شهدت الساحة السياسية مؤخراً حالة من الغليان والتغلبات في مواقف القوى السياسية من قبول ورفض الحوار الوطني، الذي نادي به الحزب الحاكم عبر خطاب الوثبة الشهير، وعاد التباين في وجهات النظر من جديد، بيد أن هذه المرة كانت بين الذين قبلوا بالحوار ابتداءً في وقت شهدت فيه الساحة حالة من البيات الشتوي للتنظيمات السياسية التي رفضت مبدأ الحوار أو التقارب مع المؤتمر الوطني إلا بشروط، وربما أن مصالح تلك الأحزاب التي قبلت الحوار اصطدمت بمصالح التيار الرافض للتقارب مع القوى السياسية أو التعاطي معها داخل الحزب الحاكم نفسه، وفي البال تجربة مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني السابق صلاح عبد الله قوش أثناء توليه رئاسة مستشارية الأمن القومي، والتي طرح من خلالها خارطة طريق لكيفية تلاقي حزبه بالأحزاب الأخرى إلا أن قوش دفع ثمن فعله بحل المستشارية نفسها في خطوة عدها المراقبون انتصاراً للتيار الداعي إلى التمسك بالنسخة الأولي لثورة الإنقاذ الوطني على الداعين إلى الإصلاح والانفتاح. ولم يكن الحزب الحاكم يتصور أن ينفض شريكه الأكبر في الحكم الحزب الاتحادي الأصل – يده من الحوار الوطني وهو أي – الاتحادي – يعد من أكبر الداعمين له عبر مبادرة الوفاق الوطني التي أعدها رئيس الحزب محمد عثمان الميرغني، لكن الحزب ألوفاقي فاجأ جميع المراقبين بإعلانه الأخير والتلويح بالانسحاب من الحوار الوطني بالرغم من عضويته المميزة في مجموعة آلية السبعة الحكومية، بيد أن القيادي في الحزب الاتحادي الأصل كشف ل(التيار) عن اتجاه قوى داخل الحزب إلى الانسحاب من الحوار الوطني، وبرر السيد خطوة الانسحاب بتمسك الوطني بقيام الانتخابات في مواعيدها، وعدم دفعه استحقاقات الحوار، وتهيئة المناخ الملائم لإجرائه، فيما عد مراقبون خطوة الاتحادي التي تقترب من رؤية قوى الإجماع الوطني بأنها خروج للحزب من بيت طاعة الوطني الذي دخله بعد المشاركة، لكن مصدر في الحزب ينحاز إلى المجموعة المشاركة وداعم للتقارب بين الاتحادي والوطني – فضل عدم ذكر اسمه – وصف إعلان علي السيد بالمعزول، وقال: إن على السيد ظل يغرد خارج سرب قرارات الحزب منذ مدة طويلة، لكن علي السيد دافع عما صرح به وأكد ل(التيار) جدية بعض القيادات في إعلان الانسحاب عقب اجتماع تعتزم قيامه في الأيام القادمة لدراسة الأمر. وفي المقابل تبرأ زعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي – قبل مغادرته البلاد بشكل مفاجئ إلى فرنسا واجتماعه بقيادة من الجبهة الثورية – من الحوار الوطني، ويبدو أن الحزب الحاكم فجع في أكثر حزبين كان يعول عليهما في نجاح مبادرته التي أطلقها مؤخراً لاسيما أن المهدي كان من أكثر القيادات السياسية المدافعة عن الحوار، فيما سماه بالتغيير الناعم والأقل خشونة ورفضه التغيير عبر السلاح والعنف، لكن خطواته الأخيرة ربما تباعد بينه وبين المؤتمر الوطني وتبعد عنه تهمة الولاء والطاعة للحزب الحاكم. لكن ثمة تساؤلات تفرض نفسها حول موقف الحزبين الكبيرين في الساحة السياسية، ما هي رؤيتها المستقبلية؟ وهل سيتخلي المهدي عن فكرة التغيير الناعم للسلطة، ويوقع على وثيقة مشتركة بينه وبين حاملي السلاح لنضال مشترك في المستقبل أم أن موقفه الأخير من قبيل الضغط على النظام لتقديم تنازلات أكبر ومن ثم الاستمرار في الحوار بشكل جديد بعد أن حرر شهادة وفاة للحوار الوطني بشكله القديم؟ وفي المقابل هل يمهد رفض الاتحادي الحوار الطريق للخروج من الحكومة التي لم تلتزم – حسب مبرراته – بدفع مستحقات الحوار؟. مراقبون عدوا خطوة الأمة والاتحادي كروت ضغط على حزب المؤتمر الوطني، لتقديم أكبر تنازلات تضمن لهما وضعية أفضل في الحوار لا سيما أن كلا من الحزبين شعرا أن الحوار أصبح إخوانياً أكثر من كونه وطنياً، وانزعجا من التقارب الكبير بين حزبي الوطني والشعبي في الفترة الأخيرة. نقلاً عن صحيفة التيار 2014/8/12م