عمرت صحف أمس الأول (الجمعة) بكل ما يضعف ويقلل من شأن السيد "ياسر عرمان" رئيس (قطاع الشمال) في (الحركة الشعبية) والمتحدث باسم (المنطقتين) في مفاوضات أديس أبابا بين وفد الحكومة وبينه، وذلك بعد أن أطلق عبارته (المهلكة) التي طالب فيها بالحكم الذاتي للمنطقتين، وهي خروج كامل عن أجندة التفاوض والأجندة الوطنية بشكل عام. و(الفلتات) والخروج عما هو مألوف ومعروف ليس بجديد في سيرة وتاريخ السيد "عرمان" ولا سيما بعد أن رحل زعيم (الحركة الشعبية) السيد "جون قرنق دي مبيور" الذي عرف بالحراك السياسي المسؤول والمقبول.. إذ لعل الكثيرين ممن عاصروا مفاوضات نيفاشا لمسوا في الرجل سماحته وتواضعه وهو يستقبل رموز الحركة الصوفية في مسرح التفاوض.. إذ يذكر هنا الشيخ "محمد هاشم الهدية" والشيخ الدكتور "حسن الفاتح قريب الله" و"الشيخ" الطيب الطاهر بدر". ورغم أن رئيس الحركة الشعبية (splm) وهو يلقي السلاح ويمسك بعصا السياسة، قد ترك خلفه الكثير من سياساته وهو يعمل بعد استكمال مفاوضات نيفاشا نائباً لرئيس الجمهورية ومتحدثاً بلسان واحد مع بقية الدست الرئاسي، إلا أن "عرمان" شكل نمطاً آخر في الممارسة السياسية والتشريعية و(التشويش) علي العلاقات الخارجية، وقد ذكرنا ذلك في (المشهد السياسي) قبل أيان وهو يدلي أمام الجهة الراعية للمفاوضات بورقة غير ملبية للغرض وغير موافقة للأجندة. نعود إلي ما أطلق "عرمان" من مشروع سياسي – أقام عليه القيامة ولم يقعدها- كما يقولون أنه فقد بموجبه أقرب الأقربين أليه ومنهم السيد "عبد الواحد محمد نور" الذي وصف ما قاله "عرمان" بأنه (اتزاز سياسي) وحزب (الأمة القومي) الذي قال عنه أيضاً بعد أن رفضه بأنه (لا يعدو أن يكون موقفاً (تكتيكياً) موقتاً من أجل الوصول إلي مكاسب محددة..) وكلا الحزبين كانا من شهود (إعلان باريس) والموقعين عليه، وقد كان تحت اسم (الجبهة الثورية). وليس ذلك وكفي وإنما تلقي السيد "عرمان" صفعة أخري من الكيانات الدارفورية التي دعا إلي انضمامها لما طرح والتي رفضت من جانبها فكرة (الحكم الذاتي) وما طرح "عرمان" من أفكار.. والصفعة الأكبر كانت عزل "أركو مناوي" من قبل جماعته بعد أن بدأ مؤازراً ل"عرمان" ومستجيباً لدعوته للتفاوض. أما الأحزاب الأخري ومنها الحزب (الاتحادي) وأحزاب الحوار الوطني (7+7) والحزب الحاكم بالضرورة كان لها رأيها الرافض للأفكار التي ليس الأفراد بأهل لها ولا منحة من الحكومة أو المعارضة وإنما من حقوق المواطنة التي تلبي وفق إجراءات وترتيبات دستورية بعينها. وأكثر من ذلك فقد تداخل البرلمان القومي (المجلس الوطني) بالأمر أيضاً، حيث وصفت الأستاذة "بدرية سليمان" مطالب رئيس وفد الحركة الشعبية (قطاع الشمال) بحكم ذاتي للمنطقتين بأنها (مهدد للأمن القومي)..! "عرمان" والحركة الشعبية (قطاع الشمال) التي أعطاها اتفاق نيفاشا ببروتوكلاته وإجراءاته التحدث باسم المنطقتين "جنوب كردفان" و"جنوب النيل الأزرق"، لأبد أن ذلك قد أصابه الآن ما أصابه من المهددات وفقدان التوازن.. فالسيد "عرمان" الذي تعاني حركته الشعبية وقد باتت لها دولتها في "جنوب السودان" من الكثير من المعوقات الكفوات جراء ثقل المسؤولية وضعف الإرادة. لقد سبق أن قلنا في (المشهد السياسي) قبل الأخير بعنوان (عرمان ومفاوضات المنطقتين): إن الأمر متروك للآلية الأفريقية رفيعة المستوي المشرفة علي التفاوض برئاسة السيد "ثامبو أمبيكي" ومساعديه، وذلك ما ستكشف عنه الأيام بل وأكثر من ذلك، فإن المواطن في المنطقتين وفي السودان بشكل أكبر وعبر مؤسساته المختلفة وهو المسؤول، وعليه نتصور أن الرأي العام عبر الإعلام والسياسة وغيرهما يتوقع له أن يتحرك بما يحقق المصلحة الوطنية والعامة. ولعل هذا ما حدث بعد أطروحة السيد "عرمان" الخاصة بإعطاء المنطقتين وغيرهمها (الحكم الذاتي)، حيث حدثت نفرة حزبية سياسية وبرلمانية وإعلامية ضد الفكرة التي اعتبرها البعض مهدداً للأمن القومي، وهو ما أوردناه في (المشهد السياسي) اليوم. ولا ندري بعد الآن كيف تكون نظرة العالم الخارجي للسيد "ياسر عرمان" بل ونظرة الآلية الأفريقية له وهو (يعربد) ويتمايل (يساراً ويميناً) في أجندة تفاوض لا تقبل (اللت والعجن).. كما يقولون..!! نقلا عن صحيفة المجهر 23/11/2014م