يوم الأربعاء الماضي، مرت الذكرى الثالثة لاستقلال دولة جنوب السودان، وسط أجواء خيّم عليها الخوف والبؤس، مع استمرار العنف وتفشي الأمراض والأوبئة بين آلاف اللاجئين الهاربين من المعارك، وأيضاً وسط تحذيرات من خطر وشيك بتفشي المجاعة . ثمة ما يبعث على الحزن وربما أيضاً الغضب، عندما يتحدث الناس عن المجاعة في جنوب السودان، فهذا البلد الذي لا يزيد عدد سكانه على العشرة ملايين شخص، يمتلك كل المقومات التي تجعله يعيش رفاهية يحسده عليها كل جيرانه، ذلك أن كل أراضيه صالحة للزراعة وهو يتوفر على أكثر من 560 ألف كيلومتر مربع من الأراضي البكر شديدة الخصوبة، ومصادر متنوعة لمياه الأنهار والأودية وخزانات المياه الجوفية وفصل خريف يمتد لثمانية شهور، كما يتوفر هذا البلد على مراع خضراء للماشية تمتد على مد البصر وثروة حيوانية تقدر بمئات الآلاف من رؤوس الماشية علاوة على ثروات أخرى في باطن الأرض مثل النفط والذهب والحديد والألمنيوم . لكن الحرب تنشر الفوضى في كل مكان، وتنبأت دراسة علمية أجريت في شهر مايو/أيار، من قبل وكالات حكومية وخبراء في الأمن الغذائي بأن 9 .3 مليون شخص، أو ثلث سكان جنوب السودان، ربما يواجهون "أزمة" أو مستويات "طارئة" من انعدام الأمن الغذائي بحلول نهاية أغسطس/آب المقبل، ارتفاعاً من 6 .1 مليون شخص في العام السابق . والمجاعة تصبح أمراً حتمياً ليس بسبب الجفاف، ولكن بسبب الحرب، فالمزارعون تكدسوا في مخيمات اللجوء، والجنود زرعوا الأرض المعطاءة بالألغام المميتة والرعاة يحملون المدافع ويطلقون النار على كل شيء يتحرك في "الأرض العدو"، والأبقار فتك بها الطاعون، لقد سقطت الدولة المنكوبة ضحية طموحات قادتها السياسيين والعسكريين الساعين لتكريس نفوذهم وسط أنهار الدماء وركام البؤس البشري . وإضافة إلى شبح المجاعة، يواجه سكان جنوب السودان خطراً آخر لا يقل فتكاً، يتمثل في تفشي مرض الإيدز على نطاق واسع، فبعد عودة السودانيين الجنوبيين من مناطق اللجوء في حزام الإيدز الإفريقي مثل كينيا وأوغندا، كانت نتيجة فحص الإيدز لدى الكثير منهم إيجابيةً . قدرت دراسة صادرة عن برنامج جنوب السودان الوطني لمكافحة الإيدز نسبة المصابين بهذا المرض بين بالغي الدولة الوليدة بنحو 7 .2 في المئة، وأشارت الدراسة التي شارك في إعدادها خبراء من منظمة الصحة العالمية إلى أن 152 ألفاً من مواطني جنوب السودان يتم علاجهم الآن بالعقاقير الخاصة بتأجيل مضاعفات هذا المرض، وأن 16 ألفاً من أبناء جنوب السودان يلتحقون بطابور مصابي الإيدز سنوياً، من بينهم 3 آلاف طفل . وقدرت اليونسيف معدل إصابة المواليد بالإيدز في جنوب السودان بنحو 43 حالة إصابة لكل ألف مولود نتيجة انتقال فيروس المرض من الأمهات . إذاً، عيد جمهورية ثالث يمر على جنوب السودان وأهله يعيشون البؤس وخيبة الأمل وتحدق بهم أخطار الجوع والأوبئة الفتاكة، بينما ينشغل قادتهم بإعداد الجيوش وشراء الأسلحة استعداداً لجولات جديدة من المعارك . المصدر: الخليج 17/7/2014م