'لا' مدوية اطلقتها شركة خدمات الإنترنت الأمريكية العملاقة جوجل يوم الاثنين الماضي في وجه مسئولي الحكومة الصينية الذين يصرون علي استمرار الرقابة الذاتية من جانب الشركة لمنع تداول المعلومات التي من شأنها تهديد الأمن القومي للصين واستقرارها الاجتماعي والسياسي. وجاء الرفض القوي من جانب الشركة في صورة قرار بالانسحاب من السوق الصيني ونقل موقع البحث باللغة الصينية إلي هونج كونج. وتأتي هذه الخطوة من جانب الشركة بعد مفاوضات طويلة وشاقة مع المسئولين الصينيين منذ يناير الماضي لتغيير ما تم الاتفاق عليه بين الجانبين في عام2006. حيث توصل الجانبان منذ اربع سنوات إلي اتفاق يسمح للشركة بإطلاق خدمتها للبحث باللغة الصينية في مقابل حجب المواقع التي لا تروق للحكومة الصينية مثل المواقع المرتبطة بالحركات السياسية المعارضة أو الحركات الانفصالية في الأقاليم النائية في الصين. غير أن موقف الشركة تغير مع بداية هذا العام حيث هددت بالانسحاب من الصين اذا لم تتمكن من تقديم خدمات موقعها باللغة الصينية بلا رقابة. وارجع عدد من المراقبين سر هذا التغير إلي اكتشاف تعرض خدمة البريد الإلكتروني الخاص بالشركة لهجمات إلكترونية من مواقع صينية بهدف فك الشفرة الخاصة بالشركة والتسلل إلي البريد الإلكتروني الخاص بنشطاء صينيين يدافعون عن حقوق الإنسان في الصين. كما فسره البعض الآخر برغبة الشركة في جذب زبائن صينيين جدد عن طريق زيادة المصداقية لديهم بشأن عدم وجود رقابة علي قيامهم بالبحث عن طريق الشركة. ومنذ ذلك الحين شنت وسائل الاعلام الصينية هجوما ضاريا علي الشركة الأمريكية. حيث قامت وكالة الانباء الصينية الحكومية' شينخوا' باتهام جوجل بالعمل وفق اجندة سياسية تخدم المصالح الأمريكية مشيرة إلي أنها تحاول نشر القيم والثقافة الأمريكية في الصين بالتعاون مع الاستخبارات الأمريكية. وجاء هذا الهجوم في ظل حظر تفرضه الحكومة الصينية علي شركات تقديم خدمات الانترنت خاصة في مجال عرض صور أو مواضيع مناهضة للحكومة الصينية وفي ظل حجبها مواقع واسعة الانتشار علي شبكة الانترنت مثل' فيسبوك' و''تويتر'. من المستفيد؟ وأثارت قضية انسحاب( جوجل) من الصين تساؤلات مهمة من بينها: من هو المستفيد ومن هو المتضرر المستفيد بكل تأكيد هي الشركات المنافسة لجوجل. فسوق بحجم الصين تدر أرباحا طائلة للشركات التي توفر خدمات البحث فيها وذلك لأنها أكبر بلد من ناحية عدد مستخدمي الإنترنت بواقع400 مليون مستخدم لاسيما أن الإعلانات المرتبطة بخدمات البحث أصبحت الأكثر طلبا هذه الأيام. وفي هذا الاطار من المتوقع ان تكون شركة بايدو الصينية التي تستحوذ حاليا علي60 في المائة من سوق البحث علي الانترنت في الصين من كبار المستفيدين من خروج جوجل من الصين. وقد استفادت' بايدو' بالفعل أخيرا من انسحاب جوجل في صورة ارتفعت قيمة أسهمها في البورصة بنسبة44 بالمائة. ومن جهة ثانية من المنتظر ان تستفيد شركة مايكروسوفت أيضا خاصة أنها تحاول جذب المستخدمين إلي محرك البحث بينج(Bing) بعد أن أبرمت أخيرا اتفاقا مع شركة موتورولا المختصة لتطوير التليفونات المحمولة. وبموجب هذا الاتفاق فستكون خدمة بينج هي خدمة البحث بدلا من جوجل في جميع هواتف. أما المتضرر الأكبر بلا شك فهو شركة جوجل نفسها والشركات المرتبطة بها. فجوجل بعد خروجها سوف تخسر نسبة كبيرة من اعلانات الشركات في السوق الصيني. السر وراء الانسحاب فإذا كان الأمر كذلك فما هو سر إنسحاب عملاق البحث الأمريكي من أكبر سوق في العالم في هذا التوقيت؟ هل هي حسابات السياسة بين الدول والتي غالبا ما تطغي علي كافة الحسابات الأخري أم أنها حسابات المال؟. عدد من المراقبين يؤكد انها حسابات السياسة في ضوء احتدام التوتر بين الصين والولايات المتحدة أخيرا بشأن عدد من القضايا من أهمها رفع صرف العملة الصينية( اليوان) وقيام الإدارة الأمريكية ببيع صفقة أسلحة متطورة إلي تايوان واجتماع الرئيس الأمريكي باراك اوباما مع الدالاي لاما الزعيم الروحي للبوذيين التيبتيين الذي تتهمه بكين ب'الانفصال' وهو ما يعتبره الصينيون' انتهاكا لسيادة الصين'. ولذلك لا يستبعد معظم المراقبين أن يؤدي إصرار الصين علي استمرار الرقابة علي الانترنت إلي القاء مزيد من الزيت علي النار المشتعلة بين واشنطنوبكين خاصة مع ترحيب العديد من منظمات حقوق الانسان بموقف جوجل الأخير. حيث وصفت منظمة' مراسلون بلا حدود' هذا الموقف بأنه' شجاع'. والتساؤلات الحائرة الان هي: هل سيؤدي انسحاب شركة جوجل من العمل في السوق الصيني نتيجة اصرار الصينيين علي بناء سور عظيم حول الانترنت لحماية امنهم القومي من' الغزو' المعلوماتي إلي الصدام بين العملاقين؟ وهل سيكون ذلك بداية لإعلان حرب جديدة من أجل خلق' عالم بدون حدود علي الانترنت'؟ وهل قادة الصين علي استعداد لتحدي الكبرياء الامريكي الذي يري البعض انه تعرض للإهانة بعد خروج العملاق الأمريكي للبحث علي الانترنت من أكبر سوق له في العالم؟. المصدر: الاهرام 28/3/2010