لو كانت النخبة المصرية الحاكمة عند وعيها الكامل، وأقصد الوعي والأمني والاستراتيجي تجاه محيطها المجاور، لاستوعبت أن المطلوب منها وبمجرد أن يقوم السودان خطوة واحدة تجاه مصر أن تكافئه مصر بمئات الخطوات الإيجابية نحوه وفي اتجاه تغيير سياستها وأسلوبها مع السودان . ولو كانت النخبة المصرية الحاكمة عند وعيها لاستبقت انفجار قنبلة أزمة الحدود في حلايب وشلاتين بتنازلات وتسويات مرضية للسودان، لأنه وبحسابات الخسارة والمكسب فإن مصر لا تملك 10 بالمائة من كروت الضغط التي يمتلكها السودان ضد مصر علي كل المستويات الإستراتيجية للأمن المصري. السودان وبرغم قوة موقفة في علاقاته المشتركة مع مصر،لكنه وبكل نبل وترفع يؤجل ويجمد ويخدر ويتجاوز محكات إشعال ملفاته القابلة للاشتعال معها بل يكاد يبطل فعالية بعض الملفات المتفجرة بمبادرات لا تفسير لها سوي الحب والتقدير وحسن الخلق السياسي واحتفاظه في القلب بمكانة كبيرة للشعب المصري. هذه الحقائق لا تأخذها الكثير من النخب المصرية بعين الاعتبار وهي تمارس حالة من الاستخفاف وعدم المبالاة، كونهم لم يتواجهوا بالعين السودانية الحمراء من قبل، فضلاً عن ظنهم بأن تواضع وتجنب السودان لما يعكر ويؤزم علاقته بمصر ناتج عن شعور بالضعف أمام مصر. والآن وبعد زيارة تميم وكشف وزير الدفاع الأثيوبي بنود اتفاق الدفاع المشترك بين السودان وأثيوبيا دخل ملف السودان إلي أعمق دهاليز وغرف المخابرات المصرية.. دخل إلي اللحم الحي. لقد ضيعت مصر فرصتها في كسب السودان لجانبها بلا شك، ضيعتها بالاستهتار والاستماع إلي بعض أرزقيه الصحافة السودانية. لو كانت مصر تقدم السبت الحقيقي للسودان، ولو كانت مصر تتخلي عن تعديها السافر علي أرض السودان، ولو كانت مصر كافئ مشاعر السودان تجاهها بمشاعر مماثلة. ولو كانت مصر تحرص علي إلجام لسان إعلامها العاهر من الإساءات المستمرة للسودان، ولو كانت مصر دبرت أمرها جيداً مع السودان، لنجحت علي الأقل في تحييد كامل لموقفه إن لم نقل كسب موقف السودان إلي جانبها. لم تفعل ولن تفعل، لأن أفكار الاستعلاء الجاهلي القديم لا تزال (معشعشة) في عقول هؤلاء ولا يزالون حتي يوم أمس القريب وفي سياق تحذيرات خبرائهم من زيارة تميم للسودان يحذرون منها بلغة (انتبهوا للجنوب) وكأن السودان محافظة مصرية يجب احتواء تمردها علي المركز. في وهم جميل أنتم تعيشون يا سادة.. فحديث وزير الدفاع الإثيوبي سيراج فيجيسا، يعني أن أرض السودان لن تكون ميدان حرب ضد أثيوبيا مع احتمالات كبيرة وواجبة علي السودان بأن يكون العكس صحيحاً لو اضطر الأمر. والاتفاق العسكري المشترك حسب فيجيسا يقضي بمواجهة أي عدوان خارجي أو أي تهديد محتمل. هذه عهود ومواثيق نأسف لعدم استعدادنا لخيانتها و(الصيف ضيعت اللبن) يا سيسي. نقلا عن صحيفة اليوم التالي 7/4/2014م