للحديث عن المصالح الأمريكية في إقليم دارفور يجب قياس درجة قوة العوامل الاقتصادية والسياسية والثقافية والأمنية العسكرية لأمريكا في دارفور ومن ثم مقدار تأثير تلك العوامل على الأوضاع الحالية في أزمة دارفور. الولاياتالمتحدة تريد من خلال وجودها في دارفور إنهاء الوجود التاريخي لبريطانيا وفرنسا ووراثتهما بصورة كاملة ونهائية وهذا الاستخلاف يجب أن يشمل الشق السياسي والاقتصادي وتبني الليبرالية كمنهج متكامل. سياسة كونية.. الوجود الأمريكي في دارفور هو امتداد للسياسة الكونية لأمريكا في إدارتها للنظام الدولي وللسيطرة على مناطق إنتاج النفط وتأمين انسيابه وإبعاد التنين الصيني من إفريقيا عبر الأدوات السياسية والعسكرية. الولاياتالمتحدة وفي إدارتها لازمة دارفور تخاطب مصالحها بصورة جيدة ولا تجد حرجاً في ذلك عندما استثنت الصمغ العربي السلعة الإستراتيجية من قائمة الحظر المضروب على السودان. الولاياتالمتحدة تعلم إن دارفور تكمن عناصر القوة الشاملة للدولة السودانية فالموارد البشرية التي تتوفر في أهل دارفور من رجال أشداء أهل بئس أحدثوا الفرق عندما توحدوا مع أهل السودان الأوسط والشرقي والشمالي في طرد المستعمر البريطاني وبناء أول دولة سودانية وطنية في أفريقيا والشرق الأوسط ولان البيئة الجغرافية والاجتماعية لأهل دارفور تحض على الانخراط في سلك الجندية وهذا يبرر كثافة أهل دارفور في القوات الوطنية، فالإستراتيجية بعيدة المدى تعمل على تفتيت هذه القوة البشرة الاحتياطية عبر تأجيج الصراعات وتزويد النار بالفحم لضمان استمراريتها وصولاً للهدف المنشود. العنصر الثاني من عناصر قوة الدولة الشاملة والذي تعمله الولاياتالمتحدة في ثراء الإقليم بالموارد الظاهرة والباطنة وان اقتصاد دارفور في الأصل هو اقتصاد زراعي بشقيه النباتي والحيواني وهذه الثنائية هي محور زيادة الإنتاج والإنتاجية. تقاطع الاستراتيجيات.. الولاياتالمتحدة من خلال حضورها في دارفور تسعي لإدارة تقاطع الاستراتيجيات في المنطقة لصالح المصلحة الوطنية الأمريكية مستفيدة من ضعف المركز الاقتصادي لفرنسا وبريطانيا اذ ان قدرتها المادية لا تمكنها من الصمود أمام الإستراتيجية الأمريكية طويلة المدى ومركزه بذلك جهدها وأدواتها السياسية والعسكرية في التعامل مع الصين الوافد الجديد إلى إفريقيا وإنشاءها لمنبر "أمريكا وإفريقيا" كصنو لشركة الصين وإفريقيا. في مجمل القول إن الولاياتالمتحدةالأمريكية دائماً تعلي من الشأن الاقتصادي في ترتيب مصالحها الحيوية حول العالم ولا تتردد في التضحية بالبعد ألقيمي والإيديولوجي وان استخدمت وسائل حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية ومدنية الدول والشواهد على ذلك كثيرة اذ قدر لنا ان نحلل العلاقات الأمريكية حول العالم الشرقي والغربي منه ولكل ذلك فان مخاطبة القضايا الاقتصادية لأمريكا في دارفور ربما يمهد السبيل أمام التفاههمات السياسية وهذا يستلزم إتباع سياسة دبلوماسية متعددة المسارات، ولعل الولاياتالمتحدة ترغب في بعض التطمينات التي من شأنها تقريب الشقة فيما يتعلق باستخدام وتوظيف الثروات خاصة اليورانيوم والبترول والذهب بحسبان ان جوهر الإستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب يتضمن خطوات للحيلولة دون امتلاك بعض البلدان عناصر القوة بأشكالها المختلفة، كما إن على الولاياتالمتحدة إن تعلم إن إفريقيا كلها تتشكل وتنصهر في المكون ألاثني لإقليم دارفور، فدارفور تلتقي كل قبائل إفريقيا فيها وهذه الميزة غير متوفرة لأي قطر إفريقي آخر سواء أكان شمال أو جنوب الصحراء الإفريقية ولهذه الميزة دلالاتها من حيث اختيار منهج إدارة الأزمة أو تطوراتها المستقبلية وأهميتها للإستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب حيث تنشط الحركات المتطرفة على تخوم دارفور مثل حركة بوكو حرام في نيجيريا وحركة سليكا في إفريقيا الوسطي وامتدادات ذلك.. نقلاً عن صحيفة الصحافة 2015/1/11م