انفصال الجنوب وإعلان استقلاله الكامل مر علي هذه البلاد كأنها واقعة تحت مخدر أو خارج شبكة الوعي، فربما كانت لصدمة أكبر من أن يستوعبها الجهاز العصبي للبلاد. فحدث مثل هذا كان ينبغي أن يحتاط له فهو لم يحدث فجأة وقد كان أمراً متوقعاً ومرجحاً بمجرد توقيع اتفاقية نيفاشا في 2005 لقد تعاملنا مع الحدث كأنه أمر سياسي عادي مع أنه شرخ في الأرض وفي الناس وفي الوجدان فبدلاً من حدوث الصدمة ثم العمل علي امتصاصها حدث العكس وقعت الواقعة لم ندرك كل أبعادها وها نحن الآن ندفع في الثمن بالتقسيط غير المريح وفي النهاية ستأخذ مسألة انفصال الجنوب مكانها البارز في كتاب التاريخ السوداني. من الأثمان الباهظة التي تدفع الآن ما اصطلح عليه باسم قضية المنطقتين – جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان – فهذه المسألة تم درسها ضمن نيفاشا بصورة ماكرة وكان ينبغي حسمها قبل الانفصال حتي لا تصبح خميرة عكننة قابلة للتعملق كما هو حادث الآن. حتي بعد الانفصال واندلاع الحرب في المنقتطين لاحت فرصة في اتفاقية نافع / عقار في ينونيو 2011 ولكن كانت أجواء الخرطوم في حالة هياج وخروج عن شبكة الوعي فتم رفض الاتفاقية بدم بارد من قبل الحكومة دون أدني دراسة فتطورت الأحداث إلي أن وصلنا مرحلة القرار 2046 والذي يعني تدويل القضية وقد ذهبت الحكومة للتباحث تحت مظلته وهي (تقدم رجلاً وتؤخر أخري) وبدأ اللت والعجن حيث وصلت عملية المفاوضات ست جولات دون الوصول إلي شئ محسوس إلي أن جاءت الجولة السابعة لتجد الحكومة أن قطاع الشمال قدم قضايا السودان علي قضايا المنقطتين فإخذت حكومة السودان تبحث بحثاً عن اتفاقية نافع/ عقار وتصر علي حصر التفاوض في المنطقتين فأنطبق المثل (تاباها مملحة تأكلها قروض – بدون ملاح ) وهذا أحسن من المثل بتاع ممعوطة وكدا. الحركة الشعبية قطاع الشمال وبزعامة ياسر عرمان أصرت علي تبديل الوفد شكلاً ليصبح ممثلاً للجبهة الثورية وأصرت علي أن تكون الأجندة كل قضايا السودان فرفضت الحكومة وأصبح موقف الوساطة محرجاً فعلقت المفاوضات (علي طريقة ساعة ابرك من ساعة) لاتخاذ تدابير أخري تعيد قطار التفاوض إلي قضيبه كتفاهم الحكومة مع حركتين من حركات دارفور – مني وجبريل – ولكن ياسر عرمان وفي تصريحه بأحقية أهل المنطقتين في المطالبة بالحكم الذاتي يش بأن الخرق اتسع علي الراتق فالجمع بين مطالب دار فور ومطالب المنطقتين صعب فدارفور قد يستحيل عليها المطالبة بحكم ذاتي لأن أهلها يعتبرون أنفسهم مكوناً أساسياً من مكونات السودان وهم فعلاً كذلك. من غير المستبعد أن يحدث شرخ في الجبهة الثورية وقد تسعي الحكومة لاتسغلاله بالتفاوض مع قادة المنطقتين وبالطبع سوف يطالبون بالحكم الذاتي وبما أن الحكم الذاتي (خشم بيوت) سوف تقول لهم الحكومة إنها لا تمانع من حكم ذاتي إداري ليس فيه جيش خاص أو بوليس خاص أو سياسة خارجية خاصة وأغلب الظن سوف يرفضون ويتدخل الوسطاء ويقدمون ورقة تبقي علي القوات المحاربة كجيش مؤقت للمنطقتين لفترة انتقالية (نيفاشا جديدة) ثم تتطور الأحداث ويتواصل اللت والعجن إلي أن نصل مرحلة تقرير المصير ففي تقديري أنه من الأوفق أن توافق الحكومة علي فكرة المنبر الواحد حتي لا تغرق في الحفيرات وتقصد البحر (الغطي التمد) الآن وإلا سوف ينطبق عليها المثل بتاع بصوفها وكدا. نقلا عن صحيفة السوداني 24/11/2014م