ما يُحدّد مصير الأزمات هو أسلوب إدارتها وليس انتظارها حتى تتفاقم وتتسبب بانسداد الآفاق، وقد لا يكون سدّ النهضة الإثيوبي استثناء في هذ السيّاق، إلا قدر تعلقه بالنيل الذي يشكل شريان الحياة لمصر التي يعيش تسعون مليوناً من سكانها حوله، وعلى أقل من سبعة في المئة من مساحة بلادهم . وما يلوح الآن من انفراج في أزمة السّدّ هو نتيجة تغيير أسلوب التعامل مع الأزمة التي نجمت عنه، فالبدءُ من آخر السطر وليس من أوّله في مثل هذه الأزمات يحرق الأوراق كلها، وأحياناً يحرق السُّفن، والتلويح بحل عسكري نموذج لهذه البداية المعكوسة، حيث تضيع فرص دبلوماسية عدة وتتصاعد اللهجة المتوترة ويتشبث كل طرف بموقفه، لأنه عندئذ يتجاوز الأزمة ذاتها ليشمل الدول وما تتصوره عن نفسها وسيادتها . والمعادلة التي طُرحت مؤخراً في مصر واضحة بقدر ما هي بسيطة، وهي حق إثيوبيا في التنمية، والاستفادة من النيل في مجالات عدة، مقابل حق مصر في الحياة وليس في أي بُعد من أبعادها . وهذه المعادلة سياسية واقتصادية بقدر ما هي إنسانية، ما دام من حق كل الأطراف في حوض النيل أن تنعم بحصصها من مائه، شرط ألا يكون نعيم البعض جحيماً للآخرين، وحين تطرح الأزمة بهذا الأسلوب وعلى هذا النحو المنطقي تصبح قابلة للانفراج، بعكس الأساليب الأخرى التي تؤدي إلى انفجار مُحَتّم، يُلحق الأذى بالجميع . ومصر ليست بوابة إفريقيا فقط، بل هي البلد الذي لعب دوراً مشهوداً لعقود عدة في تعزيز استقلال دول عدة من القارة التي قرر قادتها في ستينات القرن الماضي أن تكون خضراء وليست سوداء، وهذا ما قاله جوليوس نيريري بعد زيارته لمصر الناصرية، مع العلم أن أزمات من هذا الطراز تتعلق بالوجود وليس بمجالات سياسية واقتصادية إجرائية وجزئية، لا تنفرج بالسهولة التي يتوقعها المتفائلون . فلا بد أن يكون هناك مجال فسيح أمام النيّات الطيبة، ليس على صعيد القارة والنهر الخالد الذي تعيش عليه فقط، بل على صعيد المجتمع الدولي أيضاً . والبداية قد تكون بروتوكولية وتبادل زيارات، لكن هذا مجرد تمهيد وتعبيد للطرق الوعرة، يوفّر فرصه للإصغاء المتبادل وبالتالي لحوار عقلاني يستبعد التوتير والتصعيد الإعلامي . لقد عقد العرب أول قمة في تاريخهم الحديث من أجل إنقاذ نهر الأردن من التحويل الذي سعت إليه الدولة العبرية، ونتصور أن النّيل يستحق أن يكون محوراً أساسياً في القمة القادمة التي تعقد على شاطئيه . المصدر: الخليج 18/6/2014م