اكتوبر هذا العام شهر له ملامح خاصة، فقد شهد اكبر نشاط مصرى متعلق بدول حوض النيل خلال عقود طويلة، تجعلنا نقول وبلا مبالغة إن الدور المصرى القديم فى افريقيا فى طريقه لاستعادة بريقه وتأثيره. فقد شهد شهر اكتوبر هذا العام جولة مفاوضات سد النهضة بين اثيوبيا والسودان ومصر، ثم تلاها اسبوع كامل من اجتماعات الهيئة الفنية المشتركة المصرية السودانية لمياه النيل، وتواكب معها زيارة الرئيس عمر البشير للقاهرة، كما شهدت نهاية الشهر زيارة وزيرة المياه بدولة جنوب السودان للتباحث حول مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين على المستويين الثنائي والإقليمي في مجال الموارد المائية والرى . ولعلى ابدأ بالزيارة التاريخية للرئيس عمر البشير، والذى شرفت بمرافقته كرئيس للوفد الرسمى المخصص لاستقباله وفى اثناء اقامته بالقاهرة وحتى سفر سيادته، وقد خلصت الزيارة الى نتائج مهمة مثل تفعيل اللجنة العليا المشتركة في البلدين، وسبل تدعيم العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، وتوسيع التعاون والتبادل التجاري والاستثماري، وتفعيل اتفاقات التعاون المبرمة بين البلدين. كما عقدت اللجنة الثلاثية الوطنية أعمال اجتماعها الثانى بالقاهرة تم خلال الاجتماع التوافق على اختيار قائمة مختصرة من سبعة مكاتب استشارية دولية ذات سمعة عالمية. وقد أنشئت الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل فى عام 1960 بناء على اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النهر بين مصر والسودان، وتهتم برسم الخطوط الرئيسية للمشروعات التي تهدف الى زيادة ايراد النيل والاشراف على البحوث، الاشراف على تنفيذ المشروعات التي تقرها الحكومتان، كما تضع الهيئة نظم التشغيل للأعمال التي تقام بدول حوض النيل بالاتفاق مع المختصين فى البلاد التي تقام فيها هذه المشروعات.وقد تطرقت اجتماعات هذا الشهر لعدد من الموضوعات تتعلق بمشروعات تقليل الفاقد لزيادة إيراد النهر، موازنات السد العالى والخزانات الاخرى داخل .السودان، مقاومة نبات الهايسنت (ورد النيل)، متابعة وتطوير عمليات قياس التصرفات والمناسيب على النيل، متابعة الفيضان واعمال التنبؤات، متابعة المحطات الهيدرومناخية للرصد في مصر والسودان لتقدير البخر. والحقيقة ان انشطة الهيئة تصب فى اطار توحيد الجهود للانتفاع الكامل بمياه النيل، فقد جاء مثلاً يحتذى به للدول المتشاطئة لإتباعها لتحقيق النفع الكامل من النهر المشترك للحد من خلافات بين هذه الدول، وانعقدت هذه الاجتماعات فى اجواء ايجابية وأخوية متواكبة مع زيارة الرئيس السودانى عمر البشير. وتأتى زيارة الوزيرة الجنوب سودانية كأول زيارة تقوم بها إلى مصر بعد توليها منصبها الوزارى. كما استهدفت الزيارة تدعيم الجهود لمواجهة التحديات المستقبلية التي قد تعوق مسيرة التعاون بين مصر وجنوب السودان لتحقيق الأهداف المشتركة ، وهو الهدف الذى تعتبره مصر أمرا حتميا للنهوض بالأجيال القادمة بالشكل الذى يؤكد للجميع أن المصالح والاهداف المشتركة للدولتين تنعكس فى تنفيذ برامج التنمية للشعبين. مشروعات التعاون الفنى مع جنوب السودان تشمل تطهير المجارى الملاحية بحوض بحر الغزال ، وانشاء المراسى النهرية التى نجحت فى ربط المدن والقرى الرئيسية بجنوب السودان ملاحيا، وبالتالى تسهيل نقل البضائع والركاب،وحفر وتجهيز عدد (30) بئرا جوفية مزودة بمجمعات تأمين مياه الشرب النقية لنحو الف مواطن جنوبي لتوفير مياه الشرب النقية للاستخدامات المنزلية والثروة الحيوانية. وهناك ايضا مشروع تأهيل محطات قياس المناسيب والتصرفات بدولة جنوب السودان بهدف توفير كافة البيانات والمعلومات الخاصة بمشروعات التنمية فى جنوب السودان، بالاضافة إلى انشاء محطة رفع بمدينة واو لتوفير الاحتياجات المائية للاستخدامات المنزلية والثروة الحيوانية للتجمعات السكانية القريبة من المجارى المائية والتى يجرى حالياً البدء فى تنفيذها من قبل شركة المقاولون العرب.ومشروع إعداد دراسات الجدوى الخاصة بسد واو المتعدد الأغراض هو أحد أهم مشروعات التعاون الفنى مع جنوب السودان ، فقد تم الانتهاء من دراسات الجدوى الفنية له ويجرى حالياً التحضير لعقد ورشة عمل موسعة لعرض هذه الدراسات على الجهات المانحة لتمويل بناء السد. وقد انتهت الزيارة بالتوافق على مسودة اتفاقية تعاون مشترك لاول مرة بين البلدين، مما يتيح وجودا دائما لبعثة الرى المصرى بجنوب السودان على غرار البعثة الموجودة فى السودان، وسيتم التوقيع على تلك الاتفاقية قريبا عند زيارة رئيس جنوب السودان للقاهرة ان اهمال الدائرة الافريقية لسنوات طويلة قد احدث ضررا بالغا بالمصالح المصرية، وفى القلب منها المصالح المائية المرتبطة بشكل مباشر بدول حوض النيل، وحينما تتقارب العلاقات مع تلك الدول، وتتواصل الزيارات وتبادل المنافع، كما شهدنا خلال شهر اكتوبر، نعرف اننا على المسار الصحيح الذى سيؤدى باذن الله-الى تحقيق طفرة فى العلاقات مع تلك الدول. بما يعزز العلاقات المشتركة والمنافع، ويحقق فى الوقت نفسه التنمية التى تنشدها دول الحوض. او ما تعارفنا عليه بالدخول فى لعبة يربح فيها الجميع . ان ايمانى العميق بأن الدائرة الافريقية من اهم الدوائر الاستراتيجية لمصر، والتى يجب ان نتكاتف جميعا لاستعادة الدور الريادى المصرى الذى شهد وساعد فى مولد حركات التحرر الوطنى فى اغلب الدول الافريقية فى الستينيات من القرن الماضى، وهى المساعدة التى مازالت كل شعوب افريقيا تذكرها بالخير، وقد ردت لنا تلك الدول الجميل بوقفتها معنا فى حرب اكتوبر 73 امام المحافل الدولية. حفظ الله مصر وشعبها ونيلها من كل سوء ..