من الواضح أن الأمور ما بين الحكومة السودانية والمعارضين لها قد عادت الى المربع الأول وأن الاعتقالات التي طالت كلا من زعيم حزب الأمة الصادق المهدي وزعيم المؤتمر السوداني ابراهيم الشيخ قد أصابت مبادرات الحوار الوطني في مقتل ولذلك ليس أمام الحكومة إلا الإقرار بأهمية تهيئة الأجواء للحوار وأن ذلك مرهون بإطلاق صراح الزعيمين بدون قيد أو شرط، باعتبار أنه ليس من المعقول أن يزج بهما في السجون والحكومة ترتب للحوار الوطني لإيجاد مخرج ناجع لأزمات السودان. فالقضية أكبر من مجرد اعتقال زعيم حزب بتهم أمنية وإنما هي في إيجاد المخرج من عنق الزجاجة التي يعيش فيها السودان حاليا وأن الحكومة وبما أنها هي التي دعت وسعت للحوار فالمطلوب منها أن تعني للحوار مطلوبات متنوعة ومتعددة ومن أهمها تهيئة الأجواء وهذا يعني الكف عن الاعتقالات السياسية وتعكير الأجواء والسعي الجاد لإعادة الثقة المفقودة بين الأحزاب المعارضة والحكومة، فالجميع يدرك أنه رغم إعلان الحكومة السودانية رغبتها في الحوار إلا أن المناخ الحالي بالسودان غير ملائم لإجراء الحوار الوطني إلا اذا ما تخلى الحزب الحاكم عن مضايقة قادة الأحزاب المعارضة عبر الاعتقالات . من المؤكد أن الحوار هو المدخل الاول والأساسي لحل أزمات السودان المستفحلة وبما أن الحزب الحاكم قد أقر بوجود أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية بالسودان خلقها هو خلال فترة الحكم التي استمرت لأكثر من24 عاما فعليه أن يقر بأن الحل ليس بيده وحده وإنما بالمشاركة مع الآخرين وأن هذه المشاركة يجب أن تكون وفقا لشروط الآخرين وليس على شروطه ومن أهم هذه الشروط تهيئة الأجواء السياسية وهذا يعني إطلاق صراح المهدي والشيخ والإعلان صراحة عن أسس جديدة للتعامل مع الأحزاب تقوم على الحوار والثقة المتبادلة وليس على الاستعداء والاعتقال وتوجيه التهم. فاعتقال الزعيمين الصادق المهدي وابراهيم الشيخ أعاد الأمور بالسودان الى المربع الأول وهو مربع يضر بالجميع، فالحكومة من جانبها مهما استخدمت آلتها الأمنية والعسكرية فإنها لن تفلح في كسر شوكة المعارضة لان المعارضة السياسية جزء من نسيج المجتمع السوداني وهي بهذا الأساس يجب أن تكون عينا للحكومة تبصر بها بدلا من تسليط عين الرقابة عليها، لان قضايا السودان الحالية لن تحل إلا بحوار بين الحكومة والمعارضة وأن ما يجري حاليا في ظل إعلان المعارضة عدم المشاركة في الحوار المرتقب ما هو إلا حوار بين الحكومة وبعض الموالين لها والإسلاميين بقيادة الدكتور حسن الترابي. إن المعارضة السودانية بجميع أطيافها السياسية منها والمسلحة لم يشترطوا إلا تهيئة الأجواء بقرارات من الرئيس ومن بين هذه المطلوبات إطلاق سراح السياسيين و بالإقرار بالحريات السياسية والإعلامية والإقرار بأهمية الحل القومي للأزمات بعيدا عن هيمنة الحزب الحاكم وأن ذلك مرهون بقيام لجنة مستقلة تتولى جميع شؤون الحوار من حيث الدعوات للمشاركين فيه على أن يلتزم الجميع بمن فيهم الحزب الحاكم والحكومة بتنفيذ توصياته والتى يجب أن تشمل تكوين حكومة قومية جامعة هدفها وضع الدستور وتهئية الأجواء للانتخابات القادمة التي يجب أن تشارك فيها جميع الأحزاب. كما أن هذا الحوار يتطلب تهيئة المناخ الداخلي والخارجي وهذا يستلزم من الحكومة ليس الإعلان فقط عن السماح للأحزاب بحرية العمل السياسي وإنما تهيئة ذلك بقرارات