الحرب التي تدور رحاها الآن في جنوب السودان بين فرقاء الحركة الشعبية المتصارعين، والتي توشك أن تتحول لصراع قبلي يتم القتل فيه علي الهوية؛ تمثل تحدياً حقيقياً لإدارة الرئيس أوباما، فدولة جنوب السودان الوليدة ولدت علي يد القابلة الأمريكية المتمثلة في الإدارتين الأميركيتين الأخيرتين وهما إدارة بوش الابن وإدارة أوباما، بالتالي تنظر الإدارة الأميركية بحذر لما يدور في جنوب السودان من احتراب خيب كل آمال الإدارة الأميركية في دولة تسودها الديمقراطية وتحتكم للقانون. وقبل أن يمضي عامان ونصف العام علي الاستقلال الهش دارت الآلة الحربية في الجنوب وارتفع دوي المدافع وأزيز الرصاص ليغتال الحلم الأمريكي في دولة حديثة ديمقراطية تنضم للعائلة الدولية وتنعم بالاستقرار والتنمية.. ولكن هل يفكر الأمريكان في التدخل العسكري لحسم الأمور في جنوب السودان؟ التدخل العسكري الأمريكي في جنوب السودان مسألة شائكة وقضية في غاية التعقيد، فالأمريكان سيحتارون إذا اختاروا الحسم العسكري، مع من يتدخلون؟ وضد من؟ فالرئيس سلفاكير يعتبر أحد أهم حلفائهم في المنطقة، كما أن سلفا وشركاه لا يعتبرون بعيدين عن الصداقة الأميركية وليسوا مصنفين ضمن الزعماء الذين يمكن التضحية بهم وحسمهم عسكرياً، ومن هنا يأتي تعقيد المسائل علي صعيد التدخل العسكري الأمريكي. وقد أرسلت الإدارة الأمريكية مجموعة من جنود المارينز الأمريكان للجنوب في بداية الأحداث، لكن حجم القوة التي تم إرسالها لا تشير إلي تدخل أمريكي حقيقي، بالعكس فقد أعلن أن القوة مهمتها الأساسية حماية المصالح الأميركية في جنوب السودان، ويدخل في ذلك بالضرورة حماية الطاقم الدبلوماسي ومباني السفارة الأميركية في الجنوب وحفظ الممتلكات الأميركية بها، بالإضافة إلي إجلاء الرعايا الأمريكان إلي يوغندا أو غيرها من دول الجوار ضماناً لسلامتهم...وعلي هذا فإن تهديدات الرئيس أوباما بالتدخل العسكري في جنوب السودان يمكن أن تقرأ أن المقصود منها هو ردع الفرقاء المتشاكسين وتهديدهم لئلا تصل المعارك الي مناطق البترول، وضرورة السعي في الحل السياسي للمشكلة وهو ما حدث بالفعل من خلال اتفاق الأطراف علي الحوار في أديس، والإفراج عن المعتقلين السياسيين في الجنوب لينخرطوا في عملية التفاوض. والولايات المتحدة تفضل أن يتم الحل السياسي علي يد المنظمات الأفريقية الإقليمية للتدخل السياسي بدلاً من الظهور الأمريكي المباشر علي مسرح الأحداث، وفي هذا الإطار جاء تحرك الإيقاد، والاتحاد الأفريقي، لتنتهي المسائل إلي ضرورة التفاوض في مقر الاتحاد الأفريقي في أديس. وفي سياق متصل فجر البروفسور ديفيد ديشان الضابط السابق بالحركة الشعبية والدبلوماسي السابق بالخارجية السودانية قنبلتين في ندوة سياسية عقدت بالخرطوم الأسبوع الماضي، الأولي بإعلانه أن النوير هم القبيلة الأكثر عدداً في جنوب السودان حسب إحصاء 2008م علي عكس ما يتبادر إلي الأذهان أو ما يشاع سابقاً من أن الدينكا هم الأكثر عددا في الجنوب، والثانية أنه لم يستبعد أن يتم تقسيم الجنوب خلال هذه الحرب وتوقع أن تكون أعالي النيل الكبرى دولة مستقلة عن جنوب السودان، ودعم رأيه بأن أعالي النيل الكبرى لها كل مواصفات الدولة المستقلة من حيث الموارد الطبيعية والكثافة السكانية والمساحة الشاسعة، نسبياً.. كما طالب الحكومة السودانية بضرورة التعامل مع يراك مشار باعتباره، حسب ما ذهب إليه، أقرب إليها من الرئيس سلفاكير. وهذه مجموعة قضايا لن تتضح معالمها النهائية إلا بعد أن تجري جولة المفاوضات بين الفرقاء الجنوبيين في العاصمة الإثيوبية أديس، وإلي أن تنتهي هذه الجولات.. يضع المراقبون والمشفقين أيديهم علي قلوبهم خوفاً من أي تداعيات سالبة. نقلا عن صحيفة الصحافة السودانية 29/12/2013م