم له أو رفضه يحسب ضمن ما يمكن وصفه بإدراك الرئيس الجنوبي إدراكاً عميقاً أن القطاع بدون جوبا لا يساوي شيئاً. ولن نبالغ إن قلنا، إن الأمر هنا وثيق الشبه بالحالة الارترية حيال أزمة الشرق في وقت سابق، فقد تبنت ارتريا فى العام 2007 مفاوضات الشرق ودعمتها بقوة وانعقدت فى عاصمتها أسمرا لتسفر عن اتفاقية أسمرا 2007 مستفيدة من مزاياها الأمنية والسياسية فى بحثها الدءوب -يوم ذاك- عن حدود مشتركة آمنة ومستقرة بينها وبين السودان. في ما يبدو أن جوبا الآن الباحثة هي الأخرى عن حدود آمنة ومستقرة بحكم ما أثبتته لها التجربة من حيوية هذا المطلب الهام، سوف تسعى لتتوسط فى حل أزمة قطاع الشمال بطريقة أو بأخرى، ولهذا فإن القطاع وكما أسلفنا –بحساباته الخاطئة– كاد أن يفقد دعم جوبا إن لم يكن قد فقده تماماً، فإذا أصر على المضي قدماً في أعماله العدائية، فإنه مرشح لفقد جوبا تماماً كما فقدت حركة العدل والمساواة تشاد، وأصبحت منذ ذلك اليوم متشردة وهائمة على وجهها تتخطفها الظروف والانشقاقات.