وإجراءات تحد من تغول الأمن على العمل السياسي. بإخراج الأجهزة الأمنية من الممارسة السياسية تماماً لتهيئة المناخ بحيث تكون السياسة هي التي توجّه الأمن وليس الأمن مَنْ يوجه السياسة كما هو الحال حاليا بالسودان فليس من المعقول أن يعتقل زعيما حزبين بقضايا سياسية تحدثا حولها في مهرجانات سياسية عامة في إطار حق الأحزاب في تنظيمها. إن تغول الأمن على السياسة بالسودان هو السبب الرئيسى في عدم الثقة بين الحكومة والتي يمثلها الحز ب الحاكم بآلياته والمعارضة بجميع أطيافها باعتبار أن الحزب الحاكم تغول على الدولة وسيطر على مفاصلها سياسيا وأمنيا وأن المطلوب من هذا الحوار أن يعمل على إخراج الدولة من سيطرة الحزب الواحد بحيث يكون هناك فرق بين مؤسسات وأجهزة الدولة الأمنية والتنفيذية والحزب الذي لايجب أن يستغل هذه الأجهزة حتى تكون قوميتها مقنعة للجميع وليس كما هو الحال حاليا مثار خلاف. إن إعادة الثقة بين الحزب الحاكم والمعارضة يجب أن يكون هو الهدف الأساسي الذي يعمل على تحقيقه الجميع قبل الحوار المرتقب حتى لا يفشل قبل أن يبدأ وأن تهيئة الأجواء السياسية تبدأ بإطلاق سراح الصادق المهدي وابراهيم الشيخ وإسقاط جميع التهم عنهما وإطلاق الحريات السياسية والإعلامية ، فشروط المعارضة لإنجاح الحوار ليست صعبة وهي متناول يد الحكومة اذا كانت هي جادة للحوار ،فالمعارضة لم تطالب إلا بتوفير المناخ المناسب للحوار وهذا يتم عبر إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وإطلاق الحريات الصحفية والسياسية للجميع وهذه مطالب أساسية من شأنها أن تنجح الحوار حتى أن المسؤولين بالحزب الحاكم يرونها وجيهة فالمطلوب أن تكون هذه الإجراءات واضحة وجلية في شكل قرارات تلزم جهاز الأمن بعدم مضايفة الأحزاب باعتبار أنه هو الموجه الأول للسياسة بالسودان وصاحب اليد الطولى في مواجهة أحزاب المعارضة التي تريد الدخول في حوار وطني جاد ينهي حالة الانقسام بالسودان. ولذلك فالكرة في ملعب الحكومة لإعادة النظر في مواقفها لإثبات جديتها في الحوار الذي تدعو وتسعى إليه كمخرج من الأزمة الحالية. إن الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في السودان في تدهور مستمر وتنذر بكارثة حقيقية والحزب الحاكم يدرك حقيقة ويدرك أيضا أن الحوار بدون المعارضة الفاعلة خاصة حزب الأمة لن يكون لها جدوى سياسية كما أن السودان يعيش في شبه عزلة خارجية متزايدة ، وأن الأوضاع حاليا في أضعف مراحلها بالسودان من الناحية الاقتصادية يواجه صعوبات ضخمة، وأن الحزب الحكم أدخل نفسه و السودان في ورطة، وليس أمامه مخرج إلا عبر الحوار لوضع خريطة طريق جديدة تعيد السودان الى وضعه الطبيعي وعلى الحزب الحاكم أن يدرك أن طريق الحوار الوطني شاق، فالمعارضة السودانية رغم أنها ضعيفة ومتهالكة وتعيش في حالة انشقاق وتمزق إلا أن حال الحزب الحاكم ليس أفضل منها وأن الطرفين، الحزب الحاكم والمعارضة مسؤولان عن ما حل بالسودان من كوارث وأزمات سياسية مصنوعة ولذلك فإن الحوار الوطني هو الفرصة الاخيرة للخروج من هذه الدوامة وأن المطلوب فقط هذه المرة الجدية وأن هذه الجدية تبدأ من إطلاق سراح الصادق المهدي وابراهيم الشيخ وإسقاط جميع التهم عنهما لتهيئة الحوار المرتقب الذي لن يكون له أي جدوى بدون مشاركة جميع قادة المعارضة وعلى رأسهم المهدي والشيخ. المصدر: الراية القطرية 10/6/2014م