الطرح الجديد الذي دفعت به حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية لحل مشكلة الجنوب سيخلق وضعاً مغايراً لما هو عليه داخل الصراع الجنوبي – الجنوبي، ويضع الحكومة القائمة في وضع يلزمها بتقديم تنازلات تتقاطع مع مصالحها التي حاربت الآخرين من أجلها، وهي كرسي الحكم. أما الطرف الآخر فإن الفرصة مفتوحة أمامه للجلوس في طاولة المفاوضات، بعد أن وجد مساحة يتنفس فيها برعاية أمريكية. فقد اقترحت الولاياتالمتحدةالأمريكية على رئيس جمهورية جنوب السودان تشكيل حكومة انتقالية لحل الأزمة في بلاده، بينما رحب الدكتور رياك مشار بالمقترح واعتبره واحداً من ضمن مواقفه في المفاوضات. كيري والعصا بدأ وزير الخارجية الأمريكية، جون كيري، في لعب دور كبير تجاه قضية جنوب السودان، وذلك من خلال زيارته للعاصمة جوبا، ولقائه بالرئيس سلفاكير، ولم يمكث فيها ساعات، طرح فيها لقاء مباشراً مع رياك مشار ووجد قبولاً ذلك المقترح الذي لم يتحدد موعداً له بعد. وهنا أبرز وزير الخارجية العصا الأمريكية في حال عدم التوصل إلى حل نهائي قائلاً: ((إذا لم يلتزم الطرفان بتلك المقترحات، فإن هناك عقوبات ستفرضها عليهم الحكومة الأمريكية، نحن نتعامل مع الموضوع بجدية تامة، لان الآلاف قد قتلوا في هذا الصراع، لا نتحمل أن يعيش جنوب السودان في حالة حرة)). ولم يغفل الأمريكان عن الدور الأفريقي في حل النزاع القائم والجهود التي يبذلها الوسطاء الأفارقة عبر الاتحاد الأفريقي ومنظومة الإيقاد للسعي من أجل إيجاد حلول بين المتحاربين في الدولة الجديدة، فقد قال كيري إن المقترح سيعرضه لوزراء خارجية إيقاد خلال اجتماعهم في أديس أبابا، مطالباً لهم بضرورة الإسراع لإنقاذ حياة المدنيين الأبرياء الذين يجري قتلهم في هذا النزاع. وقد وافق المتحدث باسم رياك مشار حسين مار في تصريحات له عن موافقتهم على المقترح الأمريكي، بينما لم يتقبله الناطق الرسمي باسم الحكومة مايكل مكواي، الذي طالب – في البداية – بضرورة إيقاف الحرب. نظرة سلفاكير لدي الأمريكان الرئيس سلفاكير ميارديت، ومنذ إطاحته بخصومه في يوليو العام الماضي أصبح منفرداً بالسلطة، وهذا ما لم يعجب الاتجاه الأمريكي – كما ذكر تقرير سابق لصحيفة (نيويورك تايمز)- أوضح فيه إن سلفاكير ميارديت يمثل مشكلة في حد ذاته نتيجة إقالته لنائبه رياك مشار. وأشارت الصحيفة إلى أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري حذر في اتصال هاتفي يوم الجمعة الماضي سلفاكير من تشكيل حكومة جديدة سريعاً، مؤكداً ضرورة وقف الاشتباكات العرقية في ولاية جونقلي، وشن حملة على جنود جيش جنوب السودان، الذين تبين أنهم مدانون في انتهاكات حقوق إنسان. وأوضح التقرير إن الإدارة الأمريكية أيدت بشدة حكومة جنوب السودان التي يقودها سلفاكير ميارديت. وأن النفوذ الكبير لواشنطن على جوبا باعتبارها أكبر الداعمين لها بالمساعدات المالية، وأن البيت الأبيض يري بعد أعوام من أجل تشجيع الديمقراطية في الدولة حديثة الاستقلال ليس مستعداً للقبول بأية إجراءات للانقلاب عليها. وانتقدت الصحيفة بشدة اهتمام كبار مسؤولي مجلس الأمن القومي الأمريكي بالمتابعة المباشرة واللصيقة للنزاع السوري، بينما طلبوا من جماعات حقوق الإنسان اطلاعهم على ما يحدث في جنوب السودان رغم إبدائهم مخاوفهم من استفحال الصراع القبلي والسياسي في الدولة الأفريقية الناشئة. ونوهت إلى أنه ومع ذلك فإنهم يعملون أيضاً من أجل الحفاظ على واحد من أهم انجازات إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما القليلة في أفريقيا، إلا وهو الاستفتاء الذي جري في عام 2011م، وفصل جنوب السودان عن السودان وخلق دولة جديدة، خاصة وأن الولاياتالمتحدة وغيرها من الدول الأوروبية أغدقت مليارات الدولارات على جنوب السودان قبل وعقب الاستفتاء لمحاولة تحويل أرض شديدة الفقر بها احتياطيات نفط لكن ذات تاريخ طويل من العنف وقليل من السير بنظام المؤسسات إلى دولة قادرة على البقاء. أما رياك مشار فقد أصبح طرفاً راجحاً لدي الأمريكان بعد ان أصبح يستحوذ على الجانب النفطي من خلال امتداده القبلي وانتشار قواته في المناطق الغنية بالنفط. والولاياتالمتحدة أعلنت موقفها مبكراً بأنها لا يمكن أن تتراجع عن ((حماية مصالح)) شعب جنوب السودان، الذي عملت، وبكل قوتها، لتحقيق ((حريته واستقلاله)). وهنالك مبرر آخر لتلعب الولاياتالمتحدة في الجنوب دوراً أكبر، وهو موقع السودان في الحرب الأمريكية على الإرهاب. إذ ركزت الولاياتالمتحدة على منطقة القرن الإفريقي، حيث توجد أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في جيبوتي. وتستطيع هذه القوات الانتشار في الدول المجاورة. بيد أن التفكير الاستراتيجي الأمريكي قد وسع أخيراً من الاعتبارات الأمنية لتشمل منطقة الساحل الإفريقي الكبرى وغرب إفريقيا، حيث توجد تهديدات من جانب بعض الجماعات الإسلامية المتشددة في دول هذه المنطقة. وطبقاً لهذا التصور الجديد، تقوم الولاياتالمتحدة بتوفير الدعم والتدريب لقوات إفريقية محلية، حيث بدأت بأربع دول هي: مالي وموريتانيا وتشاد والنيجر. وقد تم تخصيص ميزانية مقدارها (125) مليون دولار أمريكي لهذا الغرض. كما أن المصالح الإستراتيجية الأمريكية في السودان، إذ يشكل حوض النيل بما يحويه من ثروات وموارد طبيعية ركيزة أساسية للوجود الأمريكي. ولهذا فإن المقترح الذي رمي به وزير الخارجية الأمريكية جون كيري ينبئ بأن الولاياتالمتحدة لن تصبر على الحلول الجزئية، ولهذا دفعت بمقترح الحكومة الانتقالية لكي تخطو بالأزمة القائمة خطوات بعيدة تنهي النزيف القائم، الذي راح ضحيته أكثر من عشرة آلاف مواطن، وتوطن حكومة تستطيع من خلالها تحقيق أهدافها. نقلاً عن صحيفة الخرطوم 2014/5/4م